יום רביעי, 28 ביולי 2010

*
محمد سعيد ريان - كابول
الإشكنازية وتجديد الأقنعة
قراءة في المسكوت عنه في السياسة الاسرائيلية

1: الإشكنازية في المعادلة اليهودية الصهيونية:
الإشكنازية كمجموعة بشرية إثنية من المركبات الاساسية والرئيسية في المجتمع الإسرائيلي. وهي التي تحتل السلطة السياسية والقرار السياسي في الدولة الاسرائيلية منذ قيامها. وهي كذلك صاحبة القرار في الحركة الصهيونية قبل قيام اسرائيل وبعدها. وهي في اسرائيل تشكل طبقة إجتماعية وثقافية متميزة، وهي على كل المستويات تُصنّف ضمن الطبقة الوسطى فما فوق، وتكاد تحتل بالكامل الطبقة العليا. وما يميزها انحدارها من أصل غربي. ولهذا فهي تعتبر نفسها جزءا من الثقافة الغربية .. وإلى هذا المفهوم قصد أبا إيبان وزير خارجية اسرائيل الأسبق، عندما صرح في زيارة له الى باريس ودول في غرب اوروبا، بعد حرب عام 1967 حيث أعلن ديغول يومها: "إنّ فرنسا ضد من يطلق الرصاصة الأولى". ومن بين الدول التي زارها أبا إيبان كانت السويد في شتاء عام 1968 – كنت يومها طالب في جامعة أستوكهولم، وفي المحاضرة التي ألقاها إيبان هناك أكّد ما صرّح به في فرنسا في معرض حديثه عن أوجه الشبه بين الثقافة الاسرائيلية والثقافة الغربية وما بينهما من قواسم مشتركة كالديمقراطية واللبرالية قال: "اسرائيل دولة جسمها يعيش في الشرق الأوسط ورأسها في اوروبا ... نحن الاسرائيليون نأسف على أننا انتصرنا". في معرض ردّه التهكمي على الانتقادات من بعض الدول الاوروبية.
1:1: الإشكنازية في اسرائيل والزنابير في الولايات المتحدة:
الطبقة الاشكنازية في إسرائيل تشبه الى حد بعيد الدور الذي تقوم به طبقة (WASP) في المجتع الأمريكي وهي الأحرف الأولى من الكلمات: (A White Anglo-Saxon Protestant) وهي تمثل صفوة المجتمع الأبيض في الولايات المتحدة .. وهي التي تتسلط على القرار الامريكي، وتمثل مجموعة بشرية إثنية متأصلة ومنحدرة من سلالة الانجلو-ساكسون وتدين بالبروتستانتية. وقد أطلق عليها العرب مصطلح "الزنابير" والتسمية العربية وإن كانت تشير الى روح الشدة والبأس، فإنها لا تعكس روح الاستعلاء العنصري الذي يقبع خلف مصطلح (WASP). فكما أنها تتحكم بالقرار السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة. ناهيك عن سيطرتها على وسائل الاعلام، كذلك هو حال طبقة الاشكناز في اسرائيل .. أو ما أطلق عليها باروخ كيمرلنغ في كتابه(1) "نهاية الهيمنة الاشكنازية" "الأحوسالية" وكلمة "أحوسال" تتكون من الأحرف الأولى للكلمات: "إشكناز، علمانيين، قدامى، اشتراكيين، قوميين أو صهيونيين" (אשקנאזים, חילונים, ותיקים, סוציאליסטים לאומיים)..(2)
ومع أن كيمرلنغ يؤكد في أبحاثه حول الاشكنازية، ونفوذها السياسي والاقتصادي والثقافي في إسرائيل منذ قيامها عام 1948 .. إلاّ أن التحضير والإعداد لقيام هذه الدولة هي صناعة إشكنازية مئة بالمئة. يقول كيمرلنغ: "إنّ أول 50 سنة من عمر الدولة الإسرائيلية، كان للإشكناز سيطرة مطلقة على القرار السياسي .. لكن هذه الطبقة ليست محصنة ضد الاختراقات من جماعات يهودية شرقية خاصة .. هذه الجماعات اليهودية الشرقية التي أصبحت جزءًا من الطبقة المذكورة (الوسطى) حدث ذلك بعد ان تبنت ولو جزئيًا الرموز الثقافية الاشكنازية".(3)
