יום רביעי, 28 ביולי 2010

أثر الحريات العامة والشخصية في
تنمية عقلية الأبداع والنقد


بحث في علم الأجتماع
مقدم من الطالبة: خديجة محمد ريان
الصف الثاني عشر
مدرسة كابول الثانوية
بتوجيه الأستاذ المربي : يوسف شحادة
أيار عام 2004






تنويه :
يسرني أن أشكر طاقم التدريس في المدرسة الثانوية وادارتها على أتاحة الفرصة لي في أتمام هذا البحث .. فأن ملاحظات الأستاذ يوسف شحادة قد أفادتني كثيرا في أنجاز هذة الدراسة ..ولا أنسى أن أشكر والدي الذي وضع تحت تصرفي خبرتة ومكتبته الغنية بكل أنواع المصادر الذي أعتمد عليها هذا البحث .
بأحترام
خديجة محمد ريان
سيرة ذاتية
محمد سعيد علي ريان

من مواليد 1940 ولد في قرية كابول في الجليل شمال فلسطين, وأنهى تعليمه الجامعي في الجامعة العبرية في القدس ثم في جامعة حيفا في موضوعي الفلسفة والعلوم السياسية.

شغل العديد من المناصب :
1- سكرتير لجنة الطلاب العرب في الجامعة العبرية في عامي 1966/1967 وقد اعتقل إداريا في أثناء حرب 1967 فترة من الوقت كعنصر معاد للسياسة الإسرائليه اضطر بعدها للالتحاق بجامعة استوكهوم في السويد عام 1968/1967 وعلى أثر نشاطه السياسي ضد السياسات والممارسات الإسرائيلية ضد الأقلية العربية التي تعيش في إسرائيل, اضطرته السلطات السويدية لمغادرة السويد والعودة إلى وطنه من جديد. ولكنه وجد الله في السويد فاَمن هناك بالإسلام وانتقل من الفكر الماركسي الذي كان يعتقه إلى الإسلام .
2- في عام 1987 أقام مع آخرين: "المركز الأكاديمي للدراسات الشرقية".
3- في عام 1985 أصدر مع بعض قادة الحركة الإسلامية مجلة "الصراط" ثم مجلة "حراء".
4- أصدر في عام 1999 فصلية "البرهان".
5- أقام مع بعض قادة الحركة الإسلامية: "كلية الدعوة والدراسات الإسلامية في مدينة أم الفحم وبعد سنتين استقال احتجاجا على المنهج التدريسي الذي اتبعته إدارة الكلية.
6- عضو الإدارة العامة للحركة الإسلامية حتى عام 1995.
7- رئيس مركز التخطيط الاستراتيجي للسلطات المحلية العربية حتى عام 1999
8- رئيس مجلس محلي كابول من عام 1990 حتى عام 1998.