ولكن واقع الامر يقول: أن اليهود الشرقيين لم يصبحوا إشكنازًا بكل ما تعنيه الكلمة من معاني الاشكنازية، بمجرد قبولهم للثقافة الغربية. بل ينبغي أن نفهم كلام كيمرلنغ أن هؤلاء اُلمتحوسلين من اليهود الشرقيين قد يمكن استيعابهم ودمجهم ضمن الطبقة الوسطى من الناحية الاقتصادية فقط، ولا يتعداها الى امتيازات اخرى تقبض عليها الاشكنازية بكل قوة. وسوف نرى ذلك ظاهرًا في التحولات السياسية الحزبية التي جرت وتجري في المجتمع الاسرائيلي كلما تزايد نشاط وكثافة الحضور الشرقي في الحياة الحزبية في اسرائيل. وكيف ينعكس ذلك على تطور الاحزاب في اسرائيل. والاشكناز في اسرائيل أو خارجها لا ينهجون نهجًا سياسيًا واقتصاديًا واحدًا: "يمكنهم أن يكونوا منقسمين ومختلفين في قضية الصراع العربي الاسرائيلي، فمن بينهم من يؤيد سياسة الرفاه الاجتماعي، ومن بينهم من يدعم اقتصاد السوق والخصخصة المحافظة الجديدة .. من الناحية الطبقية تتقاطع، بهذا الشكل أو ذاك عند حدود الطبقة الوسطى فما فوق"...(4)
فيما يتعلق بالصراع العربي – الاسرائيلي، أو الأهداف النهائية للحركة الصهيونية – والتي هي في جوهرها اشكنازية – ليس هناك اختلاف جوهري بين اليمين واليسار داخل الحركة الصهيونية، بين حزب "العمل" مثلا وكلاًّ من "الليكود" أو "كديما". الاختلاف، متى وجد، يتمركز حول التصنيف المرحلي والظرف المناسب، لتحقيق الأهداف الصهيونية، وليس على الأهداف نفسها، بل لطالما بقي القرار السياسي والاقتصادي وحتى الثقافي بيد الحركة الصهيونية العالمية. وهذا يعني ان التحرك السياسي والدبلوماسي الاسرائيلي ليس أكثر من تمارين دبلوماسية صهيونية، فلن تحقق وقائع محددة وملموسة في واقع الصراع العربي – الاسرائيلي .. فكل الاحتلال والتوسع منذ قيام الدولة عام 1948 وحتى اليوم جرى والحكم في أيدي اليسار الاسرائيلي، بيد حزب "العمل" (العضو في الاشتراكية الدولية) .. منذ بن غوريون وأشكول، وغولدة مئير، بينما الذي اضطر للإنسحاب من سيناء في اتفاقية سلام منفردة مع مصر هو اليمين بقيادة مناحم بيجين، والذي انسحب من غزة هو المتطرف شارون .. حزب العمل هو الذي يقود عملية التوسع خارجيًا وداخليًا .. فهذا شمعون بيرس، الحائز على جائزة نوبل للسلام (السلام المفقود) عندما يرى أن إمكانية التوسع خارجيًا غير مهيأة في هذا الظرف أو ذاك .. يسيل لعابه الصهيوني على الأرض العربية للمواطنين العرب، المهم التمدد على حساب العرب في الداخل أو الخارج. فتحت مشروع "تطوير الجليل" والذي هو تهويد الجليل بالتوسع الاستيطاني يقبض اليوم بيرس على هذا الملف..! وهكذا فإن الاشكنازية في موضوع نظام الحكم والمبدأ الاقتصادي موزعة بين نموذج دولة الرفاه الاجتماعي في غرب اوروبا، وبين الخصخصة واقتصاد السوق حسب النموذج الذي تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية.

2: الاشكنازية وظاهرة تجديد الأقنعة:
الاشكنازية بصفتها مجموعة إثنية غربية، تحمل خصائص الثقافة الغربية وأعرافها وتقاليدها. وقد بدأت باستيطان فلسطين مع بداية الاحتلال البريطاني لها والذي عرف تحت اسم "الانتداب البريطاني"، وهي صاحبة إعلان بلفور 1917 حيث التزمت بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وهكذا فقد تدفقت الهجرة الصهيونية الى فلسطين تحت رعاية بريطانيا وحمايتها، الى أن تمَّ الاستيلاء على فلسطين وطرد أهلها منها عام 1948.