* من مؤلفاته:
- العشرات من المقالات الفكرية والسياسية في الصحف والمجلات المحلية والعالمية
- آيات قرآنية في مقابل مسبات شيطانية : Divine Verses Instead of Satanic Revilements رد على سلمان رشدي
- دراسة نقدية لكتاب (who is god in Islam) لمؤلفه عبد المسيح.
- رحلة الإنسان ما بين الفكر والاعتقاد: دائرة المعارف العربية 1995.
- الإسلام ما بين: جمود النص على المعاني وحركة المعاني في نطاق النص
- عندما يصغر التاريخ : (الخطاب القومي والإسلامي للأقلية الفلسطينية في الدولة اليهودية) مركز الحضارة العربية القاهرة 2002 .
- المبني والمعرب في دنيا السياسة ( العرب في الدولة اليهودية من المواطنة المنقوصة إلى السيطرة ألاستعماريه) مركز الحضارة العربية-القاهرة 2002 .
- الصراع على الخليج ومحاولة توظيف الإسلام السياسي القاهرة مركز الحضارة العربية 2005 .
- العقلية الماضية والقرارات المسبوقة: قراءة في الصراع العربي الإسرائيلي مركز الحضارة العربية القاهرة 2005.
- جدلية العقل اليهودي: مركز الحضارة العربية القاهرة 2009.
- جدل الواقع العربي: مركز الحضارة العربية القاهرة 2009 .
- الثقافة الحولاء وامتناع الرؤيا الصحيحة: مركز الحضارة العربية الظاهرة.
تأخذ الصبغة الوقتية العابرة، كمن يبني بنيانه على شفا جرف هار .. ولهذا فإن النفس العربية المثقلة بهذا التصور والمشبعة بمثل هذه المشاعر لن تستطيع ان تندفع وراء مطالبها بكل قواها .. مثل ذلك كمثل مطالبة شيوخنا في بناء الحضارة في دنيا ينبغي ان نزهد فيها ونخلعها من قلوبنا وعقولنا، ونعيش فيها كعابر سبيل يستظل بشجرة ساعة أو ساعتين ثم يذهب. هذه الحياة الدنيا "الباطلة" الفاسدة التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فما الذي يضطرنا أن نقيم فيها حضارة يطيل أملنا بها. العقلية ذاتها بالعفوية والارتجالية ذاتها تدير صراعها من أجل تحصيل حقوقها. انها حركة في اتجاهات متناقضة..!!
1:1:2: فمبدأي السلام والمساواة اللذان ينادي بهما قادة الأقلية العربية ويعلنون أنهم يعملون على تحقيقهما، ليسا السلام الكامل والمساواة التامة .. ولكنه السلام المؤقت الذي يشبه الهدنة لترتيب الاوراق من جديد، وإنعاش الأمل في انتظار القادم المجهول الذي يملك الحل النهائي.
2:1:2: الذين لا يريدون الاشتراك في العملية السياسية المحلية بكل مستوياتها ابتداءً باللجان والجمعيات المدنية، مرورًا بالسلطة المحلية وحتى العمل البرلماني. أو اضطروا ليشاركوا حتى السلطة المحلية، ونكصوا عما وراء ذلك .. هذا السلوك يعكس العقلية المسيحانية المتواكلة، التي تنتظر الفارس المجهول، الذي ستنشق عنه الأرض، أو الذي سيهبط من السماء .. لهذا تجدنا لا نندفع في العملية السياسية الى آخرها، وبكل قوانا .. وحتى إذا هبط من سيهبط من السماء، أو يرتفع من ستنشق عنه الأرض فإن أول من سوف يستجيب لدعوته، وينصر دعوته، هي تلك القوى الفاعلة والمتحركة، الحاضرة دائمًا في تناولها لهمومها ومشاكلها .. وأكثر القوى التي ستخذله وتتخلف عن نصرته، هي تلك القوى القاعدة المتواكلة التي تدّعي انتظاره .. لأنها مغيبة ولا تعيش واقعها وغير حاضرة مع همومها ومشاكلها.
3:1:2: نحن عندما نعتقد بأن الدولة التي نتعامل معها هي ظاهرة عابرة، فسوف تظل مواقفنا متأرجحة مترددة، ويظل كذلك علاجنا لمشاكلنا يتخذ صيغة الحل المؤقت، وحضورنا شبه غائب، وكأن القانون الاسرائيلي الظالم الذي يجعل من بعضنا حاضرًا غائبًا، حاضرًا في معيشته غائبًا عن أملاكه، قد فُصّل ليلائم عقلية هؤلاء المتأرجحون، هؤلاء الذين يعيشون القرن الواحد والعشرين بأجسادهم ومعدهم بينما عقولهم مقيّدة هناك في مكان ما من عصور التخلف والجمود .. الذين يعتقدون بأن الحرب الأخيرة أو أمّ المعارك التي ينتظرونها ستحدث بأدوات قتالية كالقوس والنشاب، والسيف والترس والفرس، في عصر الطائرة والصاروخ النووي، في عصر وصلت به السفن الفضائية في جولاتها في السماء أبعد مما يصل اليه خيالهم .. وهم لا يملكون سيفًا ولا ترسًا، ولو ملكوه لا يحسنون استعماله، لا يتقنون غير تخيّل المعارك الوهمية، هؤلاء لا يعيشون حاضرهم ولا هموم حاضرهم، ولذلك لا يفكرون بها ...!! آن لنا أن نرى وجودنا في بلادنا هذه، وجودًا حاضرًا فاعلاً متحركًا ضمن المعادلة السياسية المطروحة في هذه الدولة .. آن لنا أن نذهب في السعي لتحقيق أهدافنا وغايتنا ومصالحنا بكل قوة وعزيمة ووضوح. آن لنا أن نتحرك بكل كياناتنا، إن الوقوف على رجل واحدة، لا يساعد على الجري .. إذا كان مطلبنا هو المساواة، فينبغي ان نسعى لتحقيقه بكل عزم وحزم رغم كل المعوقات .. هكذا نكتب التاريخ ونشارك فيه، وبغير ذلك يتجاوزنا ونغيب في طياته ويبتلعنا كما ابتلع الكثير من الأمم .. آن لنا أن نعيش حالة الضعف حتى نتمكن من تجاوزها، بمنطق الضعيف الذي يقوى بأسباب القوة .. ولا نعيش وهم الأقوياء والوهن والضعف ينخر عظامنا ويفتت قلوبنا ..
أيها السادة القاعدون الحالمون..!! إنّ المسيح – عليه السلام – عندما يهبط سوف يهبط على هؤلاء العاملين الفاعلين المتحركين الحاضرين مع همومهم وهموم أمتهم، العاملون على تغييرها .. أما هؤلاء الذين يقعدون ويعتزلون العمل مع الصوت المرتفع والصراخ الممل، والزعيق بغير معنى، فلن يتنزل عليهم شيء غير الصور الواهمة التي يعيشون معها ولها ..
وليتهم يعلمون: أن عزمي بشارة وعبد المالك دهامشه ومحمد بركة وإخوانهم العاملين معهم هم الحاضرون الفاعلون المتحركون في الميدان الذي سوف يتحرك به مبعوث السماء .. هؤلاء الذين يدافعون عن الحقيقة المُغيّبة، وعن الحق المهضوم وعن ظلم المظلومين. فهذه هي الأهداف التي من أجلها تتدخل السماء، وهي أمر الله للإنسان، رسالة المسيح – عليه السلام – التي سيهبط بها هي رفع الظلم عن المظلومين، وتحقيق الحق والعدل للضعفاء والمساكين وقطع دابر الظالمين المستكبرين المتجبرين الطغاة الذين اغتصبوا حق الله بفرض سيطرتهم على الناس.
3: اللوبي اليهودي في الغرب ليس مثالنا:
من المعروف أن الوجود اليهودي في اوروبا، خاصة في ايطاليا وبولندا، كان قبل عصر النهضة بمئات السنين .. وهناك أشخاص وفئات يهودية قد هاجرت من الأندلس، أثناء الحكم العربي الاسلامي لها، وتجولت في العديد من دول اوروبا .. وبعد أن تمّ طرد العرب واليهود من أسبانيا .. وإقامت محاكم التفتيش التي خيّرت اليهود بين الموت وبين اعتناق المسيحية .. الأمر الذي جعل جموع اليهود تظهر نصرانيتها وتستبطن يهوديتها .. ومن بينهم العديد من المفكرين والعلماء والتجار. وهم كانوا وقود النهضة الاوروبية العلمية بما نقلوه من الثقافة العربية التي انتشرت في الأندلس .. بما في ذلك عصر التنوير (The age of Enlightenment) وما عرف كذلك بعصر العقل (The age of Reason) كان للثقافة العربية التي نقلها اليهود الى اوروبا حضورًا بارزًا وفاعلاً في صياغتها. وقد ذهبت بعض الروايات أن رحلة كولومبوس تمت بتحريض وتمويل من بعض علماء وتجار اليهود .. وبمقتضى ذلك، فقد شارك اليهود في جهود اكتشاف العالم الجديد .. وبعد أن تمّ الاستيلاء على هذا العالم الواسع، وقتل شعوبه الأصلية من الهنود الحمر .. هاجر الكثير من اليهود الى هناك بعد أن خضعت تلك البلاد للأوروبيين، وبهذا فإن الوجود اليهودي في الولايات المتحدة يختلف عن وجودنا من حيث الأصل فنحن سكان البلد الاصليين.
1:3: فإن المجموعات اليهودية التي سكنتت العالم الجديد، وخاصة الولايات المتحدة هاجرت برأسمالها، فهي تعتبر شريكة الى حد ما في عملية استئصال الهنود الحمر من وطنهم .. فهي بوصفها إحدى المجموعات السكانية التي استوطنت الولايات المتحدة مبكرًا، تعتبر جزءًا من الغزاة – أو بتعبير أدق – جزءًا من الغزو المالي الاقتصادي، الذي يفتش عن الربح. فعندما يقيم اليهود لوبي يعمل لحفظ مصالحهم إنما يقيمون مراكز قوى وجماعات مصلحية تعمل داخل الجسم الذي تعتبر هي نفسها جزءًا منه.
2:3: بينما فيما يختص بالأقلية العربية، فهي أصحاب الأرض الأصليين وهي الجزء الذي تشبّث بأرضها من الشعب الفلسطيني الذي تمّ طرده وتهجيره من وطنه، على أيدي مستوطني الحركة الصهيونية العالمية .. فالصهيونية هي أداة القمع بالنسبة للشعب الفلسطيني، وهي التي استولت وصادرت أكثر الأرض التابعة للأقلية العربية..!! فهي ليست جزءًا من هذا المستوطن الصهيوني، بل هي على عكس ذلك، تمثل ضحيته التي جردها من كل أسباب قوتها .. فكيف يتسنى لها أن تصبح لوبي عربي تملك من الامكانيات ما يمكنها من التأثير في السياسة الاسرائيلية. كيف يتكون لوبي عربي ونحن ما زلنا نعتبر في نظر صُنّاع القرار الصهيوني مشكلة، يفتشون لها عن حل وعلاج..؟ بل تُعقد المؤتمرات لبحث ومعالجة هذه المشكلة الديموغرافية التي تثقل على الساسة، بل تقض مضاجعهم، كما صرح بذلك "المتفرنج" أو المحوسل سامي ميخائيل أثناء محاضرة له في كيبوتس كفار بلوم(17) في شمال اسرائيل، عندما سأله أحد الحاضرين عن رأيه في الأقلية العربية في اسرائيل. أجاب برفسور ميخائيل اليهودي العراقي المحوسل: "لو طرح علي هذا السؤال عند منتصف الليل فلن أنام تلك الليلة" .. هذا هو هاجسهم .. فكيف نصبح جماعة ضغط إذا كان غاية ما نسعى اليه هو إنصافنا ورفع الحيف والظلم عنا ... اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، يضغط بما يملك، ونحن بماذا نضغط، لا نملك غير صوتنا الانتخابي وهو يعرج في غالب أحواله .. الى جانب صمودنا ونضالنا...
4: العامل النفسي وأبعاده التاريخية، التي تتمثل في تركيبة شخصيتنا الاجتماعية فإن تارخًا متواصلاً لفترة ما يقرب من 14 قرنًا متلاحقة، إضافة الى تاريخ قبل ذلك،ولّد فينا نفسية خادعة وشخصية متورّمة هذا الخداع، يجعلنا ونحن أقلية نعيش بشخصية الأكثرية وتسلك سلوكها العاري المكشوف. لأن حضورنا مئات السنين المتعاقبة كقوة في التاريخ البشري بشخصة مميزة بارزة مكشوفة، جعلنا نحس ونتصرف وكأننا أكثرية .. لهذا ترىالأمي الجاهل فينا، يمشي وكأن في ثيابه الفارابي، والغزالي، وابن تيمية أو ابن رشد أو ابن خلدون .. وكذلك ترى الهزيل الضعيف يتصرف وكأنه علي ابن ابي طالب في فتوته، أو خالد بن الوليد في عزمه وقوته وتدبيره .. ترى الأمة وهي في مواضع الضعف والخور او الانحلال والهزيمة، تلوك خطاب القوي الغالب المنتصر .. هذه العقلية السلفية التقليدية، تعيش وتتصرف في واقع الأمر مع الحوادث والوقائع بروح التجزئة والانقسام بينما في خطابها الاعلامي وكأنه يصدر عن مركز الخلافة العباسية في أيام قوتها ووحدتها .. هذا الوضع النفسي الذي يجعلنا نتصرف بخداع مع النفس يَجعلنا نخسر قضايانا الواحدة في إثر الأخرى، لأن العقلية التي نفكر بها لا تنطلق من حسابات الواقع – الضعيف المجزء – الواقع المبني على حقائق الامور .. وهكذا هي الوعول التي تعجبها طول قرونها وقوتها فتنطح الصخر، "لكن أوهى قرنه الوعل".
5: وعلى العكس من ذلك تتصرف النفسية اليهودية في التستر والتحجب، فتراها في سلوكياتها وفي خطابها تتقمص شخصية الضعيف شخصية الأقلية .. لأن آلاف السنين التي عاشتها اليهودية كأقليات متجولة، في طول العالم وعرضه، كوّن لديها ذهنية "التقية" نفسية المقل الضعيف .. فهي تأمر من وراء الحجاب فيستجيب لأمرها العظماء والأقوياء من الدول والأشخاص .. تخفي وهي القوية جبروتها وثراءها وتأثيرها القوي في السياسة الدوليةـ بتواضع غير مبرر، وكأنها ما زالت تعيش حياة المطارد الملاحق، أو كمن لا يطمئن لعاديات الأيام وتقلب الأحوال .. فعندما صرّح الرئيس الماليزي، مهاتير محمد، عن قوة التأثير الصهيوني في اتخاذ القرارات على مستوى العالم، فقد اعتبر الاعلام الصهيوني تلك التصريحات معادية للسامية .. ومعادية لليهود .. لأن روح الأقلية .. روح الضعيف، روح الخائف الذي يبحث عن الأمن ما زالت مباطنة للنفسية اليهودية وتعيش في منطقة اللاوعي فيها .. في مقابل ذلك تظهر النفسية العربية وكأنها تتحلى بروح الأكثرية، الروح القوية والجهرية، لأنها ما زالت تنظر في مرآة التاريخ فترى وجهها القديم ..
من أجل هذا تملك اسرائيل تراسنة نووية هائلة وتتستر على ذلك، بينما لا يملك العراق شيئًا من ذلك، ويبدو وكأنه قوة قوية لا تُقهر .. فالخطابين اليهودي والعربي مختلفين .. فلا تستطيع ان تفهم الخطاب اليودي إلاّ بقراءة المسكوت عنه، الذي يمثل القوة والجبروت الخفي .. وعلى عكس ذلك لكي تفهم الخطاب العربي، ينبغي أيضًا أن تقرأ المسكوت عنه الذي طالما أخفى الضعف والجهل والتجزئة والانحلال.
من أجل ذلك ذهب بعض المفكرين منذ اليونان وحتى نيتشه بأن: "اليهود شعب من الفلاسفة" ويملكون القدرة على انتحال شخصية الضعيف الوضيع، والقدرة على تلبُّس الآخر .. بينما التمظهر والسفور والمكاشفة بيان لحقيقة القوة، سواءً كانت هذه القوة حقيقة أم خداعًا ووهمًا. والمضمون والمعنى يحمل شكل التستر والتحجب في النصوص .. وقد أشرت الى ذلك في أكثر من موضع وأنا أكتب عن "جدلية العقلية اليهودية" فأسميتها "المعنى المتجول في الحّيز المتغيّر".
ولهذا فإن النفسيتان العربية واليهودية، لا تقبل بتكوين "لوبي عربي" على غرار اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، ولأسباب كثيرة غير التي ذكرناها .. وهذا يحتم على النخب في الأقلية العربية ان تدرس امكانياتها وأوضاعها جيدًا حتى تتمكن من صياغة آلية عمل وحتى تبني نموذجها الخاص بها والذي يلائم أوضاعها وتستطيع من خلاله التأثير في سياسة الدولة، من أجل تحقيق بعض مطالبنا .. ينبغي ان نصدر الايحاءات على أننا هنا جزءٌ من تضاريس هذه البلاد، نحن كجبالها وسهولها، كوديانها وهضابها، حتى لا تتوهم الأفاعي السامة أنها تستطيع أن تنفذ سياسة الترانسفير ضدنا .. علينا أن نتحرك بحركة الجبال والسهول والوديان، وأن نحضر في واقع الزمن وحركته كحضور الطبيعة فيه بل أكثر وضوحًا.
6: في انتظار أن ينبت لإسرائيل رأسًا شرق أوسطيًا بدل رأسها الأوروبي:
ليس لدى العرب والمسلمين مشكلة من أي نوع في امكانية المعايشة مع اليهود، فقد سبق أن عشنا حياة كهذه مئات السنينن بل آلاف السنين. ولكن الاشكالية جاءت من تبني اليهودية الاشكنازية لسياسة الحركة الصهيونية الاستيطانية التوسعية .. الصهيونية التي لا تقرُّ ولا تعترف بسيادة العرب على بلادهم وأوطانهم، إلاّ تحت رعايتها وتحت كنفها. إن مقولة إسرائيل دولة تعيش في الشرق الأوسط لكنها تحمل رأسًا أوربيًا، مقولة توحي بالروح الاستعمارية .. ولهذا فإن البديل لهذه المقولة، أن ينبت رأسًا جديدًا لإسرائيل، تستطيع بواسطته إسرائيل أن تشعر بهموم البشر في الشرق الأوسط، وتعيش مشاكلهم وهمومهم، وتفكر في مصالح هذا الشرق. كادت هذه المحاولة أن تنجح، لكن الاشكنازية تحاول أن تجهز عليها، سواءً تمثل ذلك:
1:6: في حركة المؤرخين الجدد والنقاد الاجتماعيين، ومجموعات مثل "متصبين" وجماعة الصحفي اوري أڤنيري وأوري ديڤيس وغيرهم، الذين ينادون بفك الارتباط مع الحركة الصهيونية العالمية.
2:6: الشيوعيين اليهود.
3:6: اليهود الشرقيين على طوائفهم المنابذة للإشكنازية المتسلطة.
4:6: عمير بيرتس إذا ثبت على مقولته في اليوم الذي تمّ انتخابه لرآسة حزب العمل، حيث شكل تحركه في اتجاهات ثلاث فقد قال بأن قطار الليكود يتجه صوب يهودا والسامرة (يعني المناطق المحتلة) بينما قطار بيرتس يتجه نحو: السلام، والانسان والرفاه الاجتماعي. ومع أنه أخذ يتراجع تحت ضغط الصوت الاشكنازي الذي ما زال به بريق لامع أكثر من الصوت الشرقي .. فإنه حتى يتحقق من أن خطوته هي ثورة على قيم سابقة تبنتها الدولة، فلا بدّ له من أن يعيد النظر بأطراف المعادلة التي تُكوّن السياسة الاسرائيلية حتى اليوم، والتي من أقواها الحركة الصهيونية العالمية .. هل سيعمل بيرتس على تحرير ارادة الدولة من الاستعمار الصهيوني..؟ هل سيحاول أن يستقل بالقرار السياسي لصالح الدولة الاسرائيلية ومواطنيها...؟ وهل ستكف الدولة من أن تظل آلة بيد الصهيونية لتحقيق أهداف هذه الأخيرة...؟ وهل سيعمل بيرتس مع التيارات التي ذكرناها من اجل إرساء دعائم "الاسرائيلية" على أنقاض "الصهيونية"..؟ هل يستطيع ان يحرر المجتمع الاسرائيلي من عسكرته، ليجعل منه مجتمعًا مدنيًا طبيعيًا كغيره من المجتمعات ... وياتي الرد سريعا على تساؤلاتنا هذه ، ففي اقل من شهرين استطاع الاشكناز من احتلال حزب العمل من جديد فاصبح الحضور الاشكنازي بارزا وظاهرا للعيان ، وكذلك الامر في حزب "كديما" و "الليكود" وغيرها من الاحزاب الصهيونية . ففي قائمة المرشحين لحزب "العمل" للكنيست السابعة عشر نجد ان عمير بيرتس رئيس القائمة يكاد يكون الشرقي الوحيد في العشرة الاوائل من المرشحين ، وباستثناء ثلاثة من العرب في العشرية الثانية فان جلها ايظا اشكنازية . وهذا يدل على ان الحضور الاشكنازي هو المسيطر سيطرة شبه تامة على هذا الحزب ايظا واللذي لا يمثل فيه عمير بيرتس (الشرقي) غير طلاء خارجي سرعان ما يزول .
نحن في الاقلية العربية مع هذا التوجه، ونحن نرعى ونؤيد الرأس الطبيعي للجسم الطبيعي .. ولا نرضى بالرأس المستعار أو المزروع .. سواءً كان أوروبيا أو غير ذلك ..
7: العلاقات العربية اليهودية في المئة الاولى من المجابهة:
على ضوء التحليل السابق فإن العلاقات العربية اليهودية في الخمسة عشر سنة القادمىة ستستمر في صيغة التمحور حول الذات ورعاية كينونة تمايز الآخر سياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا. فالحديث عن العمل والنشاط الاندماجي في المستوى السياسي سابق لأوانه في الظروف الحالية. حتى وهو يقوم من طرف واحد من الأطراف العربية وهو الحزب الشيوعي الاسرائيلي الذي يعلن انه ليس حزبًا صهيونياً .. ولكن ما نقصده بالاندماج السياسي، هو تغير المناخ السياسي الاسرائيلي برمته، حتى يتسنى تسويغ وتبرير موقف تلك الشخصيات العربية التي تندمج بالأحزاب الصهيونية منذ قيام الدولة ... مضافًا الى هذا الموقف الاندماج السياسي لدى المواطنين الدروز. والنموذج الدرزي يقوم على الاندماج السياسي والتمايز الديني والاجتماعي والثقافي، وقد جاء بناءً على القرار غير الواضح حول تجنيد أبناء هذه الطائفة العربية في الجيش الاسرائيلي .. فيظل الحديث عن الاندماج السياسي في هذه الأطر القائمة اليوم غير مُسوّغ ..
فالعلاقة منذ صدور وعد بلفور وهي علاقة مجابهة بين الصهيونية والشعب الفلسطيني في صراع على الأرض الفلسطينية، حتى تمّ تشريد غالبية هذا الشعب عن وطنه بقوة القهر والسلاح ..
ولكن العلاقة بين الأقلية العربية في اسرائيل وبين أجهزة الدولة، ظلت كذلك في خط المجابهة، ولكنها المجابهة السياسية، التي لا تتخطى القانون العام للدولة ... مجابهة من أجل:
1:7: الحصول على حقوق المواطنة وكل ما يترتب على ذلك من الحقوق العربية المهضومة.
2:7: مجابهة من أجل الحفاظ على ما تبقى من الأرض العربية.
3:7: مجابهة على المستوى الثقافي والديني وحرية التعبير ...
4:7: مجابهة على تحرير ارادة الدولة من قبضة الاستيطان الصهيوني الاستعماري بحيث تصبح دولة كل مواطنيها .
فإذا كانت المعادلة السياسية والثقافية والاقتصادية تقوم حتى اليوم على التمايز بين الطوائف اليهودية ذاتها، كما هو واضح بين الطبقة الاشكنازية من جانب وبين اليهود الشرقيين من جانب آخر وتزداد مع الوقت حدةً، فكيف يصح الحديث اليوم عن نشاط اندماجي سياسي أو غيره بين اليهودي بشقيه المتصارعين الاشكنازي والشرقي وبين القطاع العربي على الجانب الآخر.؟ قد يُفهم أن يقوم تنسيق وتعاون استراتيجي بين المجموعات الإثنية المغبونة والمظلومة من قبل المجموعات الاشكنازية المسيطرة على الدولة حتى اليوم. تحالف وتنسيق على تحسين الاوضاع المعيشية بين هؤلاء الضعفاء والمعوزين ... أما أن يسعى العرب أن يندمجوا سياسيًا في الأحزاب اليهودية بما هي عليه اليوم من تشبع بروح الصهيونية الاستيطانية، فهذا هو العمى السياسي الجماعي وليس فقط غباءً وسذاجة..
دراسة الحياة الاندماجية السياسية في الأحزاب اليهودية لا تكون قبل أن ينبت رأسًا جديدًا لإسرائيل. رأسًا شرق أوسطيًا .. عندها يمكن طرح موضوع الاندماج السياسي للحوار والتحليل والوقوف على ايجابياته وسلبياته ..
إن من السذاجة أن نسعى لذلك ونحن نرى عجوزًا مثل شمعون بيرس – عضوالاشتراكية الدولية – وأحد مهندسي السياسة الاسرائيلية ومن الشخصيات الاساسية في حزب مباي الاشتراكي ثم حزب العمل، وبعد أن يقضي خمسين عامًا في صفوف هذا الحزب يلجأ الى حزب يميني بعد أن هزم من قبل (المغربي) عمير بيرتس يلجأ الى "كديما" .. فبدل أن يعتزل العمل السياسي في شيخوخته، تراه يمسك بملف تهويد الجليل أو ما أطلقوا عليه زورًا "تطوير الجليل" .. حتى يسجل عليه التاريخ في آخر ورقة من عمره نشاطه في مصادرة الأرض من "مواطنيه" العرب .. والفرضية التي أثبتت وتثبت كل يوم تقول: كلما زادت صهيونية الأحزاب اليهودية وصهيونية الدولة، كلما قلت فرص الاندماج العربي فيها، بل كلما زادت قبضة الصهيونية على أجهزة الدولة، كلما زاد عداؤها لمواطنيها من العرب. وعلينا أن نميز بين أمرين سياسيين في جوهرهما:
1: خطاب الاندماج في الحياة الحزبية من قبل المواطنين العرب.
2: خطاب الاندماج في حياة الدولة الاسرائيلية، كأقلية قومية لها حقوقها القائمة على مبدأ المساواة في الحقوق المدنية والسياسية والمواطنة الكاملة.
والمحصلة النهائية تقول: ما دامت الأحزاب اليهودية في جملتها تعرف نفسها على أنها صهيونية، ولما كانت الصهيونية لا تعني غير الاستعمار الاستيطاني، وترى كذلك أن أهدافها ما زالت غير متحققة بالكامل في احتلال المزيد من الارض العربية، فإن واقع الامر، يقول أن العرب لن يتمكنوا من الحصول على مواطنة تامة في دولة تعرف نفسها بأنها دولة لليهود فقط .. وإذا كانت قوانين الدولة ودستورها يتمّ صياغتها من خلال القوى الفاعلة في أجهزتها المختلفة والمكونة لتركيبتها وبنيتها الثقافية والاجتماعية والسياسية، وإذا كانت هذه القوى في مجموعها صهيونية، فإن قوانينها وقراراتها ومواقفها السياسية ستكون بالتالي صهيونية .. وما دام الأمر كذلك فلا مكان حتى اليوم للحديث، فضلا عن الاشتراك، في أحزاب تعتبر نفسها صهيونية.
وإندماج العرب في الحياة السياسية ضمن لأحزاب اليهودية الصهيونية لن يتمّ التفكير فيه بوعي وجدّية، ما لم يسبقه تحول في هوية الدولة، فينبت لها رأسًا "إسرائيليًا" مكان الرأس الاوروبي الذي تطرحه الاشكنازية الصهيونية. قتصبح إسرائيل دولة طبيعية، وظيفتها رعاية مصالح مواطنيها الذين يعيشون ضمن حدودها المعروفة، وتتخلى عن كونها أداة صهيونية مهمتها تحقيق الغايات والأهداف الصهيونية، والتي هي تتم في أصلها على حساب العرب وبلاد العرب .. وحتى يتم كذلك انتزاع القرار السياسي والسيادة "الاسرائيلية" من بين يدي الصهيونية العالمية. وتصبح دولة كل مواطنيها. عندها وعندها فقط يمكن التفكير في العمل السياسي المشترك ودراسة الاندماج السياسي في العمل الحزبي المشترك ..
ألأمر الآخر الذي يؤكد ما نذهب اليه هو التعامل مع النموذج الدرزي، الذي شارك في كل معارك اسرائيل وسكب دماء أبنائه دفاعًا عن أمن اسرائيل أثناء تأدية هذا القطاع من بين العرب للخدمة العسكرية الإجبارية التي يخضع لها .. والنموذج الدرزي ذهب الى الاندماج في الأحزاب اليهودية الصهيونية مع الحفاظ على التمايز الاجتماعي والثقافي والديني .. ولكن ما الذي حققه الدروز من كل ذلك؟ هل حصلوا على المساواة بين الدروز واليهود؟ هل استطاعوا المحافظة على اراضيهم من المصادرة؟ هل أصبحت الدولة، دولة مواطنيها من اليهود والدروز والشركس؟ أم ظلت دولة لليهود فقط...؟ لكن الواقع ينطق بأن حال الدروز ما زال يراوح مكانه في الساحة العربية مثله في ذلك كمثل غيره من العرب..!! حتى أن منظمة تحمل اسم "الدروز الصهيونيين" لم تساهم في تحسين وضع الطائفة الدرزية ...
وخلاصة القول: أن الوضع العربي العام ما زال يتطلب مواقف عربية صادقة وجدية وواعية، تعمل على صيانة المصلحة العربية ورعايتها وتحقيق المزيد منها، من خلال ما يتاح لها عمله في أجهزة الدولة المختلفة، ضمن فسحة الديموقراطية الإثنية الضيقة المتاحة لنا ..
العرب والكنيست السابعة عشر:
إن الوضع الحرج الذي تمر به الأقلية العربية في اسرائيل، وكذلك المنطقة بشكل عام تحتم على القيادات العربية وجماهيرها أن تتحلى عند اتخاذ مواقفها وصياغة قراراتها، بالصدق والشجاعة، وعليها واجب مقدس في طرح حقوقها والمطالبة بها ضمن معادلة الظروف الخاصة والاستثنائية التي تميز أوضاع هذه الأقلية .. ولا ينبغي لنا أن نقبل بأن نكون طرفًا مباشرًا في السياسة العربية العامة للدول العربية لأسباب كثيرة:
1: لأنها سياسة غير جدية وغير صادقة ..
2: لكونها سياسة مهزومة ...
3: لأننا لا نشارك في صياغتها، مع العلم بأن صياغتها أصلا لا تتم في العواصم العربية ..
4: لأننا نريد أن نملك إرادة المبادرة في إنتاج المفاهيم السياسية الخاصة بنا.
5: لظروفنا الخاصة والعامة، ولأننا نملك إمكانية أن نصبح النموذج العربي الذي يملك فرص النجاح.
6: ونظرًا للظروف الخاصة التي تفجرت مؤخرًا في الدولة، فينبغي أن تُوجّه الجهود العامة في الإطار الذي يعمل من أجل تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية للمعوزين من الطبقات الفقيرة والتي في غالبها من بين العرب، فإن الدراسات تشير الى أن أكثر من 50% من العرب يعيشون تحت خط الفقر.
7:الأقلية العربية بمجموعها تأخذ مكانها مع تلك القوى، التي تعمل من أجل استقلال إرادة الدولة واستخلاص قرارها من براثن الاستعمار الصهيوني، تلك القوى التي تسعى لإنتاج مجتمع اسرائيلي مدني يخلع نفسه من روح المغامرات العسكرية التوسعية .. التيار الذي يسعى لوضع حد في استمرار استخدام الدولة كآلة وأداة صهيونية. فنحن نقوم بحركتين متكاملتين: حركة عربية عربية في العمل السياسي والاجتماعي والثقافي، حركة تعتمد الهوية المتميزة، وحركة عربية – يهودية من أجل توفير شروط أفضل للطبقات الفقيرة في الدولة، حركة تعمل جاهدة من أجل أن يتحقق السلام الذي يحفظ الحقوق القومية المشروعة لشعوب المنطقة .. عمل مشترك بحمل الدولة على تغيير فرضياتها ومُسلماتها وتصبح دولة كل مواطنيها .. سعيُ حثيث خاصة من القوى اليهودية التي تحاول أن تكون أكثر "إسرائيلية" وأقل ما تكون صهيونية اشكنازية، وبهذا فإسرائيل بحاجة فعلا لرأس جديد أكثر بكثير من حاجتها لشرق أوسط جديد .. فنحن في هذه المسئلة أمام خيارين، خيار نطرحه نحن وخيار تطرحه الاشكنازية. خيارنا ممكن وخيار الاشكنازية مستحيل .. وبعملية طرح بسيطة نبقى أمام خيار واحد وهو أن تعيش اسرائيل بجسدها ورأسها في الشرق الأوسط .. لأن من المستحيل إدخال العرب كل العرب والمسلمين الى القالب الأمريكي لنخرج شعوبًا تحمل المشروع الثقافي لعدوها .. حتى لو وضعت الولايات المتحدة مقابل كل عربي وكل مسلم أستاذًا أمريكيًا أو دبابة أمريكية .. وهذا غير متاح لأمريكا وغير أمريكا ..
إذا كانت المقاطعة ليست بطولة، فإن المشاركة ليست صهينة:
العرب في إسرائيل أقلية قومية تختلف عن غيرها من الأقليات التي قد تعيش ظروفًا مشابهة .. الأقليات في الدول الأخرى في كثير من حالاتها هاجرت من أوطانها وبلادها الى بلاد أخرى في البحث عن عيش أكثر أمنًا وسعة. فينبغي أن تلائم نفسها وتقبل راضية بقوانين تلك البلاد وأعرافها. فتقوم بواجباتها وتتحمل تبعات مسؤولياتها ..
ألأقلية العربية في إسرائيل شيء يختلف تمامًا .. فنحن أصحاب البلاد الأصليين .. وفرضت علينا الدولة فرضًا من خارجنا، فلم تترك لنا خيارًا فإما قبولها والرضوخ لأحكامها وقوانينها، وإما تهجيرنا قسرًا .. فكان خيارنا أن نقبل بالعيش مع من ظلمنا واغتصب أرضنا .. نعيش في ظل قوانينه الجائرة، وبدل أن يرفع عنا الظلم والغبن والتمييز، استمر في تطبيق ذلك وتضييق الخناق بكل الوسائل، حتى يحملنا على ترك أرضنا .. ونحاول منذ قيام الدولة أن نعارض القوانين الجائرة، ونعمل على تحسين ظروف حياتنا، وهذه وظيفتنا الأساسية، نناضل ونكافح بالإمكانيات المتاحة لنا .. الامكانيات السياسية القائمة .. أن نعارض ما وسعتنا المعارضة، وما هو في حدود طاقتنا .. وأظن أن حدود طاقتنا في أن نتبين أين تبدأ وأين تنتهي؟ ولكن البعض منا يصرّ على أن لا يرى لها نهاية ..! فالغالبية العظمى من شعبنا قررت أين تنتهي .. إنها تنتهي خطوة أو خطوات قليلة قبل الانتحار الجماعي .. أجل قبل الانتحار .. والدولة في كثير من المناسبات تدفعنا دفعًا لنرتكب حماقة الانتحار .. والانتحار: هو التهجير الجماعي، تدفعنا لكي نحتل الكويت فنجني ما جناه العراق !!
وهذا يعني أننا أمام خيارين: أن نعيش التاريخ وأحداثه ووقائعه ونتحرك بفعلنا من خلال الظروف الموضوعية التي تمسك بريشة التاريخ، فنسجل لنا تاريخا ما – حتى ولو كان ضعيفًا هزيلاً – وإما أن نخرج من التاريخ .. وخروج مجموعة بشرية من التاريخ هو موت هويتها .. ولا أظن عاقلا يحسن قراءة التاريخ بتحولاته وانعطافاته يقبل بخيار الانتحار، واندثار هويته .. التاريخ الذي قد يسجل اليوم ضعفك.. وقد يجود عليك بالقوة غدًا. التاريخ الذي تتعلم كيف تعيشه .. كيف تدخل فيه فتصبح إحدى مركباته، مهما كان حضورك ضعيفًا .. الضعيف الذي يتحرك بمنطق الضعيف. الضعيف الذي يملك ارادة يقوى بها يومًا بعد يوم. وليس العاجز الذي يعيش أحلام القوة الفارغة، فيحصد الوهم والخسارة .. هذا هو برنامج الاحزاب والجماعات العربية في اسرائيل يمتد بين استثنائين: الاول يهون حتى يتماهى مع الاحزاب الصهيونية والثاني يتهور حتى ينتحر .. بين هذين الاستثنائين تتحرك الجماهير العربية، منها من اجتهد فهداه اجتهاده الى العمل السياسي المعارض فأباح استخدام كل ساحات النضال، بما فيها العمل البرلماني، والبعض القليل وقف عند حدود المشاركة السياسية في الجمعيات والمؤسسات المدنية ... ليس من ينادي بمقاطعة العمل البرلماني بطلا، لأنه يتحرك ويمارس حقه ضمن القانون الاسرائيلي وليس خارجه .. إن القول بأننا نعطي حرية التصويت والانتخاب، وتدخل صندوق الاقتراع فتضع ظرفًا فارغًا وتحسب بذلك أنك تقاطع الانتخابات فأنت بذلك تبرهن عن جهل بأبسط قواعد السياسة .. أنت بذلك تعترف اعترافًا كاملاً بشرعية البرلمان، ولكنك تحتج على الأحزاب المشاركة في العملية الانتخابية، بحيث لم تنتخب أحدًا منها. فهو احتجاج على المشاركين وليس عدم الاعتراف بالبرلمان نفسه .. وحتى هؤلاء الذين يظنون بأن عدم ذهابهم لصناديق الاقتراع هو اعتراض على البرلمان نفسه، واهمون وواهمون كثيرًا، فعدم المشاركة لا يعني بحال من الأحوال عدم الاعتراف. وإلا كان ما يقرب من 30% من اليهود لا يعترفون بالكنيست الاسرائيلية فإن نسبة من يقعدون عن المشاركة في القطاع اليهودي قد تصل الى 30% ...؟
إن أبسط طالب في الابتدائية درس موضوع المدنيات، بعلم أن قبولك بطاقة الهوية الاسرائيلية ومرافقتها لك في جيبك حال خروجك من بيتك هو اعتراف منك بالكنيست الاسرائيلية وما تشرعه لك .. إن من لا يملك بطاقة هوية لا يحق له أن ينتخب ولو كان ثيودور هيرتسل نفسه. إقرارك بحمل بطاقة الهوية هو لإقرار بمواطنتك وبالقوانين اتي تشرعها لك الكنيست سواءً شاركت في الانتخاب أم قاطعتها ..
وكذلك يا أخا المقاطعة!!! هو الحال مع جواز سفرك، فأنت تجوب الدنيا كلها بهذا الجواز الاسرائيلي، الذي تحافظ عليه كما تحافظ على نفسك .. ولو منعت من الحصول عليه، سوق تستعين بالقضاء الاسرائيلي وتستأنف حتى محكمة العدل العليا، لكي تحصل عليه ..!! لا نجاح ولا فلاح مع خداع النفس وخداع الآخرين .. فالأقلية العربية ترغب من كل قلوبها أن نستيقظ يومًا، فإذا بها تشكل 25% أو 30% من سكان الدولة، لأن وزنها سيزيد ؟وقوة ضغطها ستكبر، فليس فينا من يرغب أن تختزل هذه النسبة لتصبح 13% أو حتى 15% ..
عندما كثر الهرج والمرج من قبل أوساط يهودية بمقايضة أرض بأرض بحجة التسوية مع الفلسطينيين، دار حديث عن مقايضة المثلث، أي ضم بعض المثلث العربي الفلسطيني بأرضه ومدنه وقراه الى الدولة الفلسطينية، ومع أن مبدأ الرفض فينا ينبغي أن يتمحور حول رفض مبدأ المقايضة، وليست حول قضية الضم، فالضم من غير مقايضة هو تحرير بمقتضى القاموس الوطني. ولكن في تعريف سكان الجليل والمدن المختلطة والنقب، هو ضعف لقوتنا واختزال لها لا نقبله ونرفضه .. هذاهو الوضع الصحي، لكن أن يُرفض مبدأ الضم من سكان المثلث نفسه، فتختلط الاوراق بين ما نقول ونعلل به رفضنا وبين من يتمسك بالهوية الاسرائيلية. وذلك لا يعني غير أن هذه الهوية قد حفرت عميقًا فيمن يرفض التنازل عنها. في إحصائية نشرتها "كل العرب" تبين أن ما يزيد عن 93% من أم الفحم يرغبون البقاء في اسرائيل، والباقي بين من يقبل أو يتردد ..!! لقد ذهبت بعض الشائعات الى حد القول أن العديد من القيادات في المثلث قد اشترت لها بيوتا في مناطق اخرى من اسرائيل، وما نرجوه في هذه الفترة ان ترد القيادات بحزم على تكذيب مثل هذه الشائعات...!!
وقد ذهب بعض من قرأت لهم في الفترة الأخيرة الى القول بالعصيان المدني وضرب على ذلك بفعل غاندي الزعيم الهندي، ومع أنه لا يدعو للمقاطعة، وليس ممن يقاطعون الانتخابات، بل هو ممن ينتمي الى حزب قائم موجود ومشارك في البرلمان .. إن الإشكالية في كثير من الاقتراحات، أنها نسخ لما قام به الآخرون، من غير دراسة للأوضاع الخاصة والعامة .. الاقليمية والدولية .. في حالة الهند كانت بريطانيا العظمى، ولكنها عظمة محدودة. .. كان وجودها في "شبه القارة" الهندية لا يتجاوز بضعة عشرات من آلاف الجنود. وكان مجموع سكان الهند – بما فيها يومئذ الباكستان وبنغلادش – يزيد كثيرا عن أربعمائة مليون .. ثلاثون ألف جندي بريطاني في بلاد واسعة هي شبه قارة، ومع ذلك يدعو زعيم تحريرها غاندي الى النضال السلبي، كفاح يهدف للاستقلال من غير عنف .. العصيان المدني، بينما وصف هذا الوضع جمال الدين الأفغاني في القرن التاسع عشر، مبديا دهشتهُ: "لو كنتم – للهنود – ذبابًا لأخرجتم الانجليز بطنينكم". فأين وجه الشبه بين أقلية مجردة عن كل شيء من الماديات تعيش ضمن أكثرية غالبة تملك كل شيء من ذرة التراب حتى الذرة النووية .. أفلا ينبغي أن تختلف آلية النضال...!؟ وحديث آخر ما زال بعض البعض يردده، حديث "الموالاة" ولسان حال المقاطعين يقول: "الله مولانا نحن المقاطعين، ومولى المشاركين في الانتخابات الكنيست". وقد بيّنا فيما سبق أن من يفهم المولاة على هذه الشاكلة فإنّ الكنيست مولى المقاطعين أيضًا.
يا أخا المقاطعة !!! إن المقاطعة على وزن المفاصلة، فإن الحركة الاسلامية بشكل عام وحركة الإخوان المسلمين بشكل خاص، قد تنازلت منذ مدة بعيدة عن مبدأ المفاصلة، وعن تجهيل المجتمع ومن ثم تكفيره، وأصبحت ترى في مشروعها متمما ومكملاً يحتل من المواقع بمقدار ما يترك من تأثير ...
يا أخا المفاصلة !!! البرلمان وأي برلمان لا يُشرع دينًا للعبادة .. فالتوراة لم تنزل على كنيست إسرائيل، وإنما نزلت الألواح على سيدنا موسى، عليه السلام، في سيناء على الطور ... والانجيل ما نزل على البرلمان البريطاني .. والقرآن كذلك ما نزل على مجلس الشعب المصري ...
إنها مجالس نيابية تمثيلية، أداة من أدوات الحكم في أمور هذه الدنيا، تضع القوانين لتسيير أمور هذه الدنيا، فمن يخرج على هذه القوانين يعاقب بمقتضى ما يفرضه القانون، فلس عند القانون جنة ولا نار وليس عنده بعث ولا حساب، وليس عنده ميزان ولا صراط ...! وإلى مثل ذلك قصد رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "إذا حدثتكم عن الله فخذوه عني، فإني لا أكذب على الله، " وما خلا ذلك من امور الدنيا فهو ظن، " وأنتم أعلم بأمور دنياكم".
القوى الفاعلة في القطاع العربي:
يعمل في الساحة العربية في اسرائيل خمسة قوى او تيارات:
1: الجبهة الديمقراطية للسلام، وعمودها الفقري هو الحزب الشيوعي الاسرائيلي.
2: الاتجاه الاسلامي والذي يعمل تحت اسم القائمة العربية الموحدة والتي تضم الى جانب الحركة الاسلامية الحزب العربي الديمقراطي ..
3: التجمع الوطني الديموقراطي، كتيار قومي وطني تعيش قريبًا منه بعض المجموعات الوطنية.
4: القطاع الدرزي الذي أخذ بمبدأ الاندماج السياسي مع الأحزاب اليهودية والى جانبه مجموعات عربية من كل الطوائف اندمجت في العمل الحزبي مع الاحزاب الصهيونية.
5: ما أطلق عليه تيار المستقلين، وهي شخصيات غير مؤطرة، قد يكون لكل الأحزاب منها نصيب.
يضاف الى هؤلاء وهؤلاء نسبة من هواة المقاطعة، من بينهم من يرى أن حصول الأحزاب اليهودية على نسبة 48% من الأصوات العربية تعتبر كارثة ومع ذلك بنادي بمقاطعة الانتخابات .. ومنهم من يقول "حتى ولو لم يصل الى الكنيست أي نائب عربي فليست كارثة" ومنهم من يقول عن الانتخابات "الشهر اللي مالكاش في لا تعد أيامه" ومن بينهم من حمد الله وصلى له شكرًا أن جاء جدار الفصل الى الشرق من مدينته .. ومنهم من يُنظّر للجماهير العربية ويلقي عليها الدروس والمواعظ في الامتناع عن استعمال العنف يوم الانتخابات الى غير ذلك من دروس الوعظ والإرشاد.
ويتناول الشارع العربي هذه الأيام، موضوع الانتخابات، بعد الزلزال الذي أحدثه رئيس الحكومة الاسرائيلية شارون في الخارطة الحزبية في اسرائيل. وبعد زيادة نسبة الحسم، بشيء من القلق وبشيء من الجدية، ويطالب الناس قياداتهم بأن لا يقامروا بأصواتهم وأن يدرسوا موضوع خوض الانتخابات بقائمة واحدة، إذا أمكن أو بقائمتين وهذا أكثر ضمانًا في إدخال أكبر عدد ممكن من النواب العرب للبرلمان .. وبذلك يتمّ تجاوز المغامرات غير المحسوبة أو المجازفة، لأن قائمة أو أكثر معرضة للسقوط، وبهذا تضيع العشرات العديدة من ألوف الأصوات العربية.
قائمتين عربيتين:
إن الوضع الصحي النشيط لكل مجتمع إنساني، يكمن في تعدديته وتنافسه في كل المجالات الثقافية والسياسية .. فالحوار والجدل هما حركة حرة عقلية واجتماعية وثقافية .. فالحوار والجدل ينشطان الحركة الذهنية، كما تنشط الرياضة حركة الجسم، وإقصاؤها يعني القعود الفكري، وسيادة وجهة النظر الواحدة والسير الاصطفافي في التلم الواحد. وهذا بدوره إضعاف لقدرة المبادرة والإنتاج والابداع .. ومن هذه المنطلقات فإن وجود قائمتين في القطاع العربي يذكي روح المنافسة على تجميع الصوت العربي – ولو كانت الجماهير العربية من الوعي والجدية والصدق في فهم قضاياها والتعامل معها، وخاصة قضية تمثيلها البرلماني، لكان وجود ثلاث قوائم أكثر صحة وعافية، فإن توزيع الأصوات العربية على ثلاثة قوائم/ هو عامل استقطاب للصوت العربي، وتبيئة له في خانته الصحيحة. ولكن الصوت العربي يتنافس عليه الى جانب القوائم العربية الوطنية، ذات الطرح السياسي والثقافي المميز ثلاثة جهات لكل منها دوافعها الخاصة:
1: التآكل والتعرية الذاتية، من هؤلاء الذين ينكصون عن العمل البرلماني، ظنًا منهم ان البرلمان نادي صهيوني يحظر على الرجل العربية التجول فيه، وكما سبق أن رأينا أن هؤلاء يمسكون في جيوبهم بالبطاقة الصهيونية كهوية مدنية يتجولون بها من غير ان يكون لديهم الجرأة على الاعتراض عليها، بينما النائب البرلماني، يملك الموقف والكلمة في الاعتراض على كل قانون تشرعه الكتيست ويملك حق الاعتراض او الاضافة على ما في هذه البطاقة .. ونحن لا ينبغي لنا بحال من الاحوال اعتبار أنفسنا حالة استثنائية في هذه البلاد، ولا في أي مجال من مجالاتها .. الشعور بالوضع الاستثنائي هو ما يغري القوى الصهيونية في التفكير في تهجيرنا. وكما سبق أن أشرنا بأن علينا أن نكرس وجودنا في حياة هذه البلاد لنصبح جزءًا فاعلاً وظاهرة طبيعية في كل مؤسساتها ..
2: نشاط الأحزاب اليهودية في اصطياد الصوت العربي، خاصة هؤلاء الذين لديهم مشاكل اجتماعية وانسانية وغير ذلك ويعملون على حل هذه المشاكل باللجوء الى الأحزاب اليهودية وهذا يعكس التمييز الصارخ وعدم المساواة للمواطنين العرب الذين يريدون الحصول على وظيفة ... أو من يريد استصدار هوية لزوجته إذا كانت من الضّفة أو من القطاع أو من أي دولة عربية ... أو من يريد استصدار رخصة لبناء غير مرخص .. أو من يريد أن يشبع غروره الأجوف ... وغير ذلك.
3: والفئة الثالثة تتمركز في تلك الشخصيات والفئات الطفيلية التي ليس لديها برنامج عمل ولا فكر مميز ولا طرح خاص، وكل ما تريده اشباع نزوة الأنانية في نفوسها .. وخطورتها أنها تعلم أنها لا يمكن أن تتمثل بقواها الذاتية، فتطرح نفسها على القوائم والأحزاب العربية منتهزة هذه الفرصة أو تلك مهددة بحرق آلاف الأصوات .. بل إن منها من يحاول أن يجد له مكانة في بعض الأحزاب اليهودية...
وأما الأحزاب والحركات الرئيسية الفاعلة في الساحة العربية فهي:
1: الحركة الوطنية، والذي يمثل الحزب الشيوعي الاسرائيلي محورها وعمودها الفقري. الحزب الشيوعي الذي استوعب كل التغيرات التي حصلت في الساحة العالمية والمحلية .. وهي خانة ينبغي ان تستوعب كل هؤلاء الذين يعتقدون فائدة العمل الحزبي والسياسي المشترك بين القطاعين العربي واليهودي .. بحيث يصبح البعد الجغرافي عاملا مهما في صياغة الذهنية السياسية والثقافية .. وهي تجربة للعمل المشترك ينبغي تطويرها وتجديدها باستمرار. وهي تكاد تكون أكبر نافذة تطل على القطاع اليهودي بشكل تعامل مزدوج ومشترك، وما ينقصه هو توسيع قاعدته في الوسط اليهودي الى الدرجة التي يصبح فيها قادرا على توصيل رسالته والى جانبها ما يشكو منه القطاع العربي من التمييز وعدم المساواة والمواطنة المنقوصة الى الرأي العام اليهودي وتجنيد المواقف المتعاطفة مع حقوق العرب.
2: الحركة الدينية، بحيث تتسع لتشمل الظاهرة الدينية سواءً كانت اسلامية (بما فيهم الدروز) أو مسيحية .. حركة تشمل كل هؤلاء الذين يؤمنون بوجود إله خالق، ويرون برسالة الدين والتوحيد رسالة الانسان الرئيسية .. بحيث يرى المسلم المؤمن بالمسيحي المؤمن بالله، أقرب اليه من "المسلم" الجاحد لله المنكر لربوبيته .. وكذلك يكون اعتقاد المسيحي المؤمن بأن المسلم المؤمن أقرب اليه من "المسيحي" الجاحد للدين المتنكر لتعاليمه ... بحيث تشكل الثقافة العربية والتاريخ واللغة والمصير المشترك عوامل مهمة في صياغة الهوية الحضارية لهذه الحركة لا سيما عندما يعتزُّ كل بدينه من غير تعصب .. وتتشكل هذه القائمة بحيث تضع في حساباتها:
1:2: ضرورة توفير مساحة مشتركة للحركة الدينية، والنظر الى ذلك كضرورة حياتية متكاملة .. ومصلحة قومية وإنسانية تحفظ للعرب قيمهم وأخلاقياتهم في مهب الاجتياح المدمر للبعد الاخلاقي في الانسان.
2:2: في مجال إختيار قائمة للتمثيل البرلماني، يؤخذ بعين الاعتبار بعدين مهمين: موازين القوى داخل هذا الاطار، والى جانب ذلك رمزية التعاون.
3: الحركة القومية التي ترى بانتماءها للحضارة العربية، التي تشكل الارضية التي تتحرك عليها، ومفاهيمها التنويرية المتلاقحة والمتثاقفة مع الآخر. هذه الحركة التي يمثل التجمع الديمقراطي عمودها الفقري .. ومع أن "الوطني" يشير الى العامل الجغرافي سواءً ضم عربًا أو يهودًا. لكن التوجه هو قومي وهذا لا يمنع شخصيات يهودية مثقفة ممن تؤمن بالعمل العربي اليهودي المشترك .. وترعى المصالح العربية المهضومة وتؤمن بلا صهيونية الدولة، وتخليص إرادة الدولة من الهيمنة الصهيونية.
ولما كانت الحضارة العربية تشكل الفضاء الذي تتحرك فيه هذه القوى الفاعلة مما يجعل إمكانية العمل السياسي المشترك ممكنا بل ومطلوبا .. بل إن قضايا الأقلية العربية وخطورة تناولها في هذا الظرف بالذات يحتم على هذه القوى ان تفتش عن القواسم المشتركة في العمل العربي سواء كان وطنيا او قوميا او دينيا ...
ونحن نتحدث الى ضمير هذه الجماهير ان ترتفع فوق المفاهيم الشخصية والفئوية، وفوق المواقف المغلوطة والمفاهيم الخاطئة، فلا تأخذها العزة بالإثم بالاستنكاف عن العمل الجاد المفيد للمجموعة العربية في هذه البلاد.
إن من العيب في مستواه القومي والمصلحي الجمعي ان يكون بإمكان العرب إدخال ما يقرب من 20 نائبًا للبرلمان ثم نتحدث عن ثمانية أو عشرة .. عشرون نائبًا يشكلون القوة الحزبية الثانية في البرلمان، وتستطيع ان تحصل على كثير من المكاسب المهمة للجماهير العربية .. بل لا أبالغ إذا قلت بأن الأداء البرلماني إذا تحسن، وهو لا شك في تحسن مستمر يستطيع ان يخلق تعاوناً برلمانياً مع بعض الأحزاب اليهودية في التأثير على هوية الدولة الاسرائيلية ودرجة تصهينها ، وكذلك تعاونا مع برلمانيي العالم لتحقيق ضغط عالمي لنيل حقوقنا الوطنية ...!!
عشرين عضوًا عربيا لا شك في قدرة مساهمتهم في استنبات رئيس جديد لهذه الدولة، تستعيض به عن رأسها الأوروبي.

الهوامش:
1. عالم إجتماعي ومحاضر في قسم العلوم الاجتماعية في الجامعة العبرية في القدس، وهو نفسه إشكنازي من مواليد ترانسيلفانيا 1939.
2. نهاية الهيمنة الاشكنازية، باروخ كيمرلنغ، ترجمه الى العربية نوّاف عثامنة 2002 مدار – رام الله – فلسطين ص 9.
3. المصدر السابق ص 10.
4. المصدر السابق ص 10.
5. هيهوديم بتربوت هرنسانس في ايطاليا (دور اليهود في النهضة الايطالية) بتصيل إيل روت – مؤسسة بيالك، القدس 1962 25 26، 27 .. والكتاب عبارة عن مرجع وثائقي يوضح دور المسلمين واليهود في النهضة الاوروبية ..
- أنظر كتابنا: "المبني والمعرب في دنيا السياسة" مركز الحضارة العربية-القاهرة-ط1 2002 ص 296-300.
6. أنظر باول ايديلبرغ – سياسة يهودية لئلا تنهار اسرائيل – الترجمة العبرية مركز أرئيل للدراسات السياسية + صندوق من اجل ديمقراطية دستورية القدس، 2000 ص 19.
- كذلك: يهودا هليفي – الكوزري – تل أبيب 1969 ص 123، 124 والكتاب في أصله العربي يحمل اسم: "الحجة والدليل في نصرة الدين الذليل". ولد هاليفي عام 1085 – 1141 وهاجر من الأندلس الى فلسطين.
- أنظر كذلك: نظرية مارتن بوبر التربوية – أدير كوهين – إصدار يحداف 1976 ص 291-294.
- أنظر كتابنا: الصراع على الخليج ومحاولة توظيف الاسلام السياسي – مركز الحضارة العربية القاهرة ط1 2005 ص 258-271.
7. كيمرلنغ ص 10.
8. كيمرلنغ ص 12.
9. كيڤونيم حدشيم (اتجاهات جديدة – مجلة تعنى بالصهيونية واليهودية) اكتوبر 2000 ص 85 .. للإستزادة انظر كتابنا: "المبني والمعرب في دنيا السياسة، خاصة فصل: الدولة اليهودية من منظار يهودي" ص 143-191.
10. أنظر كتابنا: "العقلية الماضوية والقرارات المسبوقة" – مركز الحضارة العربية القاهرة ط1 2005 فصل: "فلسفة كأنه هو" آفة التلبيس وتصنيع العواطف ص 37-43.
11. نظرية مارتن بوبر التربوية، أدير كوهين، إصدار يحداڤ 1976 ص 282، 283.
12. كيمرلنغ ص 13.
13. إيان لوستيك: العرب في الدولة اليهودية – الترجمة العربية – وكالة عرفه – القدس 1980 ص 185-192 وكذلك ما قبلها وما بعدها.
- أنظر أيضا كتابنا "المبني والمعرب في دنيا السياسة" مركز الحضارة العربية القاهرة ط1 2002 ص97-140.
14. كيمرلنغ، مصدر سابق ص 13.
15. كيمرلنغ، ص14.
16. كيمرلنغ، ص 14، 15.
17. القناة الثانية الاسرائيلية ظهر يوم الخميس 12.7.2001.