الاشكنازية التي تحمل بذور الثقافة الغربية .. تلك القيم والمفاهيم والأفكار التي كان لليهود دور بارز وملحوظ في صياغتها وبلورتها منذ ما قبل عصر النهضة والتنوير، حيث تمّ نقلها بشتى السبل عن الثقافة العربية الاسلامية الزاهية والتي ازدهرت في الاندلس.(5)
الصهيونية الاشكنازية هي التي حملت فكرها الى يهود العالم، خاصة اليهود الذين يسكنون البلاد العربية والاسلامية .. حتى كادت أن تصبح الصهيونية هي القاسم المشترك لدى اليهود جميعًا .. ولكن الصهيونية بقيت خاضعة للرؤيا والتفسير الاشكنازي .. والتي استخدمت حالة الحرب والخوف على المصير اليهودي من أعدائه المتربصين به، والذين حصرتهم الصهيونية في هذه المرحلة من التاريخ بالعرب والمسلمين. كل ذلك من أجل صهر اليهود في بوتقة ثقافية واجتماعية وسياسية واحدة، هي ثقافة الاشكناز .. الثقافة "الاحوسالية" التي تسعى الى تذويتها في النفس اليهودية في اسرائيل .. فالصهيونية الاشكنازية غير جادة بتاتًا بإنهاء الصراع العربي الاسرائيلي، حتى تتمكن من صهر المجتمع اليهودي وإخراجه بثوبه الجديد، وحتى تتأجل الحرب الثقافية التي بدأت في هذا المجتمع، والتي بلغت ذروتها بمقتل رابين نفسه – رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق – من أجل ذلك ومن أجل تحقيق الأهداف الصهيونية التي لم تتحقق بعد – لا بدّ من إطالة أمد هذا الصراع، فاستدامته مصلحة صهيونية إشكنازية .. وهذا ما كشفت عنه مؤتمرات هيرتسيليا التي تعقد سنويًا ويشارك فيها خيرة النخب الثقافية والسياسية والأمنية في إسرائيل والخارج تحت شعار :المناعة والامن القومي ..
ولما كانت الصهيونية الاشكنازية هي التي تُقرر وهي التي ما زالت تفرز النشاط السياسي. مما يجعل اليهود الشرقيين لا يطمأنون الى كفاءتهم وجدارتهم الذاتية في تسيير أمور الدولة. ولهذا فوضت هذه الأمور وأوكلتها للإشكنازية تؤديها نيابة عن الصهيونية عمومًا .. هذه السلبيات ما زالت تسكن الشخصية اليهودية الشرقية .. ولهذا ما زالت تشعر بحاجتها للحضانة الاشكنازية.
وهكذا كلما شعر "الاحوساليم" بخطر سيطرة اليهود الشرقيين وزيادة نفوذهم في الأحزاب والمؤسسات، سارعت الاشكنازية بانتفاضة داخلية، تجدد بها أقنعتها، بحيث تلائم الأوضاع والظروف المستجدة. ومحاولة إحتواء حضور اليهود الشرقيين، أو "الآخر" اليهودي غير الاشكنازي هي سياسة أحوسالية مستمرة . وهذا ما سكت عنه كيمرلنغ وغيره، وهو يكتب عن مخاوفه في فقدان الهيمنة الاشكنازية ..
1:2: الاشكنازية ومحاولة تخريب العلاقات اليهودية العربية:
منذ البداية قامت الحركة الاشكنازية الصهيونية بتخريب العلاقات الطبيعية القائمة بين العرب والمسلمين وبين اليهود منذ مئات السنين .. هؤلاء اليهود الذين عاشوا في البلاد العربية والاسلامية، وأبدعوا في مجال الثقافة والفكر في المناخ الحضاري العربي الخصب .. ولما كان اليهودي لا يطمئن لغيره، ولا يأمنه بطبيعة الحال، فقد بات يتوقع الشر من "الآخر" من "الأغيار". فهو يشعر بنفسه الاختلاف عن "الأغيار"، ويشعر كذلك بأنه المتفوق. ومن هنا جاء دوره "النور بين الأمم" و"الشعب المختار"، بل لقد ذهب بعض المفكرين اليهود الى جعله مقدسًا وأعلى درجة من الانسان ..(6) هذا الاستعداد النفسي للخروج على "الآخر" سهل عملية تخريب العلاقات بين اليهود وبين البلاد التي يقطنون بها. وهكذا بات اليهودي على عداء مع محيطه .. بل إن الصهيونية الاشكنازية لم تتورع بارتكاب أعمال ارهابية ضد يهود آسيا وأفريقيا الذين يعيشون مع العرب. متهمة بهذه الأعمال الأغلبية العربية .. هذا التصرف غير الأخلاقي الذي ارتكبته الصهيونية ضد اليهود الشرقيين يهدف الى تخويفهم وترويعهم وحملهم على الهجرة من أوطانهم الى فلسطين، خاصة وهي تتحكم بأجهزة إعلام جبارة في طول العالم وعرضه .. وهكذا فقد مارست الصهيونية التهجير مرتين: مرة وهي تهجّر الشعب الفلسطيني من أرضه ومن وطنه، ومرة أخرى وهي تهجّر اليهود من أوطانهم التي عاشوا فيها مئات السنين الى فلسطين.