* كاتب ومفكر له عدة مؤلفات : قرية كابول – الجليل فلسطين 1948

e-mail: mohammedraian@gmail.com
*
محمد سعيد ريان - كابول
الإشكنازية وتجديد الأقنعة
قراءة في المسكوت عنه في السياسة الاسرائيلية

1: الإشكنازية في المعادلة اليهودية الصهيونية:
الإشكنازية كمجموعة بشرية إثنية من المركبات الاساسية والرئيسية في المجتمع الإسرائيلي. وهي التي تحتل السلطة السياسية والقرار السياسي في الدولة الاسرائيلية منذ قيامها. وهي كذلك صاحبة القرار في الحركة الصهيونية قبل قيام اسرائيل وبعدها. وهي في اسرائيل تشكل طبقة إجتماعية وثقافية متميزة، وهي على كل المستويات تُصنّف ضمن الطبقة الوسطى فما فوق، وتكاد تحتل بالكامل الطبقة العليا. وما يميزها انحدارها من أصل غربي. ولهذا فهي تعتبر نفسها جزءا من الثقافة الغربية .. وإلى هذا المفهوم قصد أبا إيبان وزير خارجية اسرائيل الأسبق، عندما صرح في زيارة له الى باريس ودول في غرب اوروبا، بعد حرب عام 1967 حيث أعلن ديغول يومها: "إنّ فرنسا ضد من يطلق الرصاصة الأولى". ومن بين الدول التي زارها أبا إيبان كانت السويد في شتاء عام 1968 – كنت يومها طالب في جامعة أستوكهولم، وفي المحاضرة التي ألقاها إيبان هناك أكّد ما صرّح به في فرنسا في معرض حديثه عن أوجه الشبه بين الثقافة الاسرائيلية والثقافة الغربية وما بينهما من قواسم مشتركة كالديمقراطية واللبرالية قال: "اسرائيل دولة جسمها يعيش في الشرق الأوسط ورأسها في اوروبا ... نحن الاسرائيليون نأسف على أننا انتصرنا". في معرض ردّه التهكمي على الانتقادات من بعض الدول الاوروبية.
1:1: الإشكنازية في اسرائيل والزنابير في الولايات المتحدة:
الطبقة الاشكنازية في إسرائيل تشبه الى حد بعيد الدور الذي تقوم به طبقة (WASP) في المجتع الأمريكي وهي الأحرف الأولى من الكلمات: (A White Anglo-Saxon Protestant) وهي تمثل صفوة المجتمع الأبيض في الولايات المتحدة .. وهي التي تتسلط على القرار الامريكي، وتمثل مجموعة بشرية إثنية متأصلة ومنحدرة من سلالة الانجلو-ساكسون وتدين بالبروتستانتية. وقد أطلق عليها العرب مصطلح "الزنابير" والتسمية العربية وإن كانت تشير الى روح الشدة والبأس، فإنها لا تعكس روح الاستعلاء العنصري الذي يقبع خلف مصطلح (WASP). فكما أنها تتحكم بالقرار السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة. ناهيك عن سيطرتها على وسائل الاعلام، كذلك هو حال طبقة الاشكناز في اسرائيل .. أو ما أطلق عليها باروخ كيمرلنغ في كتابه(1) "نهاية الهيمنة الاشكنازية" "الأحوسالية" وكلمة "أحوسال" تتكون من الأحرف الأولى للكلمات: "إشكناز، علمانيين، قدامى، اشتراكيين، قوميين أو صهيونيين" (אשקנאזים, חילונים, ותיקים, סוציאליסטים לאומיים)..(2)
ومع أن كيمرلنغ يؤكد في أبحاثه حول الاشكنازية، ونفوذها السياسي والاقتصادي والثقافي في إسرائيل منذ قيامها عام 1948 .. إلاّ أن التحضير والإعداد لقيام هذه الدولة هي صناعة إشكنازية مئة بالمئة. يقول كيمرلنغ: "إنّ أول 50 سنة من عمر الدولة الإسرائيلية، كان للإشكناز سيطرة مطلقة على القرار السياسي .. لكن هذه الطبقة ليست محصنة ضد الاختراقات من جماعات يهودية شرقية خاصة .. هذه الجماعات اليهودية الشرقية التي أصبحت جزءًا من الطبقة المذكورة (الوسطى) حدث ذلك بعد ان تبنت ولو جزئيًا الرموز الثقافية الاشكنازية".(3)
ولكن واقع الامر يقول: أن اليهود الشرقيين لم يصبحوا إشكنازًا بكل ما تعنيه الكلمة من معاني الاشكنازية، بمجرد قبولهم للثقافة الغربية. بل ينبغي أن نفهم كلام كيمرلنغ أن هؤلاء اُلمتحوسلين من اليهود الشرقيين قد يمكن استيعابهم ودمجهم ضمن الطبقة الوسطى من الناحية الاقتصادية فقط، ولا يتعداها الى امتيازات اخرى تقبض عليها الاشكنازية بكل قوة. وسوف نرى ذلك ظاهرًا في التحولات السياسية الحزبية التي جرت وتجري في المجتمع الاسرائيلي كلما تزايد نشاط وكثافة الحضور الشرقي في الحياة الحزبية في اسرائيل. وكيف ينعكس ذلك على تطور الاحزاب في اسرائيل. والاشكناز في اسرائيل أو خارجها لا ينهجون نهجًا سياسيًا واقتصاديًا واحدًا: "يمكنهم أن يكونوا منقسمين ومختلفين في قضية الصراع العربي الاسرائيلي، فمن بينهم من يؤيد سياسة الرفاه الاجتماعي، ومن بينهم من يدعم اقتصاد السوق والخصخصة المحافظة الجديدة .. من الناحية الطبقية تتقاطع، بهذا الشكل أو ذاك عند حدود الطبقة الوسطى فما فوق"...(4)
فيما يتعلق بالصراع العربي – الاسرائيلي، أو الأهداف النهائية للحركة الصهيونية – والتي هي في جوهرها اشكنازية – ليس هناك اختلاف جوهري بين اليمين واليسار داخل الحركة الصهيونية، بين حزب "العمل" مثلا وكلاًّ من "الليكود" أو "كديما". الاختلاف، متى وجد، يتمركز حول التصنيف المرحلي والظرف المناسب، لتحقيق الأهداف الصهيونية، وليس على الأهداف نفسها، بل لطالما بقي القرار السياسي والاقتصادي وحتى الثقافي بيد الحركة الصهيونية العالمية. وهذا يعني ان التحرك السياسي والدبلوماسي الاسرائيلي ليس أكثر من تمارين دبلوماسية صهيونية، فلن تحقق وقائع محددة وملموسة في واقع الصراع العربي – الاسرائيلي .. فكل الاحتلال والتوسع منذ قيام الدولة عام 1948 وحتى اليوم جرى والحكم في أيدي اليسار الاسرائيلي، بيد حزب "العمل" (العضو في الاشتراكية الدولية) .. منذ بن غوريون وأشكول، وغولدة مئير، بينما الذي اضطر للإنسحاب من سيناء في اتفاقية سلام منفردة مع مصر هو اليمين بقيادة مناحم بيجين، والذي انسحب من غزة هو المتطرف شارون .. حزب العمل هو الذي يقود عملية التوسع خارجيًا وداخليًا .. فهذا شمعون بيرس، الحائز على جائزة نوبل للسلام (السلام المفقود) عندما يرى أن إمكانية التوسع خارجيًا غير مهيأة في هذا الظرف أو ذاك .. يسيل لعابه الصهيوني على الأرض العربية للمواطنين العرب، المهم التمدد على حساب العرب في الداخل أو الخارج. فتحت مشروع "تطوير الجليل" والذي هو تهويد الجليل بالتوسع الاستيطاني يقبض اليوم بيرس على هذا الملف..! وهكذا فإن الاشكنازية في موضوع نظام الحكم والمبدأ الاقتصادي موزعة بين نموذج دولة الرفاه الاجتماعي في غرب اوروبا، وبين الخصخصة واقتصاد السوق حسب النموذج الذي تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية.

2: الاشكنازية وظاهرة تجديد الأقنعة:
الاشكنازية بصفتها مجموعة إثنية غربية، تحمل خصائص الثقافة الغربية وأعرافها وتقاليدها. وقد بدأت باستيطان فلسطين مع بداية الاحتلال البريطاني لها والذي عرف تحت اسم "الانتداب البريطاني"، وهي صاحبة إعلان بلفور 1917 حيث التزمت بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وهكذا فقد تدفقت الهجرة الصهيونية الى فلسطين تحت رعاية بريطانيا وحمايتها، الى أن تمَّ الاستيلاء على فلسطين وطرد أهلها منها عام 1948.
الاشكنازية التي تحمل بذور الثقافة الغربية .. تلك القيم والمفاهيم والأفكار التي كان لليهود دور بارز وملحوظ في صياغتها وبلورتها منذ ما قبل عصر النهضة والتنوير، حيث تمّ نقلها بشتى السبل عن الثقافة العربية الاسلامية الزاهية والتي ازدهرت في الاندلس.(5)
الصهيونية الاشكنازية هي التي حملت فكرها الى يهود العالم، خاصة اليهود الذين يسكنون البلاد العربية والاسلامية .. حتى كادت أن تصبح الصهيونية هي القاسم المشترك لدى اليهود جميعًا .. ولكن الصهيونية بقيت خاضعة للرؤيا والتفسير الاشكنازي .. والتي استخدمت حالة الحرب والخوف على المصير اليهودي من أعدائه المتربصين به، والذين حصرتهم الصهيونية في هذه المرحلة من التاريخ بالعرب والمسلمين. كل ذلك من أجل صهر اليهود في بوتقة ثقافية واجتماعية وسياسية واحدة، هي ثقافة الاشكناز .. الثقافة "الاحوسالية" التي تسعى الى تذويتها في النفس اليهودية في اسرائيل .. فالصهيونية الاشكنازية غير جادة بتاتًا بإنهاء الصراع العربي الاسرائيلي، حتى تتمكن من صهر المجتمع اليهودي وإخراجه بثوبه الجديد، وحتى تتأجل الحرب الثقافية التي بدأت في هذا المجتمع، والتي بلغت ذروتها بمقتل رابين نفسه – رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق – من أجل ذلك ومن أجل تحقيق الأهداف الصهيونية التي لم تتحقق بعد – لا بدّ من إطالة أمد هذا الصراع، فاستدامته مصلحة صهيونية إشكنازية .. وهذا ما كشفت عنه مؤتمرات هيرتسيليا التي تعقد سنويًا ويشارك فيها خيرة النخب الثقافية والسياسية والأمنية في إسرائيل والخارج تحت شعار :المناعة والامن القومي ..
ولما كانت الصهيونية الاشكنازية هي التي تُقرر وهي التي ما زالت تفرز النشاط السياسي. مما يجعل اليهود الشرقيين لا يطمأنون الى كفاءتهم وجدارتهم الذاتية في تسيير أمور الدولة. ولهذا فوضت هذه الأمور وأوكلتها للإشكنازية تؤديها نيابة عن الصهيونية عمومًا .. هذه السلبيات ما زالت تسكن الشخصية اليهودية الشرقية .. ولهذا ما زالت تشعر بحاجتها للحضانة الاشكنازية.
وهكذا كلما شعر "الاحوساليم" بخطر سيطرة اليهود الشرقيين وزيادة نفوذهم في الأحزاب والمؤسسات، سارعت الاشكنازية بانتفاضة داخلية، تجدد بها أقنعتها، بحيث تلائم الأوضاع والظروف المستجدة. ومحاولة إحتواء حضور اليهود الشرقيين، أو "الآخر" اليهودي غير الاشكنازي هي سياسة أحوسالية مستمرة . وهذا ما سكت عنه كيمرلنغ وغيره، وهو يكتب عن مخاوفه في فقدان الهيمنة الاشكنازية ..
1:2: الاشكنازية ومحاولة تخريب العلاقات اليهودية العربية:
منذ البداية قامت الحركة الاشكنازية الصهيونية بتخريب العلاقات الطبيعية القائمة بين العرب والمسلمين وبين اليهود منذ مئات السنين .. هؤلاء اليهود الذين عاشوا في البلاد العربية والاسلامية، وأبدعوا في مجال الثقافة والفكر في المناخ الحضاري العربي الخصب .. ولما كان اليهودي لا يطمئن لغيره، ولا يأمنه بطبيعة الحال، فقد بات يتوقع الشر من "الآخر" من "الأغيار". فهو يشعر بنفسه الاختلاف عن "الأغيار"، ويشعر كذلك بأنه المتفوق. ومن هنا جاء دوره "النور بين الأمم" و"الشعب المختار"، بل لقد ذهب بعض المفكرين اليهود الى جعله مقدسًا وأعلى درجة من الانسان ..(6) هذا الاستعداد النفسي للخروج على "الآخر" سهل عملية تخريب العلاقات بين اليهود وبين البلاد التي يقطنون بها. وهكذا بات اليهودي على عداء مع محيطه .. بل إن الصهيونية الاشكنازية لم تتورع بارتكاب أعمال ارهابية ضد يهود آسيا وأفريقيا الذين يعيشون مع العرب. متهمة بهذه الأعمال الأغلبية العربية .. هذا التصرف غير الأخلاقي الذي ارتكبته الصهيونية ضد اليهود الشرقيين يهدف الى تخويفهم وترويعهم وحملهم على الهجرة من أوطانهم الى فلسطين، خاصة وهي تتحكم بأجهزة إعلام جبارة في طول العالم وعرضه .. وهكذا فقد مارست الصهيونية التهجير مرتين: مرة وهي تهجّر الشعب الفلسطيني من أرضه ومن وطنه، ومرة أخرى وهي تهجّر اليهود من أوطانهم التي عاشوا فيها مئات السنين الى فلسطين.
2:2: وقد مارست الإشكنازية، منذ قيام الدولة، تمييزًا ضد الأقلية العربية وأقامت لها المؤسسات الخاصة لعزلها وفصلها وكذلك منعها من الاحتكاك والمواصلة مع اليهود الشرقيين وغيرهم، بوصفهم تارة بالطابور الخامس وعدائهم للدولة، وزرعت بذلك عدم الثقة والشعور بالمفاصلة بين الشعبين بتأجيج مشاعر النقمة ضد العرب.
وهكذا قد نجحت الصهيونية في شحن النفسية اليهودية المثقلة بالمرارة والأسى والحقد, مما لاقته اليهودية في اوروبا، فقد حوّلت هذه النقمة وجهة أخرى، فبدل أن تكره قاتلها وتحقد على من ظلمها، وظّفت كل ذلك سياسيًا ضد ضحاياها ضد العرب والمسلمين الذين عاشت بينهم مئات السنين في تفاهم وتعاون .. الصهيونية حيث تُبرُّ من ظلمها وتحسن اليه وتسيء لمن أحسن اليها .. تفعل ذلك لأن هناك قضية سياسية تخوضها ضد ضحاياها ..!! تريد أن تجمع شتاتها وتوحد اختلافاتها الثقافية وقيمها المتباعدة على حساب اعلان الحرب على الشعب الفلسطيني والعربي ..!
مشاعر الجنوب والشمال داخل المجتمع اليهودي:
بما أن الاشكنازية قد هاجرت من دول الشمال، الدول الاوروبية الغنية، اوروبا منطقة الجذب الثقافي والتقدم الصناعي والثراء الفاحش فقد حمل الاشكناز هذا الشعور بالاستعلاء، وهو استعلاء الموطن الجغرافي والبيئة الثقافية مضاقًا الى استعلاء العنصر الذي يشعر به اليهودي عادة، كل ذلك في مقابل المجموعات اليهودية التس هاجرت من بلاد الجنوب المتخلف، الجنوب الفقير، البلدان العربية والاسلامية.كل هذا ساهم في التمييز، وفي بعض الأحيان بالتمييز المبرر والمقبول على الشرقيين.
1: فقد عاش اليهود الشرقيون ما يزيد عن عقدين منذ قيام الدولة في ظروف بائسة تعيسة، عانوا فيها من التمييز على المستوى المعيشي، وقد قعدت به سياسة التمييز عند الحافة. أُسكنوا في بيوت حقيرة عرفت باسم "معبراه" وهو مصطلح ما يزال يعيش في ذاكرة هؤلاء الشرقيين، سكان الجنوب .. ولم يشفع لهم وجود حزب "مباي" الاشتراكي (عضو الاشتراكية الدولية) في الحكم، فقد انفرد اليسار الاشتراكي اليهودي الاشكنازي في الحكم طيلة ثلاثة عقود من قيام الدولة عام 1948 .. وهذا كان من أكبر الأسباب التي اضطرت هؤلاء التعساء الى اللجوء لأحزاب اليمين الرأسمالي كحيروت بقيادة الاشكنازي مناحم بيجين بصفته الحزب المعارض لليسار الاشتراكي الصهيوني.
2: وبدل أن يعمل هؤلاء المظلومين على تأسيس حزب يهتم بقضاياهم ويعمل على تحسين شروط حياتهم، وتحرير إرادتهم من التبعية، فقد اكتفوا بالهرب واللجوء الى الأطر الحزبية القائمة والتي هي صهيونية اشكنازية سواءً كانت يسارية أم يمينية، رأسمالية أم عمالية. وهذا يشير، بل يدل دلالة قاطعة على أن هذا اُلقطاع من المجتمع الاسرائيلي الصهيوني، لم يرتفع بعد الى درجة التفكير المستقل وتوفير الارادة الحرة التي تنتج الأجهزة والآليات الخاصة التي تعمل لصالح هذه الطبقات المسحوقة. وحال هذه المجموعات الاثنية الشرقية أو "الجنوبية" ما زال حتى اليوم، وبعد مرور ما يزيد على 57 سنة، هو حالها نفسه منذ قيام الدولة، لم يستطع ن يقيم هيئاتاً وأحزابًا مستقلة خاصة به ترعى مصالحه وتكون صادقة مع قضاياها.
3: هذا ما يفسر الذهول الذي أصاب هؤلاء الشرقيين، قادة وعاديين عندما وقع زلزال شارون. فقد تبعثروا في كل الاتجاهات، فبعضهم قد لجأ الى بعض الأحزاب القائمة ولاذ بها .. ومنهم من لحق بشارون كشاؤول مفاز بصورة مُذلّة. يخرج من حزب تحت قيادة إشكنازية ويلوذ في حزب تحت قيادة إشكنازية، حتى أن العديدممن تركوا حزب العمل، تركوه لأن أحد الشرقيين يقف في رآسته، فالنفسية المهزومة لا تتصور ان شرقيًا يستطيع أن يقود حزبًا كبيرًا ورئيسياً كحزب العمل ..!!

3: الحزب كتعبير إثني طائفي:
ظاهرة التغييرات الحزبية، هي ما تُميز الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل فكلما شعر الاشكناز بقوة الوجود والحضور لليهود الشرقيين داخل الحزب وازدياد تأثيره, قاموا بعملية تفكيك لهذه الأحزاب، وإعادة صياغتها من جديد. أو العمل على إضعافها بإقامة أحزاب جديدة بقيادات إشكنازية، وهيمنة إشكنازية على أجهزة الحزب. وهكذا يتم بعثرة الحضور الشرقي وشرذمته من آن لآخر.
1:3: بعد التذمر والمعاناة التي قاسى منها اليهود الشرقيون من سياسة حزب العمل، انضم العديد منهم لحزب "حيروت" الذي تجمع حوله كتل يهودية تحت اسم "ماحل"من تحالف أحزاب اليمين .. وهي التي خاضت الانتخابات عام 1977 وفازت بها .. ثم بعد ذلك أسس شارون حزب "الليكود" من جماعات يمينية ومتطرفة .. وكل التغييرات التي كانت في بنية الحزب كانت استجابة لميزان القوى بين الاشكناز والشرقيين داخل الحزب.
2:3: الأمر ذاته هو الذي دفع برفسور يغئال يدين عالم الاٌثار تأسيس ما عرف بحركة "التغيير" والتي استقطبت بقايا "عائلة الاحوسالية المتفرقة" عندما ازداد الحضور الشرقي داخل حزب العمل .. حركة "التغيير" هذه لم تكن سوى مشهد عابر فوق الحلبة السياسية الاسرائيلية".(7)
3:3: من جهة أخرى فقد تمّ اتحاد قوى اليسار في عملية تهدف لإقامة التوازن المطلوب في حركة اليسار الاشتراكي الاسرائيلي لصالح هيمنة القوى الاشكنازية .. وهكذا تأسس حزب "العمل" من حزب "مباي" و"مبام" و"أحدوت هعفوداه" هذه الأحزاب الاشتراكية، وهكذا أخرجت هذه التركيبة بهدف سيطرة الاشكنازية مرة اخرى لسنين طويلة قادمة على قوى اليسار..
4:3: وكرد فعل للحضور الشرقي على شكل قيادات متنفذة في حزب "الليكود" وحزب "العمل" قام الصحفي الاشكنازي المتعصب، يوسي لبيد بإقامة حركة "شينوي" (التغيير)، والتي حصلت في الكنيست السادسة عشر على 17 مقعدًا. وكان يشترط لدخوله في الإئتلاف الحكومي عدم التحالف مع العرب أو المتدينين (الذين هم شرقيون في غالبيتهم). هذا الصحفي الاحوسالي، والذي قام بتشكيل حركة "التغيير" أراد ان يبرز أكثر ما في الاشكنازية من معالم ومعاني في مركباتها الاساسية وهي العلمانية، فقام بعملية متطرفة هدف الى تسييس العلمانية وهذا تصعيد للصراع الثقافي.
5:3: خطوة شارون – بيرس 2005 مسرحية مفضوحة:
لقد ارتفع نجم القيادات السياسية الحزبية الشرقية، القادمة من الضواحي والمناطق النائية عن المركز "تل أبيب" خاصة في الحزبين الرئيسيين حزب "العمل" و"الليكود" لأسباب كثيرة من بينها الزيادة الطبيعية المرتفعة عندهم.
6:3: ففي حزب "العمل" نرى أن ثلّة من القادة الشرقيين قد أمسكوا بمناصب قيادية في هذا الحزب مثل: بنيامين بن اليعيزر (المعروف بإسم فؤاد) وإيلي بن مناحم، وشلومو بن عامي، رعنان كوهين، رافي أدري، رافي ألون، شلوم بن سمحون، عمير بيرتس (المغربي) الذي فاز مؤخرًا برآسة حزب العمل بعد أن هزم منافسه الإشكنازي شمعون بيرس, والذي انتقل بعد خسارته الى حزب شارون "كديما".
7:3: كذلك الأمر في حزب "الليكود" فقد طفح الحزب بالقيادات الشرقية واحتلت مناصب حسّاسة ومؤثرة مثل: دافيد ليڤي، مئير شطريت، موسى قصاب (الذي تدرج حتى أصبح رئيس الدولة) وسلڤان شالون (التونسي) (الذي خسر المنافسة على رآسة حزب الليكود أمام نتنياهو الاشكنازي) وشاؤول عمور، داڤيد ماجين، شاؤول مفاز (وزير الدفاع).
لقد كتب كيمرلنغ قبل ما يقرب من خمس سنوات: "إن شارون وبيرس ينتميان الى هذا الصنف المتلاشي من الاحوسالية السياسية والثقافية المتراجعة، لكنهما على غرار إيهود باراك، ليسا سوى وسيلة محفزة لقوى اجتماعية وسياسية وثقافية، تبدي تحدٍّ من دون أن تتوصل إلى الآن للحجم المطلوب الذي يسمح لها يتنصيب ممثليها في رأس الهرم .. وتؤدي هذه الشخصيات "الاحوسالية" التي تنهي طريقها السياسي – حلقة الوصل بين الماضي المشبع بالأمجاد ولكنه مكروه عند الكثيرين – وبين المستقبل الذي يُخفي بداخله عدة بدائل"(8) (من بينها البديل الشرقي – الكاتب). وخطوة شارون – بيرس في إقامة حزب "كديما" هي محاولة قد تكون قبل الأخيرة لإنقاذ الاشكنازية.
ويأتي الزلزال "السياسي" الذي يحدث في هذه الأيام، لينهي فترة الكنيست السادسة عشر مبكرًا، في الأيام الأخيرة من عام 2005 لتؤكد عمق الانشقاق الثقافي الإثني في المجتمع الاسرائيلي .. إن هذا الزلزال الذي أصاب عمق التشكيلات الحزبية في اسرائيل، وهزّها هزًا عنيفًا، فتطاير اللقطاء واللصقاء وتجمع الأصليون في تشكيلات وأطر أعدّت بصورة دقيقة .. إن هذا الزلزال هو صورة من صور الصراع الثقافي الذي يستتر خلف العامل السياسي الخادع .. ليس هناك صراع على المستوى السياسي. هناك وجهات نظر سياسية متعددة. كلها تعمل من اجل تحقيق الحلم الصهيوني. هذا الزلزال جاء ليؤكد عمق الانتماء للإشكنازية من قبل اليهود الذين قدموا من الغرب .. إن تشكيل حزب "كديما" على يد شارون في ظاهر الأمر، قبل شهر تقريبًا، وهرولة القيادة الاشكنازية في حزب العمل للإنضمام الى صفوفه، تؤكد تلك الأنياء التس انتشرت منذ أشهر عديدة، عن تعاون يجري بين شارون وقيادة حزب الليكود آنذاك وبين شمعون بيرس وغيره من قادة حزب العمل، قبل ان يتبين بيرس هزيمته على رآسة حزب العمل من قبل اليهودي الشري عمير بيرتس .. إن هذا التوجه يؤكد أن دوافع هذه التغييرات في أساسها ثقافة إشكنازية قبل أن تكون سياسية .. وهذا ما يؤكد تجذّر الانتماء الاشكنازي في المجتمع الاسرائيلي. وتبرهن كذلك على قدرتها علىتحريك المسرح السياسي الداخلي في الاتجاه الذي تريد .. ولا بدَّ من ذكر بعض الحقائق الجوهرة في التركيبة الداخلية لهيكلة المجتمع الاسرائيلي:
1: إن نشوء الأحزاب وتلاشيها في المجتمع الاسرائيلي، تقوم على أسس ومبادئ ثقافية اجتماعية أكثر منها سياسية. وما زال العامل السياسي هو الثوب الخارجي الذي يتستر ويحتجب داخله التفاعل والتناحر الثقافي والاجتماعي في اسرائيل. والأحزاب ليست أكثر من أقنعة تخلعها او تجددها الاشكنازية حال حصول خلل في الموازنة الديموغرافية. فكلما شعر الاشكناز ان سلطتهم وهيمنتهم داخل الحزب قد تدهورت من قبل المجموعات اليهودية الشرقية، ينتفض الحزب من داخله، ليزيح بهذه الطريقة او تلك التأثير المتزايد للمجموعات الشرقية، أو يحدّ من قوة تأثيرها بحيث تبقى في منطقة الاحتواء.
1:1: كان هذا في انتفاضة يغئال يدين – عالم الآثار – على حزب العمل منذ سنوات السبعين. عندما شعر بتزايد التأثير للطوائف الشرقية.
2:1: وقبل ذلك كان اندماج حزب "مبام" و"أحدوت هعڤودا" الاشتراكيين في حزب "مباي" وتكون حزب "العمل" ليصبح ذا أغلبية اشكنازية. وكأن في المجتمع الاشكنازي مصرقًا يدعم السوق بالعنصر الاشكنازي كلما تعرض للهزيمة والانهيار .. وهذا ما جعل برفسور يحازقيل درور يقول في رؤيته للمجتمع والدولة الاسرائيلية بعد خمسين عامًا. أنها ستكون بحاجة الى هجرة مليون يهودي من اوروبا والولايات المتحدة لموازنة المعادلة الديمغرافية داخل المجتمع اليهودي ..(9)
3:1: ويظهر ذلك في استبدال "حيروت" بتكتل "ماحل" ضمن اليمين الاسرائيلي بقيادة بيجين.
4:1: وكان ذلك وراء تأسيس "الليكود" على يد شارون، حيث عمل على ضم بعض القوائم والجماعات التي تكونت على جانبيه وحواشيه بعيدة عن المركز.
5:1: وكذلك كانت الانقسامات في حزب العمل وخروج "ميرتس" (يوسي سريد، برفسور روبنشتاين، شلوميت ألوني) وشخصيات مثل بيلين وغيره.
وتهدف هذه الانقسامات في كثير منها الى تشتيت وبعثرة قيادات الطوائف الشرقية، حتى يصعب عليها التجمع في أحزاب خاصة كما حدث لحركة "شاس" التي تكونت من اليهود "الحريديم" الشرقيين.
6:1: وأوضح مثال لهذه الظاهرة محاولة الصحفي الاشكنازي يوسف لبيد الذي أقام حزب "شينوي" (التغيير) واشترط في تعامله مع الهيئات ان لا تتحالف وتتعاون مع العرب أو المتدينين، وكلمة "متدينين" هو مصطلح يقصد به في الغالب "اليهود الشرقيين".
وكثيرًا ما كان يحدث في الانتخابات المحلية للسلطات المحلية، أن يصوت جمهور حزب العمل من الاشكناز لصالح مرشح أحزاب اليمين اذا كان من الأشكناز، خاصة اذا كان مرشح حزب "العمل" من الشرقيين. حدث هذا مرات عديدة في تل ابيب وغيرها من المدن والقرى ...
* وهذا يعكس المرارة التي كان يشعر بها أبا إيبان – أكفأ وأشهر وزير خارجية عرفته اسرائيل – والنقص الذي كان يعاني منه كونه لم ينحدر من سلالة الإشكناز، ولهذا لم يدخل المطبخ السياسي في إسرائيل. مع أنه كان موهوبًا وهو واحد من أبرز 19 خطيبا في العالم.
7:1: زلزال شارون 2005:
لقد فجّر به قواعد اللعبة السياسية في اسرائيل، لقد حدث بقوة كبيرة، إهتزّ لها الكيان الاسرائيلي برمته. وتداخلت الأوراق وتناثرت وتبعثرت قوى كثيرة. وتغيّرت مواقف رجال وقيادات بين عشية وضحاها .. بل لقد تعرت وانكشفت القيم السياسية والثقافية والخلقية عند الكثير من القيادات الاسرائيلية، وبانت عوراتها النفعية والذاتية بشكل مفضوح، بل ومُذلٍ في بعض الأحيان..!
1:7:1: في حزب العمل كانت القيادات اليهودية الشرقية قد زادت من سيطرتها، وراحت تحاصر الظاهرة الاشكنازية داخل الحزب. وأصبحت قيادات يهودية شرقية متنفذة وصاحبة شأن .. تمثل ذلك بانتخاب بنيامين اليعازر (المشهور بلقب فؤاد) رئيسًا للحزب لفترة من الزمن .. ثم ما كان من نتيجة الانتخابات الأخيرة في مركز الحزب على منصب رآسة الحزب. حيث فاز اليهودي الشرقي من أصل مغربي، عمير بيرتس على الاشكنازي المشهور شمعون بيرس. ومع ما له من تأثير كبير منذ قيام الدولة اليهودية. وترك الكثير من بصماته السياسية على السياسة الاسرائيلية، وعلى مشاريعها الكبيرة المميزة. كالفرن الذري في ديمونة بل هو صاحب وزن ودور عالمي على المسرح السياسي. وقعت هذه النتيجة كالصاعقة في صفوف الاشكنازيين، الأمر الذي زلزل الأرض من تحت أقداكهم .. وفروا هاربين على وجوههم .. فروا من أيديولوجيتهم، وخرجوا من أقنعتهم .. فروا من حزب "العمل" فروا من الاشتراكية الدولية. لم يلووا على شيء، ولجأوا الى الخصم السياسي بالأمس الى حيث إشكنازية اليمين ورأسماليته، المهم عندهم أن يتنفسوا في الفضاء الثقافي الاشكنازي.
والغريب أن النظرة الساذجة للأمور، قد أربكها الدخان الكثيف الذي أطلقه شارون وثلته تمويهًا وتضليلا. وكأن شارون هو المصمم الوحيد لحزبه الجديد "كديما" (الى الامام وهو مصطلح يحمل دلالة عسكرية). لكن نظرة متعمقة في سلوك المجتمع الاشكنازي الصهيوني في اسرائيل تتبين بوضوح، أن الاشكنازية في الدولة هي التي أوحت بضرورة تأسيس حزب اشكنازي جديد، ردًا على ما آلت اليه الأوضاع الحزبية في الدولة .. بل هي بحاجة الى هذا الزلزال الذي يبعثر الاوراق ويرتبها من جديد .. وفي تقديري أن أكثر هؤلاء ضلوعًا في العمل والتحضير لهذه الانتفاضة الاشكنازية، هي زعامة حزب العمل الاشكنازية الى جانب قيادة حزب الليكود وهو ما يؤكد:
* سرعة انضمام قيادات حزب العمل الاشكنازية لحزب "كديما" فور تشكله، بل بعضهم كان من المبادرين كحاييم رامون وداليا ايتسك وغيرهما.
* التحاق شمعون بيرس لهذا الحزب فور هزيمته في موضوع رآسة حزب العمل أمام عمبير بيرتس. وهرولة قيادات أخرى للإنضمام.
* لقاء هذه القيادات بهذه السرعة. سواءً خروجها من الأحزاب التي قضت فيها كل حياتها وأفرغت فيها كل نشاطاتها السياسية .. خلعت عنها مواقفها السياسية المعلنة، وخرجت من ايديولوجيتها اليسارية يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن العامل السياسي ليس هو العنصر الرئيسي في تأسيس الأحزاب اليهودية في اسرائيل.
* وتصرف القيادات السياسية الحزبية في هذه الايام، تؤكد كذلك أن المواقف السياسية متقاربة، وكذلك الحلول السياسية، وخاصة الموقف من الدولة الفلسطينية والصراع العربي الاسرائليلي.
* حتى المفاهيم المختلفة بين اليمين واليسار بما يتعلق باقتصاد الدولة سواءً كانت دولة رفاه اجتماعي أم الخصخصة واقتصاد السوق، هذه المفاهيم المختلفة يمكن جسر الفجوة بينها إذا ما تعرضت سيطرة الاشكنازية وسيادتها للخطر.
إن الرؤيا التسطيحية للأمور هي التي تقبل تفسيرات بيرس للدوافع التي جعلته ينضم لحزب "كديما" وكأنه ليس من مؤسسيه، لقد أعلن بيرس بسذاجة دبلوماسية أن إنضمامه لحزب "كديما" جاء لأنه الأقدر على تحقيق السلام، وإبرام معاهدة التسوية مع الفلسطينيين، بينما لسان حاله يقول عكس ذلك، فـ"كديما" هو الأقدر على حفظ وصيانة الهيمنة الاشكنازية. بل إن أخا بيرس كان أصدق في التعبير بما يجول في نفس أخيه وبما يشعر به من مرارة حين أعلن: "لقد تسلطت العقلية "الكتائبية" على حزب العمل".
هذا الزلزال هزّ كيان المجموعات اليهودية الشرقية، وأفقدها صوابها السياسي، وكشف كذلك ضحالة ثقافتها وسذاجة تفكيرها، وسطحية انتماءاتها الايديولوجية، وكشف كذلك مدى الثقة بالنفس عند اليهود الشرقيين، فهم ما زالوا غير جاهزين لتأسيس أحزاب ترعى قضاياهم الخاصة، وغير قادرين كذلك على قيادة الأحزاب فضلاً عن قيادة الدولة .. ولسان حالهم ينطق: "اعطوا الخبز للخبّاز الاشكنازي، ولو أكل نصفه".
2:7:1: الوضع في حزب "الليكود" (التجمع) لم يكن بأحسن حالاً منه في حزب العمل. فالشخصيات الشرقية قد احتلت أماكن متنفذة في قيادة الحزب، فأصبح رئيس الدولة، موسى قصّاب، وهو شرقي، وكذلك دافيد ليفي، مئير شطريت، وسلڤان شالوم وشاؤول عمور، ودافيد مجين، وشاؤول مفاز .. وهذا ما دعا شارون وقيادة حزب العمل، القيام بهذه الخطوة الاستبقاية تحت شعار أن الليكود لم يعد يصلح لتمرير سياسته في هذه المرحلة وهي التسوية مع الفلسطينيين. ومن جهة أخرى دعت بيرس ليعلن أن شارون أقدر على تحقيق السلام من حزب العمل.
وقبل أن يُشاد البيت الاشكنازي الجديد، تداعى الى أرضه مجموعات قيادية من كافة الأطراف الاشكنازية، يأوون اليه ويعملون في الوقت نفسه على تجهيزه وإعداده ... وقبل أن يتم تجهيز هذا الحزب وهيكلته، راحت الاحصائيات تعطيه ما يزيد عن 40 مقعدًا في الكنيست السابعة عشر .. بينما حزب العمل قد تناقص مؤيديه حسب هذه الاحصائيات الى ما لا يزيد عن 18 الى 20 مقعدًا. وهذا يعكس أنّ:
1: الاشكناز ما زالوا يحتفظون بميزة المبادرة، وما زالوا هم القوة المنتجة للعمل السياسي والاقتصادي والثقافي في المجتمع الاسرائيلي. والنخب الشرقية المتنفذة هي تلك التي قبلت "التفرنج" أو التحوسل بلغة كيمرلنغ.
2: أن الشرقيين ما زالوا كالعالم العربي، قوة استهلاكية تعيش على ما يقدمه المنتج الاشكنازي في كل المجالات، بما فيها التنظيم الحزبي.
3: والاشكنازية هي الجواب، لمن يسأل عن ذوبان حزب "التغيير" بقيادة الاشكنازي المتعصب يوسي لبيد، في الحزب الجديد "كديما"، وأحوساليته هي التي ساعدته في الحصول على 17 مقعدًا في الكنيست السادسة عشر.
الإشكنازية والشرق الأوسط ثقافة غازية:
الاشكنازية أو "الاحوسالية" كما يراها كيمرلنغ، هي ثقافة استيطانية غازية، واليهودي في تاريخه يحمل مشروعًا ثقافيًا متجولاً، وهي ثقافة غازية لا بالمعنى التقليدي للغزو .. فهي تتم بأشكال وصور مختلفة وقد تتسلّل بصور شتى لتحتل مراكز رئيسية في الفكر الإنساني عند منحنياته ومنعطفاته .. لذلك عبّرتُ عنها أكثر من مرة: "المعنى المتجول في الحيّز المتغيّر" والثقافة المتجولة، بهذا المعنى، تحمل من خصائصها الذاتية ذات القابلية للتلاقح السريع مع الثقافات الاخرى. فهي وإن كانت في معظمها ثقافة تجميعية ملقحة فهي لا تخلو من الطابع الخاص، الذي يكسبها صفات وخصائص تبدو وكأنها عالمية. فاليهودية لا تذوب في الثقافات الاخرى، لأنها تحمل رؤيا ذاتية بالتفوق والعلو على الآخر، مهما كانت ثقافة هذا الآخر .. ولذلك من الصعب ان تنصهر أو تتلاشى مع الغير.
هكذا كانت جولات اليهودية في بداية تريخها عندما كانت ذات رسالة دينية ربانية، وكذلك جولاتها في التاريخ القديم والأوسط عندما تحولت الى رسالة فكرية او لا دينية. واليهودية بعد أن داخلها شعور الاستعلاءوالتفوق في عنصرها، تحولت الى ديانة غير تبشيرية تكتفي بالعرق والعنصر اليهودي المنحدر من ذات السلالة. ومن أشهر أساليب اليهودية الجوّالة هو مبدأ "التلبُّس" على الآخر، حين ينتحل شخصية الآخر رويدًا رويدًا حتى يصبح هو والآخر كأنّه شخصية واحدة.(10)
ولما كانت "الاحوسالية" وبالتعبير اليومي العادي الاشكنازية غزوًا ثقافيًا، وهذا ما يعكس الحرب الثقافية القائمة منذ فترة في المجتمع الاسرائيلي والتي يقف في جوهرها سؤال: من هو اليهودي؟ هذا السؤال الذي يؤجل البحث فيه، لئلا يتكشف الصراع سافرًا بين الاشكنازية العلمانية الغازية، وبين اليهودية في نسختها الأصلية ذات الجذور الشرقية. والاشكنازية في محاولاتها علمنة اليهودية تكشف عن المدى الذي سيذهب اليه هذا الصراع ... إن خطوة شارون الأخيرة ما هي إلاّ شكل من أشكال هذا الصراع، الذي يبدو خفيًا، ويراد له أن يظل هكذا خفيًا، لأن السفور يشكل خطرًا على الحيّز السياسي ذاته. ويُسرّع بعملية الاستقطاب والفرز العنصري .. ولهذا فنحن أمام:
أ: ثقافة اشكنازية امبريالية استيطانية منظمة وصاحبة السيادة والهيمنة ومدعومة من الغرب الامبريالي، ومن الحركة الصهيونية العالمية.
ب: ثقافة يهودية شرقية، لكنها مجموعات مبعثرة لم تنجح بعد في بناء كيان هيكلي محدد .. مجموعات ما زالت حتى اليوم تهرب من واقعها لتستظل في كنف الاشكنازية.
ج: "الاسرائيلية" الآخذة بالتشكل والتي أضعفتها مؤتمرات هيرتسيليا والتوجه الصهيوني العام الذي جرف المجتمع الاسرائيلي خاصة بعد الانتفاضة الاخيرة .. "الاسرائيلية" التي ترى أن على اسرائيل أن تصبح دولة كل مواطنيها، وأن تهتم بقضايا مواطنيها في حدودها، وأن تعمل على تحرير إرادتها واستقلال قرارها السياسي عن الحركة الصهيونية. وعماد هذا التيار يتشكل من النقاد الاجتماعيين ومجموعة المؤرخين الجدد وجماعات غيرها ... هذا التوجه آخذ بالتشكل ولوبصورة بطيئة ...
وفي ضوء الصراع الثقافي الآخذ بالتوسع بين اليهود الشرقيين والاسرائيلية من جانب وبين "الاحوسالية" من جهة أخرى، هذا الصراع الذي لم تستطع الاشكنازية أو "الفرنجة اليهود" حسمه مع الثقافة الشرقية هل هناك امكانية أن تكسب الاشكنازية هذا الصراع في مستواه الشرق أوسطي..؟ حتى مع ما للغرب والعولمة من هيمنة في طول العالم وعرضه يظهر أن صاحب أطروحة "شرق أوسط جديد" لن يستطيع ان يوجد مثل هذا الشرق..!! وإذا كان بيرس صاحب هذا الكتاب في كلمة له أمام المؤتمر السنوي لرؤساء المجالس والسلطات المحلية وكان يشغل منصب وزير الخارجية، سأله عريف الجلسة: أنت من استطاع ان "يحرر" النقب عام 1948، وانت وراء المشروع النووي الاسرائيلي، وأنت صاحب التاريخ الحافل تتكلم في مقدمة كتابك "شرق أوسط جديد" عن مصافحة محمود عباس وغيره من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تعتبرها اسرائيل ارهابية ... هل تعب شمعون بيرس من السياسة حتى تغيّر على هذه الصورة؟ فأجاب بيرس بكل هدوء: "أنا لم أتغير، واليهود لم يتغيروا، والعرب لم يتغيروا، ولكن الزمان قد تغيّر". فهل صدق بيرس في تصوير حقيقة ما يجري، أم أنّ القواعد الأساسية لشرقه الأوسط الجديد، يجري تغييره على مقتضى المقاس الصهيوني الاشكنازي .. ولكن كل المؤشرات والدلائل والقرائن التاريخية تقول بأن الشرق الأوسط بقيمه ومعاييره وأعرافه العربية (الاسلامية والمسيحية واليهودية) أقوى من الثقافة الاشكنازية الغازية. وبالتالي سوف تصهرها وتهضمها كما هضمت غيرها من المحاولات، كانت هناك محاولات عديدة ومن أبرزها محاولة الاسكندر المكدوني اللعب في المسئلة الديموغرافية، ولكنها فشلت..
والسؤال الذي يُطرح على الاشكنازية، وينتظر جوابها، ما الذي ينبغي أن يسود: القيم والاعراف السائدة أم القيم الوافدة؟ وما هو الأهم، قيم وتعاليم وتقاليد اليهودية أم قيم ومفاهيم الاشكنازية؟ وهل بالإمكان أن يتحول الشرق الأوسط الى جسد غربي (بإسلامه ومسيحيته ويهوديته) يحمل رأسًا إشكنازياً...؟ كما يريده بيرس، شرق أوسط يستهلك من القيم والمعايير والمفاهيم التي ينتجها له الرأس الاشكنازي..! أو لعله يكون الحيّز الجديد الذي سيحتله المعنى المتجول، ويسيطر من خلاله على التنظيم وعلى القرار السياسي والاقتصادي والاعلامي في هذه المنطقة الواسعة من العالم، هذا الجزء من آسيا الذي يتداخل مع كل من اوروبا وأفريقيا...؟
والاطروحات الاشكنازية تتعاقب في تقديمها لأطروحاتها تلك. فمثل هذا الذي يقوله شمعون بيرس مع بداية الألفية الثالثة كان قد قال مثله الفيلسوف اليهودي مارتن بوبر في نظريته التربوية في النصف الأول من القرن العشرين، حين كانت الصهيونية تعمل جاهدة على تهيئة آسيا أمام الحركة الصهيونية وتبْيِئتها للمعنى المتجول، يقول بوبر: "فاليهودية على الرغم من وجودها في العصر الوسيط والحديث، وحركتها التجارية والاقتصادية والثقافية والاعلامية في الغرب .. لكن الشعب اليهودي لم ينس أنه في تاريخ مضى كان ابن هذا الشرق، وأفرغ فيه نشاطه الأدبي والديني فترة طويلة من الزمن ... وهذا ما يؤهل الشعب اليهودي ويجعله أكثر قدرة على دمج روح الشرق، روح آسيا بعقل الغرب".(11)
الأقلية العربية والاشكنازية حوار أم مواجهة:
الصراع الثقافي على هوية الدولة الاسرائيلية ومستقبلها هو حالة مرافقة لتطور المجتمع الاسرائيلي، قد يضعف هذا الصراع او يشتد أُواره تبعًا للظروف التي تمر بها الدولة .. الصراع الثقافي يخبو ويضعف كلما اشتد التوتر بين اسرائيل والعرب الفلسطينيين، يتمّ تأجيل الصراع الاشكنازي الشرقي في المجتمع اليهودي. تنحى جانبًا مطالب المساواة وتحسين ظروف العيش لدى الطوائف اليهودية الشرقية فإن ما يتقاضاه اليهود الشرقيين أقل ب 36% مما يتقاضاه الاشكنازيون(ورد ذلك في الإحصائيات الرسمية التي أذيعت من القناة الثانية الاسرائيلية في نشرة اخبار الساعة السابعة صباحا من يوم 13.12.05)،.. فكم ستكون النسبة أكبر بين ما يتقاضاه الاشكنازي مقارنة مع ما يتقاضاه العربي..!!؟
اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة كنموذج:
إن من الخطأ الظن أن مؤتمرات هيرتسيليا السنوية التي تناقش موضوع: "المناعة والأمن القومي"، والحديث المتواصل عن الخطر الديمغرافي العربي، ما هي إلاّ صورة الغلاف لهذه المؤتمرا، فهذه النخب الأكاديمية، والصفوة السياسية والأمنية وقيادات الأحزاب في اسرائيل ويهود الخارج التي تشارك في هذه المؤتمرات هي في غالبيتها من الاشكناز أو "اليهود المتفرنجين". فهي تعالج موضوع خطر الزيادة العربية الطبيعية بجدية تامة، بينما هي تسكت عندما يتعلق الأمر بالخطر
الديموغرافي اليهودي اليهودي ... وتدرس كذلك الى أي مدى تتعرض الثقافة الاشكنازية للإنحصار داخل المجتمع الاسرائيلي. بتعبير أدق، ميزان القوى الفاعل داخل المجتمع اليهودي بين اليهود الشرقيين وبين الاشكناز، يقول باروخ كيمرلنغ في هذا موضوع التمييز واللامساواة بما يتعلق باليهود الشرقيين. "عدم المساواة الذي ساد منذ البداية، قد تحول الى جزء ثابت من المشهد الاسرائيلي، هذه صراعات متعددة الأبعاد، اقتربت في بعض الأحيان الى حد الحرب الأهلية، وصلت ذروتها بمقتل رئيس الحكومة اسحاق رابين"(12) .... وحتى تبقى السيطرة والسيادة في أيدي الاشكناز من جهة والتوازن الديموغرافي من جهة أخرى فإن برفسور درور يرى وجوب هجرة مليون يهودي غربي من اوروبا والولايات المتحدة في الخمسين سنة القادمة .. أليس كل ذلك من أجل تعزيز السيطرة والهيمنة الاشكنازية...؟
في ظل هذا المناخ الثقافي والسياسي، الذي لا تجهله الطبقة المثقفة من الشرقيين، هل يمكننا القول بأن هذه الطوائف تحاول تقليد الممارسات الوظيفية للوبي اليهودي في الولايات المتحدة الامريكية .. بحيث يشاركون في الحياة السياسية والثقافية الى درجة ما يشبه الاندماج التام في الحياة الحزبية التي أسسهاالاشكناز مع التمايز على المستوى الاثني كما يفعل اليهود في الولايات المتحدة .. كالمحافظة على الطقوس التعبدية الدينية، وعلى الخصوصيات اليهودية التي تتعلق بالمفهوم الديني والتراثي. فبعضهم يندمج اندماجًا تامًا في الحزب الديمقراطي، بحيث يوثر تأثيرًا حاسمًا في المواقف الأمريكية لصالح الطرف الاسرائيلي في صراعه مع العرب والمسلمين. بينما مجموعات أخرى مندمجة في الحزب الجمهوري وتؤدي ذات الدور .. لكن بظل الفارق بين وضع وثقل الصهيونية اليهودية في الولايات المتحدة خاصة في المجال الاقتصادي والاعلامي، والزواج غير الشرعي مع طبقة (WASP) الزنابير أو ما يمكن أن نطلق عليها "المسيحية المتصهينة"، في مقابل وضع وخفة وزن اليهود الشرقيين في اسرائيل:
1: القوة الاقتصادية والثراء الفاحش الذي تملكه الصهيونية في الولايات المتحدة يمكنها من التأثير، ليس فقط على اتخاذ القرارات في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاعلامية وإنما في تنصيب من ترغب من الدمى السياسية في البيت الأبيض.
2: هيمنتها شبه المطلقة على وسائل الاعلام في الولايات المتحدة ابتداءً من الصحيفة والراديو والتلفزيون وانتهاءً بالفلم السينمائي الذي تنتجه هوليوود.
3: قوة التأثير كذلك على بلدان كثيرة في اوروبا، وعلى وسائل الاعلام فيها، نظرًا للمكانة الخاصة التي يحتلها اليهود في هذه البلاد. كل ذلك يشكل ضغطًا دوليًا لصالح اليهودية العالمية .. يضاف اليها ثقل الضغط الاخلاقي على الاوروبيين، وشعورهم بالذنب الذي يلاحقهم من جراء الأذى الذي ألحقوه باليهود خاصة في الحرب العالمية الثانية..
في حين، وفي المقارنة، نرى اليهود الشرقيين في اسرائيل ووزنهم النوعي يختلف، بل إن الأوضاع الاقتصادية والتعليمية تتشابه الى حد ما مع أوضاع الأقلية العربية فاليهود الشرقيون لا يمثلون:
1: الطبقة الغنية في اسرائيل .. بل كما رأينا فإن مستوى معيشة الشرقيين الى الاشكناز لا تتجاوز 60% ولهذا يستطيعون التأثير في المجال المالي. وهذه النسبة هي في مجال الراتب الشهري للموظف أو العامل الشرقي قياسًا مع الاشكنازي. وليست نسبة الغناء والثروة التي يملكها الشرقيين مقارنة مع الاشكناز، فإن هذه النسبة سوف تهبط عن 60% كثرًا وكثيرًا جدًا.
2: والشرقيون أقل مستوى في مجال التعليم. وكذلك في ما يحوزونه من وسائل الاعلام.
3: يبقى الصوت الشرقي في الانتخابات، هو صاحب التأثير الواضح، ولكن بعثرته على أحزاب كثيرة تفقد قوته، وتجعله يعيش على الحالات الاستثنائية، في انتهاز الفرص في الأزمات والمآزق، لكي يحصل على بعض الهبات والصدقات الحكومية المشروطة، كما تفعل "شاس" وغيرها من الحركات الدينية، في الحصول على هبات حكومية، عند تمرير ميزانية الحكومة في الكنيست على سبيل المثال، فهي في لغة الدبلوماسية الاشكنازية يمثلون "حشوكيم" (تتمثل وظيفتها بالصرارة، أو الحجر (مصة) الصغير الذي يضعه البناء تحت الحجر الكبير او المدماك لكي يستقيم). وفيما عدا هذا التأثير، فإن الأصوات الشرقية الكثيرة التي يتقاسمها حزب "العمل" وحزب "الليكود" هي عمليًا تبقى الظاهرة المؤثرة في الحياة الحزبية ..
وكالعادة عندما يبلغ هذا الحضور للشرقيين درجة خطيرة تهدد الهيمنة الاشكنازية، يقوم هؤلاء بانتفاضة على هذه الكيانات الحزبية التي أسسوها هم أنفسهم، إما بتجديدها أو باستبدالها، بحيث يعيد لهم السيطرة والهيمنة من جديد لسنوات أخرى قادمة ... وتظل المعضلة أمام "الاحوساليين" تتمثل في المدى الذي سيظل الاشكناز يلعبون هذه اللعبة بنجاح من غير ان تصطدم بإرادة واعية وصلبة ومستقلة لدى هؤلاء الشرقيين؟
المظلوم للمظلوم رفيق درب ونسيب:
إذا قال امرؤ القيس ذات يوم عندما شارف على الهلاك في إثر عودته من زيارة له لقيصر الروم يطلب نصرته، وكان بقربه قبر لغريبة:
أجارتنا إنّا غريبان ههنا وكل غريب للغريب نسيب
إذا كانت الطوائف الشرقية اليهودية مغبونة في كثير من حقوقها إذا استنطقنا المنهج والدستور السياسي الذي تُحكم بواسطته الدولة والذي يُقرر بأن الدولة يهودية .. وينص على ذلك، ولكن ما سكت عنه هذا الدستور هو تحديد ماهية هذه اليهودية .. التجارب العملية تقول بلسان فصيح مبين إنها اليهودية الاشكنازية .. إنها الاحوسالية .. وهكذا في دولة اليهود بالمفهوم الاشكنازي يتحول الشرقيون الى موقف شبيه بعض الشيء بموقف الأقلية العربية من الدولة ..
وهكذا يظل النموذج الذي ينادي به "المؤرخون الجدد" و"النقاد الاجتماعيين" وبعض الفئات الاخرى "دولة كل مواطنيها" أو "اسرائليية" الدولة والمجتمع، دولة تهتم بقضايا مواطنيها الذين يعيشون في حدودها المعترف بها .. بتعبير آخر تحرير إرادة الدولة من الهيمنة الاشكنازية التي ما هي إلاّ وجه من وجوه الحركة الصهيونية العالمية .. دولة بهذا المفهوم، وتحمل طابع الدولة الحديثة هي التي تُؤْمن الحقوق الشرعية والمدنية لكل مواطنيها، بما فيهم الاشكناز أنفسهم ..
هذا النموذج للدولة ينبغي ان يطالب به كل الطبقات المظلومة ومن بينها الأقلية العربية والطوائف الشرقية اليهودية، والعديد من التنويريين الاشكناز ..
مبدأ العزل والتبعية سياسة اشكنازية:
وحتى لا تلتقي ارادة المظلوم مع غيره من المظلومين تفرض السياسة الاشكنازية مبدأ العزل والتجزئة والتبعية على المواطنين العرب منذ قيام الدولة..: (13)

1: مبدأ التجزئة في المجتمع العربي، بإثارة القطاعات المتعددة (الدرزي، المسيحي، المسلم، والبدوي)، والمجموعات اليهودية: العراقيين، المصريين، المغاربة، اليمنيين، الاثيوبيين ... الخ.
2: مبدأ العزل، والذي أخذ أبعادًا على كل الأصعدة .. عزل البلدات العربية عن بعضها عن طريق اقامة مستوطنات يهودية من حولها، حتى تمنع التواصل الجغرافي بين القرى والمدن العربية ما أمكن ذلك من جهة، وكذلك عزل المؤسسات العامة اليهودية أمام العرب واتخاذ دوائر خاصة بالعرب الى جانب المؤسسات العامة .. ناهيك عن وضع العراقيل الكثيرة أمام العرب الذين يرغبون في السكنى في مدن ومستوطنات يهودية .. وقبل ذلك تصوير العربي على أنه مصدر خطر على الدولة وهذا يقود الى نزع الثقة ما بين العرب واليهود .. سواءً كان ذلك في الحالات القليلة التي قام بها أفراد عرب ضد أمن الدولة، أو كان فيما عرف بالخطر الديموغرافي لهذه الأقلية.
3: التبعية، وهي جعل الأقلية العربية تعتمد في معيشتها على القطاع اليهودي بعد مصادرة الكثير من اراضيها.
كل ذلك يضع العراقيل بين الأقلية العربية واليهود الشرقيين ويمنع من هذا الطرف أو ذاك بث همومه ومشاغله ومشاكله الى الآخر، "الآخر" الذي تتوفر فيه قابلية سماع الشكوى من الآخر ..
من أجل كل ذلك يرى باروخ كيمرلنغ أن الصراع على مستقبل الدولة الاسرائيلية: هويتها، دلالتها، رموزها، يزداد شراسة حتى باتت كل جماعة سكانية تشعر أنها مهددة من جانب الجماعات الأخرى، وكلما اشتد هذا الشعور وتعمق، كلما ازداد الاستعداد لاستخدام العنف الكلامي والجسدي تجاه الداخل أو الخارج على السواء ... على هذه الأرضية وقع الانفجار العنيف في أوساط العرب في اسرائيل في تشرين أول 2000 ثم الرد العنيف من جانب الشرطة.(14) وبدل أن تشتغل الدولة ب"المهمة الصعبة" كما يرى كيمرلنغ، المتمثلة في صنع المستقبل في ظل سلام مع شعوب المنطقة، والاستقرار فيها، كمقدمة لقبولها في أسرة "الشرق الأوسط"، ولكن بدلاً من ذلك، "تفجرّت قضايا التمييز الطائفي واللامساواة وانحرفت سريعًا نحو الدائرة القومية وأنهكتها ... وفي ذلك يرى كيمرلنغ قاسمًا مشتركًا بين العرب الفلسطينيين في اسرائيل وبين اليهود "الحريديم". "يحس العرب بالتمييز ضدهم، وبحق، ليس نتيجة فائض الامتيازات السياسية والاقتصادية والثقافية الممنوحة لليهود، والحقوق الاساسية المحجوبة عن العرب، وحسب، بل لأن صوتهم ومشاكلهم لا تعدّ مشروعة في دولة تعرف نفسها بأنها "يهودية" في قانونها الأساسي .. ويحس "الحريديم" والى حد ما المتدينون القوميون أيضًا، بأنهم محيّدون لأن الدولة التي تدّعي أنها يهودية ما تزال تعطي أفضلية سياسية وثقافية – وإن لم تظل استثنائية – للعليات فيها، وللأنماط والقيم الأساس والنظام الاجتماعي والسياسي لهؤلاء الذين ما زالوا أحوساليين (اشكناز) في جوهرهم.(15)
وتزداد مشكلة اللامساواة صعوبة في اسرائيل في ضوء الحرب الثقافية المزدوجة التي تخوضها الأحوسالية مرة ضد الأقلية العربية وتارة ضد اليهود الشرقيين .. إذ ليس هناك مساواة في توزيع الدخل القومي بين العرب واليهود من جانب، وبين الاشكناز واليهود الشرقيين من جانب آخر، فكما سبق أن ذكرنا فإن اليهودي الاشكنازي يتقاضي مرتبًا يزيد بأكثر من 36% عما يتقاضاه اليهودي الشرقي. وفي ضوء تعدد الثقافات التي تختلف عن مفهوم التعددية الثقافية، ففي نظر الثقافة الاشكنازية التي لا تعترف أصلاً بشرعية الاختلاف الثقافي، تزداد حدة مشكلة اللامساواة المدنية، حيث أن الغالبية اليهودية فهمت ضمنًا وقبلت بذلك التمييز الوقع على الأقلية العربية، ومن هنا يأتي التشويه الكبير لمصطلح "الدمقراطية" في إسرائيل، حين تُعرف الديموقراطية بأنها سلطة الأغلبية على الأقلية، دون الانتباه لضرورة تطبيق حقوق المواطنة والمساواة المدنية على جميع الأقليات .. هذا التمييز على أساس قومي وطائفي التي تمارسه اسرائيل هو في نظر كيمرلنغ "صنيعة صهيونية أحوسالية" توصلت الى نهجها هذا من خلال دمج مختلف الوسائل السياسية والاقتصادية والثقافية .. وقامت بايجاد هيستوريوغرافيا (تأريخ) وميثولوجيا وتفسيرات علمانية للنصوص الدينية، من خلال تسييد اللغة العبرية في الأساس. وهكذا أصبح إيجاد التأريخ الصهيوني الرسمي شكلا من أشكال إيجاد القومية ذاتها (بصورتها الاشكنازية) وقد تمّ نتيجة الدور الذي لعبته فئات يهودية عليا ذات مصالح طبقية ومادية واضحة".(16)
وباستنطاق هذه النصوص وقراءة المسكوت عنه في التوجهات العلنية نرى بأنها الوظيفة المنوطة بالاشكنازية في الهيمنة واحتواء هذا الصراع الثقافي في الأصل لصالحها .. وليست مؤتمرات هيرتسيليا، أو ما عرف ب"وثيقة طبريا" ما هي إلاّ قراءة في المجتمع الاسرائيلي، ومحاولة لدفع أو تأجيل هذه الحرب المتأججة داخل المجتمع اليهودي، وتوجيهها وجهة تطيل عمر الهيمنة الاشكنازية وعلى ذلك فإننا نقرأ بكل وضوح: أن المشكلة الديموغرافية في إسرائيل لها حدّين في نظر الاشكنازية:
1: مشكلة الديموغرافية بين العرب واليهود وهو المعلن عنه والمجهور به.
2: مشكلة الديموغرافية اليهودية اليهودية، بين الطوائف الشرقية وطائفة الاشكناز وهي المشكلة المسكوت عنها، ولكنها تحت العلاج والمجهرية والمراقبة .. حتى لا تنكشف مزاجية الدولة. فإذا كان هذا هو المسكوت عنه، هو ما يجعل علاجه أكثر صعوبة لأن انكشافه على المستوى الجماهيري العام للطوائف الشرقية المغبونة، سيفجر الصراع ويزيده حدة، وهو عامل أصيل ورئيسي ليس فقط في الانحراف المزاجي للساسة الاشكناز، وإنما في حدة هذا المزاج والسلوك الغريب للنفسية الاشكنازية التي لا تستطيع التستر والتكتم على هذه الدوافع النفسية .. مما يجعل السياسي يزداد عصبية وتطرفًا .. هذا المزاج المنحرف هو الذي جعل سياسيين بحجم بيرس ورامون وشارون وغيرهم من القادة يخرجون عن جلودهم مكشوفين عراة يهرولون أو ينهزمون الى الأمام الى "كديما".
هذه المزاجية هي التي فجرت هذا الزلزال الحزبي الذي قاده شارون باسم الاشكنازية يمينها وشمالها وسطها وأطرافها .. هذا الانفجار الذي يعبر عن النفس الاشكنازية المأزومة والمحقونة، مما آلت اليه الأحزاب الاسرائيلية من كثافة الحضور الشرقي المزعج فيها، قد عمل على تشظي المجموعات السياسية لليهود الشرقيين وبعثرتها على خانات عديدة .. حتى يصعب تجمعها في وقت قريب .. وهكذا:
1: تشكل حزب "كديما" بقيادة وهيمنة إشكنازية واضحة، من الصعب اختراقه من قبل القيادات الشرقية التي أصابها الذهول، فلجأت اليه مضطرة، فهم ليسوا أعضاءً مؤسسين فيه، بحقوق كاملة، بل هم كحال الهارب اللاجئ ..
2: ما تبقى من حزب "الليكود" سيكون في قبضة وهيمنة الاشكناز خاصة وقد فاز فعلاً في الانتحابات لرآسة الحزب، إشكنازي هو بنيامين نيتنياهو.
3: زاد الثقل النوعي للإشكناز في حزب العمل، بل إن الشرقيين في قيادة حزب العمل سيتم "حوسلتهم" (جعلهم اشكنازًا ثقافيًا) لشعورهم بالضعف أولاً، وحاجتهم لقيادات أحوسالية تغزوهم من خارج الحزب متظاهرة بدعمهم ولكن في الحقيقة إنما هو دعم للحضور الاشكنازي كحزب ميرتس وجماعة يوسي بيلين وغيرهم.
وهذا يظهر أن هذا الزلزال قد أعدّ له إعدادًا جيدًا .. هذا الزلزال قد أبقى الاشكنازية متجمعة ومتحدة سريعة الحركة .. بينما قام ببعثرة غيرها، وسوف يمر وقت ليس بالقليل حتى يتحسس الشرقيون طريقهم من جديد وتبدأ لعبة جديدة.
الانتخابات البرلمانية القادمة وخيارات الأقلية العربية:
نحن العرب في هذه البلاد لسنا على الحياد، من كل ما يجري من أحداث داخل المجتمع الاسرائيلي، ولا ينبغي أن نكون كذلك في اي حال من الاحوال، بل نحن طرف فيما يجري، شئنا ذلك أم أبينا، حتى المتفرجين على مسرحية، ليسوا حياديين في عواطفهم. فنحن إما أن نكون طرفًا فاعلاً في صنع هذه الأحداث، نحدد فيها إتجاه مصالحنا، ونحاول رسم خطوط مستقبلنا، وإما أن نكون طرفًا لا مباليًا، خارج اللعبة التي تجري أحداثها داخل بيتنا، فنعزل أنفسنا عما يجري في بلادنا..!! عندها نتحول الى طرف متلقي، الى طبقة من الاسفنج تمتص السلبيات والأذى والسوء، التي يفرزها لنا النظام الذي يظلمنا ويريد تغييبنا عن الواقع .. هذه التحولات والتغييرات الجارية في المجتمع الاسرائيلي لها انعكاساتها الايجابية والسلبية علينا، فلا ينبغي لنا ان نتعامل معها بالهروب منها سواءً كان هروبًا الى الأمام، فننسى أنفسنا وهويتنا وقضايانا ونصبح جزءأ موظفًا في مشروع الظلم الواقع علينا، أو هروبًا الى الوراء فننعزل عن الأحداث ونُحرّم على أنفسنا المشاركة في صنع الأحداث بالتصدي لها ومواجهتها بإرادة واعية مستقلة، وبتفاعل حي لا ينقطع عن معايشة الوقائع والأحداث. التفاعل المشروط بالوعي والفهم العميق والشامل لمصالحنا، وتحليل أوضاعنا وظروفنا تحليلاً وافيًا:
1: معرفة يقينية بحركة التاريخ وتحولاته، بحيث نشارك كطرف فاعل في كتابته .. وأن نعلم أن التاريخ البشري ليس سلسلة جبال الهمالايا في ثبوتها على حالها، حتى هذا الثبات متحول ومتغير بمقتضى السُّنّة الجيولوجية التي تتفاعل بها، وحتى الانسان يستطيع أن يُعدّل في ثوبها الخارجي زراعة وفلاحة وغير ذلك ... أما التاريخ البشري فهو متغير ومتحول لا يثبت على حال، وهو متحول بتحول القوى الفاعلة فيه، ولهذا فإن حركة التاريخ تخضع لميزان القوى المتفاعلة فيها. فكل التسويات والمعاهدات والاتفاقيات السياسية وحتى الثقافية الى حد كبير خاضعة لمبدأ التغيير هذا .. هذه الأمور تبقى ثابتة ما دامت المعادلة التي تربط بين القوى الفاعلة متوازنة .. فإذا حدث الخلل في المعادلة، تبع ذلك تلقائيًا الخلل في كل سجلاتها. ولدينا مثالين في تاريخنا الحاضر الذي نعيشه:
1:1: الاتحاد السوڤييتي بالأمس القريب، كان قوة دولية هائلة، استطاع ان يحافظ على قيام المعادلة المتوازنة في العلاقات الدولية، فوقفت الولايات المتحدة عند حدودها ... حتى أن بلدًا صغير مثل كوبا الذي يقع بين فكّي الولايات المتحدة، وعلى أرض كوبا وضع السوڤييت آلات وأجهزة التنصت على الولايات المتحدة،. كان ميزان القوى لا يسمح للولايات المتحدة بإطباق فكيها فتضيع كوبا .. فلما انهار الاتحاد السوفييتي انهارت مع انهياره كل سجلاته التي تحوي معاهداته ومواثيقه وتسوياته، واستبيحت حماه، وأصبحت موسكو، عاصمة الاتحاد السوفييتي، مسرحًا للنشاط السياسي الأمريكي. تعيث فيها فسادًا على ما ترغب وتشتهي.
2:1: المثال الثاني: منظمة الأمم المتحدة في ظل ما كان يعرف بالحرب الباردة بين حلفي وارسو والناتو، والى جانبهما معسكر "الحياد الايجابي" في ظل هذا التوازن استطاع العرب أن ينتزعوا من الجمعية العمومية قرارًا يقضي باعتبار الصهيونية "حركة عنصرية". فلما ذهب الاتحاد السوفييتي، وذهب معه مبدأ "الحياد" وانقسم العالم بحسب المقولة الأمريكية: "من ليس معي فهو ضدي".
باتت الأمم المتحدة وكأنها مؤسسة تابعة للولايات المتحدة، وخادمة لمصالحها، تستطيع أن تمرر من خلالها القرارات التي تريد وهكذا تمّ مصادرة الشرعية الدولية لصالح التفسير الأمريكي لهذه الشرعية:
1:2:1: في هذه الحقبة من السيطرة الأمريكية مُزقت قرارات دولية كثيرة فبدل أن تظل الصهيونية "حركة عنصرية" وهي تمارس اليوم تصفيات عنصرية ضد الشعب الفلسطيني، قامت الأمم "المتحدة" وفي حقيقة الأمر الأمم "المحتلة" بتبرئة الصهيونية وألغت قرارها السابق. أين المواثيق الدولية في ظل غياب موازين القوى...؟
بل أكثر من ذلك، تخصص الأمم "المحتلة" ما يزيد عن 15 مليون دولار، ليس من أجل إطعام من يموتون جوعًا في انحاء العالم، ولكن من أجل نشر ثقافة الهلوكوست في العالم..!
بل إن الأمم "المحتلة" قد ذهبت أبعد من ذلك، باعتبارها إسرائيل والصهيونية شعبًا فوق الشعوب، ودولة فوق الدول، فتتعالى على القانون الدولي، حتى أصبحت تأمر الأمم "المحتلة" بما تراه مناسبًا. يظهر ذلك:
2:2:1: في محاولة تنظيف الدول العربية من كل سلاح يشكل خطرًا في نظر اسرائيل ليس فقط السلاح النووي والكيماوي أو البيولوجي، فإن الحجر والسكين سلاحًا يحظر على الشعب الفلسطيني اقتناؤه، لأن الحجر والسكين مع توفر الإرادة يعتبر سلاحًا .. بينما الطائرة والمدفع والدبابة مع غياب الارادة لا يشكل خطرًا.
3:2:1: تزداد القدرات الاسرائيلية العسكرية مع كل يوم ويزيد مخزونها وترسانتها النووية، فليس من رقيب وليس من حساب .. ولم يجرؤ خادم الصهيونية في الأمم "المحتلة"، كوفي عنان مجرد رفع عينيه في نظرة الى اسرائيل.
4:2:1: أثناء تدمير اسرائيل لمخيم اللاجئين في جنين واجتياحه من قبل جيش "الدفاع" الاسرائيلي شكل كوفي عنان لجنة تقصي الحقائق وطلب منها الذهاب الى الضفة الغربية، والى مخيم جنين .. ولكن اسرائيل أصدرت أمرًا بحل هذه اللجنة، وأعلنت أنها لن تسمح لها بتجاوز حدودها فانصاع الأمين العام للأمم "المحتلة" مسودًا وجهه أكثر مما هو عليه.
5:2:1: تحتل أمريكا وبريطانيا العراق، بتهمة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وبعد أكثر من ثلاث سنوات على احتلاله، بهذه التهمة الكاذبة، والتي كانت الادارة الأمريكية تعلم أنها كاذبة، والتي اعترف بها مؤخرًا الرئيس الأمريكي بوش .. يُقتل العراقيون بمئات الألوف، فلا أمم متحدة ولا يحزنون ..!! بل لقد صرح بوش مؤخرًا بأنه غير آسف على احتلال العراق من أجل امرين: 1) القدرة العلمية العراقية. 2) الجرعة الديموقراطية.
6:2:1: فيما يتعلق بالملف النووي الايراني أو كوريا الشمالية .. نرى كيف تحولت الأمم "المحتلة" الى آلة غبيّة مبرمجة ببرنامج أمريكي صهيوني .. ويظهر الخبير النووي الموظف في اللجنة التابعة للأمم المحتلة – "محمد" البرادعي الذي منح جائزة نوبل لنشاطه في مجال الحد من انتشار السلاح النووي في العالم العربي والاسلامي .. لأنه لا ينفس ببنة شفة عندما يُسأل عن الترسانة النووية الاسرائيلية، ويتحول الى حجر جامد بغير حراك. لو كنت في مكان المجتمع المدني المصري لما قبلت ما تبرع به من حصته في جائزة نوبل .. لأن الحال يغني عن السؤال ... "فليتها لم تزن ولم تتصدق".
7:2:1: احتفلت الأمم المتحدة بيوم المحرقة، وكأن المحرقة حصلت مع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1990 وليس قبل 65 سنة.
8:2:1: تدويل قضية مقتل رفيق الحريري .. الذي أصبح بقدرة الصهيونية المسيحية شخصية تقوم لها الأمم المختلة، ولمّا تقعد بعد .. بينما تغتال شعوب ويقتل مئات الألوف، وتستباح أوطانها، فلا محاكم دولية ولا محقق ميليس ولا حاجة، أين موقف منظمة الأمم النحسة من كل هذا الذي يجري؟ يا ليت ذوي الحريري يرتفعون الى مستوى القضية الوطنية. فيعلنون على الملأ، أن مسئلة لبنان، وقضية الوحدة والسيادة الوطنية اللبنانية أغلى وأثمن عليهم من أي شخصية كانت فلا يسمحون لتدخل دولي في سوريا باسم الحريري، تدخل امريكي صهيوني بينما هم الذين قتلوا الحريري ..! هل أصبح لبنان وتدويله أقل وزنًا من الحريري.؟ أيقاس استقلال لبنان وسوريا بشخصية ما ...؟ ينبغي على آل الحريري أن يرتفعوا فوق جراحهم ويحتسبوا الحريري على شهداء لبنان .. شهداء العرب ... وما أكثرهم..!!
9:2:1: هذه المنظمة المسخ لا ترى غير حقوق الأقليات المهضومة في الدول العربية والاسلامية .. فتقوم بالتدخل ضد هذه الدول تارة تحت شعار الحرية والديموقراطية ... وتارة من أجل حقوق الانسان فتطالب بسلخ بعض الأقاليم عن الدول العربية والاسلامية، كما حدث في اندونيسيا، ويحدث اليوم في السودان، وغيرهما .. ونحن هنا نؤكد من كل قلوبنا بأننا مع حقوق الأقليات وصون كرامتها، لكوننا أقلية تعاني الظلم والغبن، ولكن عيون هذه المنظمة المسخ لا تبصر إلاّ ما يحدث في العالم العربي والاسلامي .. ونحن لا نقرُّ بشكل من الأشكال تعامل هذه الانظمة الاستبدادية مع شعوبها ومع تلك الأقليات...
هذه عيّنات قليلة، وقليلة جدًا من سجلّ يكتب يوميًا تاريخ هذه المنظمة ومن وراءها الصهيونية والامبريالية الامريكية .. تلك المنظمة التي تكيل كل قضية بمكيال يختلف، وتحمل أوجه عديدة ... كل هذا نسوقه لنقول للمواطن العربي والانسان العربي، بأن التاريخ متحول بتحول الظروف والأحوال وبتغيّر ميزان القوى الفاعل فيه .. وليس التاريخ مادة جامدة كما تفهمها العقلية السلفية التقليدية .. من أجل ذلك تجمد على مواقفها وكأنها تمسك بنهاية التاريخ .. وكأن الاتفاقيات والتسويات جبال راسيات تجثم فوق أنوفها ..
لو كانت عقول العرب والاسلاميين حاضرة ومتفاعلة مع الأحداث والوقائع، لاستفادت من الدروس التي يُلقيها عليها الساسة الاسرائيليون صباح مساء طيلة قرن من الزمان .. لو كانت العقول حاضرة لاستفادت من التأويلات والتفسيرات الاسرائيلية للإتفاقيات التي تبرمها وتوقعها عندما تتغير الظروف وتختل موازنة القوى .. كم تسوية واتفاقية داست عليها قبل ان يجف مدادها ..
2: الإعتماد على معرفة مقتضيات حركة التاريخ، فإن ذلك سيسهل أمر اعتماد الحقائق والوقائع الحية المتفاعلة في الحركة الاجتماعية والسياسية والثقافية باستخدام آليات المنهج العقلي والبرهاني في المستوى الديني كما هو في المستوى القومي .. وبهذا نستطيع تجفيف منابع العقلية المسيحانية والمهدوية، التي لا تعتمد حجة ولا برهانًا ولا منطقًا وإنما استسلامًا وتواكلاً يشل حركة الجسم وحركة العقل معًا، وهذا الوضع يمنع التفاعل والتحرك والحضور ضمن التوجه الصحيح .. وهذا يقتضي:
1:2: اعتماد مبدأ الصدق مع النفس ومع الظرف .. فعندما يفكر بعضنا أن الدولة الإسرائيلية هي ظاهرة وقتية عابرة، فسوف يتصرف بوحي من هذا الشعور، فيعيش حياة مؤقتة ينتظر الغد المجهول، الذي سيأتيه بالخير العظيم. المجهول القادم الذي سيضع مفاتيح الدنيا بين أيدينا .. المجهول القادم الذي يحارب عنا حروبنا وينتصر لنا، ولهذا فإن كل تصوراتنا وما تفرزه من نشاط سينطلق من هذه المسلمات .. هذه الذهنيات والعقليات سيظل علاجها للهموم والمشاكل ونظرتها الى الوقائع والاحداث
فان فئة العلمانيين لم تتمكن ايضا من هضم حضارة الغرب فاستخدمت كل ما أنتجه من آلات ومنطق ومفاهيم في غير مكانه وخارج فضاءه ، مما ساهم في ارتباك العقل العربي والاسلامي الحديثين . * وهكذا وقف العلمانيون العرب او الحداثيون على مشاربهم في مناطق الظلال للحضارة الغربية، من غير ان تنبت لهم جذور ويرتفع لهم ساق او ينمو لهم غصن يمكن ان يحمل ثمرة ما ، وهكذا استظلوا بغيرهم من غير ان يتكون لهم ظلا ، ومن لا ظل له لا يستظل به أحد، فالماركسي العربي لم يستطع ان يضيف شيئا جديدا او تفسيرا جديدا للماركسية ، والوجودي العربي لم ينتج وجودية، ولم يضف كذلك للوجودية جديد، وقِس على ذلك كل الاتجاهات الفكرية الحديثة ، ينتفخ زهواً وغروراً امام ابناء جلدته ويتعالى عليهم بحداثة يدعيها ، وبوجودية يؤمن بها ، بينما في الحقيقة لا يشعر بوجوده احد ممن يعتنقون الماركسية أو الوجودية ، حيث لم يبق وراءه اضافات تحمل اسمه ، وجلّ ما يصبوا اليه حصوله على بطاقة تبيح له دخول قاعة الوجوديين او الماركسيين او الوضعين البرجماتيين .
الذات البشرية ليست كاميرا مجردة عن العواطف: 2:3:4: وتلحق الفئة الثانية ، نخبة من المثقفين العلمانيين العرب ، تعيش في اوروبا والولايات المتحدة ، تعتبر نفسها نخبة النخبة وصفوتها ، تحاول ان تكمل رسالة الاستشراق بآلياتها ومفاهيمها التي تقاضي بها التراث العربي الاسلامي، وهكذا اخضعت هذه النخبة التراث العربي الاسلامي ثم النص القرآني لآليات البحث التي انتجتها الثقافة الغربية، التي ارتكزت على المعطيات الاغريقية ، كما نقلها ابن رشد مجردة عن الاضافات والتقييمات النقدية لعلماء المسلمين (كالغزالي وابن تيمية وابن سينا وابن خلدون وغيرهم) ، تلك الاضافات والتحليلات التي يمكن ان تعتبر في العديد من جوانبها أسس ومرتكزات للعديد من الفلسفات والافكار المنتشرة اليوم في بعض المدارس الفكرية الغربية ، والتي تجاوزت منطلقات عصر التنوير بالكثير من فروعه ، حيث لم تعد الفلسفة اليونانية هي المعتمدة علمياً كما ذهب الى ذلك ابن رشد ، عندما جعل الفكر اليوناني هو المقياس الذي تقاس به الامور الثقافية العامة . * هذه الفئة التي قاضت التراث الاسلامي الى أدوات ووسائل غير التي ارتكزت اليها الثقافة الاسلامية ، وهذه الفئة التي يقف على رأسها محمد عابد الجابري ومحمد أركون وغيرهم ، ذهبت الى اخضاع ليس فقط التراث لعملية تفكيك النصوص بمقتضى أساليب ومناهج أدبية وعلم اللسانيات بل شملت ايضا النصوص القرآنية ، اي جعلت من البشري قاضياً على الالهي ، ومن الزمني على الأزلي ، ليس من اجل فهم معانيه ومقاصده كما كان يفعل المفسرون القدامى حين كانوا ينظرون في لغة العرب كيف استعمل هذا التعبير او ذاك ، وانما بقصد القبض على النص والامساك به مجردا عن ازليته ليوضع في قفص زماني محدد، ثم يسقطون عليه معايير لحظة زمانية محددة ويحيلونها الى مقاس عام لكل الازمنة ، حتى وان ادعوا بأنهم يقاضون النص القرآني الى الفترة الزمنية ، التي تنزل بها اي الى بيئتها ومحيطها الثقافي، ولكن يظل الأمر الى أي حد تستطيع اللحظة الآنية واليتها التجرد من وسطها الثقافي وظروفها الموضوعية التي هي جزء من توليفتها وتركيبتها لتمخر عباب الماضي وتعيش حقيقة الزمن"الآخر" غير زمانها ، وهل هناك موقف موضوعي خالص مجرداً عن الذاتية؟ او ان الموضوعية المتشكلة كما تراها الذات او تصور الذات لهذه الواقعة الموضوعة ، والذات ليس عقلاً مجرداً عن المشاعر والعواطف والأحاسيس، الذات هي كل ذلك فاذا تحركت في اي اتجاه تحركت كيانا واحدا، وأسقطت على اللحظة التاريخية المحددة ذاتها بمجموع كيانها ، والذات الانسانية ليست جبلا ولا بحرا ولا هواء حتى تلتقط صورها كما تفعل ذلك الكاميرا وهي تلتقط صوراً طبيعية ، وآلية اركون التي يستخدمها في تفكيك نصوص الكتاب المقدس، هي آلية تحمل كل مواصفات الذات البشرية فهي ليست عيناً تبصر مجردة عن العواطف والمشاعر والانتماءات ، العين التي تبصر الحبيب العاشق بكيان متكامل من المشاعر والأحاسيس ترى فيه قمة الجمال اكثر بكثير من اي مخلوق اخر لا تربطه بها مشاعر حب مهما بدا للغير جميلا، وكذلك الآلة اللسانية التي يستخدمها أركون وغيره في قراءة النص المقدس او حتى نصوص التراث لا يمكن ان تكون مجردة عن كل ما يلحق الذات البشرية من أحاسيس وعواطف، فهي ليست كاميرا يخترق بها اركون ومدرسته حجب الماضي ليلتقط صورة لذلك الماضي البعيد مجردة عن العواطف. 1:2:3:4: تاريخانية محمد أركون : يعمل أركون الى إسقاط منهج التاريخانية على النص القرآني ، بتعبير آخر مقاضاة النص القرآني الالهي لوسائل النقد الأدبي الحديث، وعلى الرغم ومن ان أركون يزعم بأن القرآن نص الهي، ولكنه بعملية اخضاع نصوصه لآليات ادبية ، ولأسس التاريخانية المشروطة بالزمن التاريخي يكون قد أبطل زعمه هذا ، حيث قاضي النص الذي يحتوي على الزمن اللامحدود الى لحظة تاريخية معينة ، وكأن النص المقدس تراثا يحمل سيمة اللحظة التاريخية ساعة تنزلّه . بينما الأمر بالنسبة للمؤمنين هو ان هذا النص يحوي من حركة المعاني ما لا يستطيع زمان حدّه وتقييده وهي محاولة مقاضاة النهائي للانهائي، والمحدود للمطلق، والبشري للالهي، والتاريخي لما هو فوق التاريخ ..وهذه عملية تنطلق من أسس النظرية الحلولية بتعبير أبو يعرب المرزوقي .ترمي الى تجسيد ما هو الهي ، وعملية محاصرة للنص العابر للتاريخ لمعطيات تاريخية ، وتطويق الأزلي بالحد الزماني ، ومقاضاة الآخرة"لقوانين الدنيا" وأخشى ان يكون أركون ومدرسته تظن ان النص وما يحمله من معان انسانية تخضع لرؤية الذات ، التي تنظر الى النص في ساعة تنزله الاولى ، كمن ينظر الى ضوء نجم يبعد عنا كذا من السنين الضوئية هو يظن انّ الضوء الذي يراه في هذه اللحظة التاريخية المعينة هو الضوء المنبعث الان من النجم بينما هو يرى الان الضوء الذي انبعث قبل كذا من السنوات !! * الخطاب الأركوني يحمل بين طياته معاني الخطاب الديني التراثي السلفي ، فهو ينظر الى الكيان والذات الانسانية ، كما لو كانت مؤلفة من عوالم متمايزة ومتنافرة ، وكأن هذه الذات لملمة أطراف وأجزاء ، ويتصور ان الذات الانسانية كحانوت من الفواكه والخضراوات التي تحتوي على مجموعة منفصلة من هذه الأنواع ، فجعلوا من هذا الكيان والذات المتكاملة أجزاء متنافرة ومتعارضة وكأن الوجدان والنفس والعقل والفطرة والغريزة لا تتحرك في الذات الواحدة حركة واحدة متجانسة ، بل تعيش في حرب فيما بينها وهكذا التقى الخطاب العلماني العربي بالخطاب الديني السلفي ، فجعلوا ؛الوحي" في مواجهة" العقل" وجعلوا"الشريعة" في مواجهة "الحكمة" وجعلوا العواطف والمشاعر في مواجهة العقل، والمثالية في مواجهة الواقعية والبرغماتية. *يتحول خطاب أركون من حديث عام الى تقييد وتخصيص موجهاً للمغاربة على شكل نصيحة:"... ينبغي على المغاربة ان يفكروا بالظاهرة الدينية ويتركوا التفكير بالاسلام مباشرة ، لأن الاسلام ليس الا أحد تجلياتها ، واذا ما عرفوا كيف يفكرون بالظاهرة الدينية بعيون جديدة ، فان الفكر المغاربي سوف يساهم ثقافيا وتاريخيا في البلورة الجارية حاليا للحداثة".(11) فأركون هنا يقوم بعملية تخصيص وتعميم متعارضة لا تقوم على صعيد واحد وغير منسجمة: 1: اقتطاع المغرب العربي من جسم الامة العربية والاسلامية ، كمشروع تجزئة للواقع العربي لكي يساهم المغرب العربي بخصوصيته في المجال الثقافي الغربي، بينما يرى في الوقت ذاته ، فرنسا التي يعيش فيها ، تعمل بكل طاقاتها من أجل جمع الامم الاوروبية في وحدة واحدة ، وفي كيان سياسي واحد..أمم مختلفة بلغات مختلفة ، وأعراف متباينة تسعى لتصبح امة اوروبية..بينما يرى أركون ان الامة الواحدة ذات الاصل واللغة والثقافة والدين والتاريخ الواحد ان تصبح امماً شتى ذات خطابات متعددة. 2: في الوقت الذي يسعى أركون لتجزئة الامة العربية والاسلامية يقدم أطروحة مناقضة فيما يتعلق بالاسلام، فهو يرى ان يفقد الاسلام استقلاله وخصوصيته ، كدين خاتم ودين مهيمن على الديانات من قبله لكي يندمج في الظاهرة الدينية العالمية ، بتعبير أدق ، لكي يندمج بـ : 1:2: "المسيحية الصهيونية" وهذا الطرح يفقد الاسلام أجوبته المتميزة على أسئلة العصر ، التي قد تُحرج بعض الظواهر الدينية غير الاسلاميه. 2:2: وهو بهذا الطرح الاندماجي للاسلام في الظاهرة الدينية يريد مع العلمانيين في عصر التنوير، وتعميم ذلك على الظاهرة الدينية بشكل عام ، من غير ان يأخذ بعين الاعتبار، النقد الذي وجهه الاسلام ضد التحريفات التي دخلت على بعض الاديان كاليهودية والمسيحية ، يقول ابو يعرب المرزوقي :" فالكلام والفلسفة سعيا في اللحظة العربية الاسلامية الى تحرير العقل من التقابل بين الفلسفة المستندة الى النظرية الاولى . والدين المستند الى النظرة الثانية، تخليصا للأمرين من الاطلاق الذي يجعلهما جموديين ، فناظر القول بالتحريف الديني الذي بنى عليه الاصلاح المحمدي، نفذ التجربتين الموسوية والعيسوية ، ما يمكن ان نصطلح على تسميته بالقول بالتحريف الفلسفي الذي بنى عليه الفكر العربي الاسلامي نقد التجربتين الأفلاطونية والأرسطية. (12) وما أطلق عليه المرزوقي بالنظرية الحلولية(المسيحية واليهودية) وما لحقهما من تحريف طال المعتقد والاصول ، وفي مقابل ذلك نظرية الاسلام الاستخلافية.






















5. الخلاصة: ان الامة وكذلك الحضارة التي لا تبدع ولا تنتج منظومة مفاهيمها الخاصة من حصيلتها الثقافية ، هي امة قد تعطلت فيها وظيفة العقل ، وهي حضارة استهلاكية منحطة تعيش عالة على ما ينتجه غيرها ، سواء كان هذا الغير هو الماضي وترسباته او كان "الآخر" سواء كان هذا الاخر خصماً او منافساً . فالامة وكذلك اللغة الحية المستعملة ، لا تستغني عن استعمال المفاهيم في التعبير عن حاجاتها واحتياجاتها ، وهذه المفاهيم إما ان تنمو في بيئتها الثقافية وتتنفس من فضائها الفكري وإما ان تستعير مفاهيمها من بيئة اخرى .. وقد جبلت النفوس على حب ما تفرع عنها ولهذه المفاهيم والتعابير والمصطلحات التي تنتجها اللغة والامة وقع وتأثير واضح على النفوس أكثر بكثير من التعابير المستعارة أو التي يتم اختلاسها من حين لآخر ، وهكذا فان الحضارات والامم الاخرى التي تستطيع انتاج مثل هذه المفاهيم ، تسعى جاهدة لتسويقها لدى الامم التي اصابها العقم في انتاجة او تخصيب المفاهيم ، لأن حجم تأثيرها في حضارات الغير وحياة الامم تتناسب تناسبا طرديا مع حجم مبيعاتها من هذه المفاهيم . والامة الاسلامية منذ قرون عديدة ، منذ صادرت حرية النظر والتعقل، وأقفلت باب الاجتهاد في المجال الديني ، ومنعت حق الاختلاف او الاجتهاد فيما اجتهد به الأولون ، مما جعل الامة تفقد تأثيرها على "الآخرين" تدريجيا ، وذهب مع ذلك رويدا رويدا ابداعها في مجالات الحياة الاخرى ، فالذي لا يجتهد او يمنع من الاجتهاد في امور الدين لا بد ان يؤثر ذلك في حقول المعرفة الاخرى، فقد صدّرت الامة في مجال علوم الفلك مثلاً مئات الاسماء لنجوم وأجرام فلكية ما زالت تحمل اسماءها العربية ، وقد أعطت كذلك في مجال الرياضيات والبصريات والكيمياء والطب وغير ذلك ، كان ذلك والحركة العقلية لديها تعمل باستمرار ، فلما استأثرت الثقافة الدخيلة ، ثقافة التلبيس على الأمة في دينها وفكرها ، وخلطت مفاهيم الالوهية بمفاهيم الأدمية ، عندما استكانت الامة لحضانة "الماضي المقدس" مستعيرة منه كل شيء من المفاهيم والتعابير والافكار والتأويل والتفسير وحتى السبحة والعمامة واللحية ، عملية تلبيس المفاهيم هذه مع مرور الزمن انتجت عقلية سلفية وهذه الذهنية راحت تستنسخ الماضي باستمرار وتستمرئ هذا الفعل الكسول . ظل الأمر كذلك، بقوة الاندفاع الذاتي، حتى احتكت الامة بالحضارات الاخرى من حولها ، وبُهرت بتفوق تلك الامم ، وما وصلت اليه من مدينة وثقافة ، مما أثار دهشتها ، ثم اضطرت تحت صدمة الاعجاب وشدته من استعادة المفاهيم من أسواق تلك الامم، كما هو حاصل اليوم ، في احتكام العديد من نخبنا الثقافية الى استيراد المفاهيم او اختلاسها من عند "الآخرين" خاصة الاخر الغربي، ثم يُقاضون اليها ثقافتهم وتراثهم . من العدل والموضوعية ان ننقد تراثنا بالمفاهيم والآليات والمنطق الذي أنتجه هذا التراث، او بأدوات ووسائل انتجناها بأنفسنا من وسطنا ومن فضائنا الثقافي والفكري والقيمي، لكن من الظلم والخطأ ان نقاضيه الى مفاهيم وآليات تم انتاجها من ثقافة "الآخر" الغربي بشكل خاص، الثقافة والعقائد التي قام الاسلام بعملية نقد جوهري لها ، اين العدل في ان نقاضي حالة "الايمان" بمقتضى مفاهيم "الالحاد"؟ الالحاد الذي يلغي الايمان وينفيه ويقصيه عن مجاله التحاوري . فهناك فرق كبير بين اسلوب الحوار ومنهجه عند الملحدين ، قياسا مع اسلوب ومنهج الحوار الاسلامي :الكافر يقصي ويمنع محاوره كما يصور لنا ذلك ، القرآن الكريم :{ قال فرعون ما أريكم الا ما ارى وما اهديكم الا سبيل الرشاد}(غامر 29). {وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا او لتعودُن في ملتنا} (ابراهيم 13) . وكذلك :{ لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا او لتعودن في ملتنا، قال أولوْ كنا كارهين}(الاعراف8).{ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز} (هود 91) هدد به قوم شعيب شعيبا ، وكذلك قول والد ابراهيم لابراهيم ، عندما وعظه نبي الله ابراهيم ؛ باسلوب غاية في الرحمة والحنان : يا أبتي ...يا أبتي... يا أبتي يكررها مرات عديدة حتى ضاق والده ه ذرعاً فرد عليها بهذا الخطاب نفسه الذي يصدر عن المجتمع الكافر :{ لئن لم تنتهِ لأرجمنّك واهجرني ملياً} (مريم 46). بينما نجد المحاور المسلم ، يهيئ مناخ الحوار والوسط الجدلي قبل بدء المحاورة، فيقوم المحاور المسلم بتحييد المواقف الذاتية والشخصية ما وسعه ذلك ، ويبدأ الحوار بنفسية من يبغي الحقيقة ، ويقف المتحاوران على أرضية واحدة ،. بل ان المحاور المسلم يعطي محاوره الموقف الافضل ، يقول القرآن الكريم في ذلك : { وإنا أو إياكم لعلى هدى او في ضلال مبين}(سبأ 24) ثم يردفها بالآية :{ قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون} (سبأ 25). في الآية الاولى ينطلق المحاور المسلم من أرضية حيادية مشتركة ، اي سيسمح لنفسه ان يفترض انه على الخطأ او الضلال، وان امكانية ان يكون الصواب الى جانب محاوره ، وهذه النهج في الحوار يجعل للحوار رسالة محددة في بيان صواب الافكار والمواقف من فسادها ، من ثم الخروج من الخطأ الى حيث الصواب هي الوظيفة النهائية لكل حوار لأنها تقود الى النهوض والتقدم . ثم يذهب المحاور المسلم خطوة اخرى في اتجاه محاوره ، في التمكين له من الحوار بحرية وجرأة أكبر ، حين يضع المسلم "المحاور" مع بدايات الحوار ، وكأن الصواب أقرب الى المناظر غير المسلم منه الى المناظر المسلم، وكأن موقف المسلم أقرب الى الخطأ، فلا يسأل محاوره عما قد يكون قد اكتسب من الإثم والإجرام ، الذي لا يلحق المحاور منه بأس او ظلم من جراء عملية الحوار، واستعمل القرآن الكريم في تعبيره عن نتائج عمل ونشاط المحاور غير المسلم بلفظ " لا نسأل عما تعملون" بينما استعمل في حق المسلم- في نطاق عملية الحوار- لفظ:" لا تسألون عما أجرمنا". ومن هنا فان الأدب الاسلامي يُقوّم خصمه ويقاضيه الى مفاهيمه هو او الى مقياس عام مشترك بين المتحاورين وسوف أورد هنا نصا لمفكر شهير ممن نقدوا "العقل العربي" وهو عبد الله العروي في كتابه مفهوم العقل" حينما يقاضي ابن خلدون وموقفه من مفهوم الحرب أو "المدافعة" الى مفهوم الحرب عند مفكر غربي، بحيث يصبح تعريف المفكر الغربي هو المقياس الموضوعي العام الذي تقاس عليه المفاهيم الاخرى عن الحرب ، فيقول :" الحرب ظاهرة اجتماعية ، شأنها شأن التجارة والسياسة ". هذا ما يؤكده كلاوزفيتش بعد تأمل وفحص ، وهو حكم هام وشامل (!!!!) يتحقق عند ابن خلدون كما يتحقق عند غيره ، فلا تتعدى نظرة اي كان عن الحرب نظرته الى التجارة والسياسية ، الفرق ،كل الفرق، بين هذا المفكر او ذاك هو في مستوى ما يعرف عن التجارة والسياسية والحرب" . (13) وهكذا يقاضي عبد الله العروي ، ابن خلدون بمقتضى مفهوم كلاوزفيتش عن الحرب، بحيث يصبح حكمه عام وشامل، لأنه جاء بعد " تأمل وفحص" وهو يتحقق عند ابن خلدون كما يتحقق عند غيره، فقد أصبح تعريف كلاوزفيتش للحرب كأنه بديهة رياضية، كما لو قلنا :" الاثنين أقل من الثلاثة" و"الانسان لا يكون في موضعين اثنين في ذات الوقت : فالحرب تجارة وسياسة ، وليس شيئا غير ذلك ، لو قيل للعروي ان الحرب في مفهومها الاسلامي القرآني تختلف عما قاله كلاوزفيتش ، أتراه يقيم لذلك وزنا ما ؟ لماذا لا يكون تعريف القرآن المقدس عاما وشاملا ، وقد جاء من عند الله ؟ من وجهة نظر اسلامية ، اذا قيل للمسلم ان الله ، سبحانه ، يأمر بكذا وينهي عن كذا وكذا، فان صدق المسلم مع دينه وربه فسوف ينفذ في الحال ما يؤمر به او ما ينهى عنه ، وسوف نورد بعض الآيات القرآنية لتؤكد عكس تعريف ومفهوم كلاوزفيتش للحرب، حيث يقول الحق تبارك وتعالى :{ ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص}(الصف 4) اذا هناك قتال وحرب غايتها وهدفها يتحقق بتحصيل المسلم لرضاء الله سبحانه ، ومعنى في سبيل الله، اي من اجل تحقيق الحق والعدل ، ودفعاً للظلم والفساد ، اذا هي حرب غايتها اقامة العدل بين الناس واحقاق الحق ، ويقول الحق سبحانه :{يقاتلون في سبيل فيقتلون ويقتلون ..} (التوبة 111) وقوله تعالى :{ وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذي يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها ، واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا} (النساء 75). وهذه الآية تفصل القول فيما يشتمل عليه معنى "في سبيل الله "فبالاضافة الى ما ذكرناه أعلاه ، القتال من أجل نصرة المستضعفين المظلومين ورد حقوقهم ، ورفع الظلم والغبن عنهم . وهذا قتال دوافعه اخلاقية وقيمية من اجل ارساء دعائم الحق والعدل بين الناس. وقوله تعالى :{ ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول ..} (المائدة 13 )وهنا وجوب قتال من نكث العهد وغدر بالناس وبالمسلمين . وقوله تبارك وتعالى :{ ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف}(آل عمران 104) . وهناك عشرات الآيات ، تحمل نفس المعنى والدلالة ، وكلها تدل دلالة قاطعة ان الحرب والقتال في مفهومها القرآني الاسلامي تختلف اختلافا بيناً عن مفهوم كلاوزفيتش ، اذ هي أبعد ما تكون عن حروب الاستعمار من أجل نهب ثروات المستعمرات وسرقة خيراتها، او ان تقاس ما فيها من ربح مادي او خسارة . فاحتلال امريكا لافغانستان والعراق بحجة اخلاقية واهية وهي تخليص شعوب من أنظمة الاستبداد والاضطهاد ، ما هي إلا فرية وغطاء مكشوف، فهي حرب تجارية على مقياس كلاوزفيتش ترمي الى السيطرة على منابع ومصادر الطاقة في العالم ، لو كان في حروب امريكا اخلاقيات ، لما وقفت بآلتها العسكرية الجبارة ضد حقوق الشعب الفلسطيني ، ومن اجل رفع المعاناة اليومية عن اطفاله وشيوخه ، بل هي عون على من احتل ارضه وشرده من دياره ووطنه، بل أكثر من ذلك ، ان تصبح المقاومة للاحتلال في القاموس الاخلاقي للولايات المتحدة ، ارهابا ينبغي اجتثاثه من العالم .... اين هي مفاهيم الديمقراطية عندما تسعى لاجتثاث كل من يعترض على سياستها وغطرستها ..المقاومة الفلسطينية ارهابا في وجه المحتل الاسرائيلي، وحزب الله والمقاومة اللبنانية للاحتلال الاسرائيلي ارهابا .. المقاومة العراقية للجيوش الاجنبية الغازية والمحتلة لأرضه، تصبح ارهابا ، وكذلك المقاومة في افغانستان والفلبين وغيرها من بلاد العالم ؟ اما القوات السورية التي طلبتها الحكومة الشرعية اللبنانية والجامعة العربية ، فهي جيوش محتلة ينبغي ان تخرج من لبنان والحكومة اللبنانية والشعب اللبناني بغالبيته يطلب منها البقاء لتحافظ على تثبيت موازنة المعادلة السياسية في لبنان وتعمل على استقراره ، لكن الاخلاقيات التي تشع من تمثال "الحرية" في الولايات المتحدة ترى مصلحة لبنان بغير ما يراه اللبنانيون وتعرف امريكا مصلحة الشعوب اكثر مما تعرفه هذه الشعوب في تحديد مصالحها، انها وقاحة المستعمر في كل آن وحين . في إحدى معارك المسلمين وحروبهم ، اضطر احد قادتهم العسكريين الى الانسحاب من احدى المدن والتراجع عنها ضمن خطة شاملة ، فقام بإرجاع الضريبة التي اخذها من الاهالي في مقابل حماية املاكهم وأنفسهم ، وعندما سأله سكان المدينة لماذا يرجع الاموال التي اخذها منهم؟ أجاب: أخذناها بحق الدفاع عنكم وحمايتكم ، فلما لم نستطع توفير الحماية لكم في هذا الظرف كان حقا علينا ان نرجع ما أخذناه بغير حقه ، وحقه هو حمايتكم والدفاع عنكم. يا ليت هؤلاء المفكرين من بين العرب، أشغلوا انفسهم في عملية انتصاب القامة الفكرية لديهم ، وأجهدوا انفسهم من أجل انتاج مفاهيم من عند ثقافتهم وحضارتهم حتى يستغنوا بها مما عند "الآخرين ".





الهوامش: 1. القرآن الكريم . 2. الزمخشري -الكشاف ، المجلد الثاني ، دار الفكر ، بيروت ، ط1، 1983 ، ص527 . 3. نزهة القلوب في تفسير غريب القرآن ، ابي بكر السجستاني . 4. السلطة في الاسلام، ع. ب. ياسين المركز الثقافي العربي الرباط المغرب 1999 ص246.
5. السلطة في الإسلام. ع. ب. ياسين، ص248.
6. اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان – البخاري ومسلم – دار الحديث القاهرة 1986 ص 192 الجزء الثاني كتاب الأقضية.
7. للإستزادة أنظر كتابنا: العقلية الماضوية والقرارات المسبوقة، ص25، 26.
8. "العقلية الماضوية والقرارات المسبوقة " محمد سعيد ريان ، فصل "فلسفة كأنه هو" آفة التلبيس وتصنيع العواطف، مركز الحضارة العربية ، القاهرة ط1 ، 2005 ، ص36 وما بعدها . 9. عندما يصغر التاريخ ، محمد سعيد ريان ، مركز الحضارة العربية ، القاهرة ، ط1 2002 ص48 وما بعدها . 10.المصدر السابق ص48 .
11. محمد أركون : قضايا في نقد العقل الديني، ترجمة هاشم صالح ، دار الطليعة ، بيروت ط1 .، 1998 .ص 280 وما بعدها .
12.المصدر السابق ص39,38 .
13. ابو يعرب المرزوقي ، وحدة الفكرين :الديني والفلسفي ، دار الفكر المعاصر ، بيروت لبنان ،ط1 ، 2001 ، ص52. 14.عبد الله العروي: مفهوم العقل -المركز الثقافي العربي ص2 ، 1997 ، ص322 .









محمد ريان e-mail: mohammedraian@gmail.com