2:2: وقد مارست الإشكنازية، منذ قيام الدولة، تمييزًا ضد الأقلية العربية وأقامت لها المؤسسات الخاصة لعزلها وفصلها وكذلك منعها من الاحتكاك والمواصلة مع اليهود الشرقيين وغيرهم، بوصفهم تارة بالطابور الخامس وعدائهم للدولة، وزرعت بذلك عدم الثقة والشعور بالمفاصلة بين الشعبين بتأجيج مشاعر النقمة ضد العرب.
وهكذا قد نجحت الصهيونية في شحن النفسية اليهودية المثقلة بالمرارة والأسى والحقد, مما لاقته اليهودية في اوروبا، فقد حوّلت هذه النقمة وجهة أخرى، فبدل أن تكره قاتلها وتحقد على من ظلمها، وظّفت كل ذلك سياسيًا ضد ضحاياها ضد العرب والمسلمين الذين عاشت بينهم مئات السنين في تفاهم وتعاون .. الصهيونية حيث تُبرُّ من ظلمها وتحسن اليه وتسيء لمن أحسن اليها .. تفعل ذلك لأن هناك قضية سياسية تخوضها ضد ضحاياها ..!! تريد أن تجمع شتاتها وتوحد اختلافاتها الثقافية وقيمها المتباعدة على حساب اعلان الحرب على الشعب الفلسطيني والعربي ..!
مشاعر الجنوب والشمال داخل المجتمع اليهودي:
بما أن الاشكنازية قد هاجرت من دول الشمال، الدول الاوروبية الغنية، اوروبا منطقة الجذب الثقافي والتقدم الصناعي والثراء الفاحش فقد حمل الاشكناز هذا الشعور بالاستعلاء، وهو استعلاء الموطن الجغرافي والبيئة الثقافية مضاقًا الى استعلاء العنصر الذي يشعر به اليهودي عادة، كل ذلك في مقابل المجموعات اليهودية التس هاجرت من بلاد الجنوب المتخلف، الجنوب الفقير، البلدان العربية والاسلامية.كل هذا ساهم في التمييز، وفي بعض الأحيان بالتمييز المبرر والمقبول على الشرقيين.
1: فقد عاش اليهود الشرقيون ما يزيد عن عقدين منذ قيام الدولة في ظروف بائسة تعيسة، عانوا فيها من التمييز على المستوى المعيشي، وقد قعدت به سياسة التمييز عند الحافة. أُسكنوا في بيوت حقيرة عرفت باسم "معبراه" وهو مصطلح ما يزال يعيش في ذاكرة هؤلاء الشرقيين، سكان الجنوب .. ولم يشفع لهم وجود حزب "مباي" الاشتراكي (عضو الاشتراكية الدولية) في الحكم، فقد انفرد اليسار الاشتراكي اليهودي الاشكنازي في الحكم طيلة ثلاثة عقود من قيام الدولة عام 1948 .. وهذا كان من أكبر الأسباب التي اضطرت هؤلاء التعساء الى اللجوء لأحزاب اليمين الرأسمالي كحيروت بقيادة الاشكنازي مناحم بيجين بصفته الحزب المعارض لليسار الاشتراكي الصهيوني.
2: وبدل أن يعمل هؤلاء المظلومين على تأسيس حزب يهتم بقضاياهم ويعمل على تحسين شروط حياتهم، وتحرير إرادتهم من التبعية، فقد اكتفوا بالهرب واللجوء الى الأطر الحزبية القائمة والتي هي صهيونية اشكنازية سواءً كانت يسارية أم يمينية، رأسمالية أم عمالية. وهذا يشير، بل يدل دلالة قاطعة على أن هذا اُلقطاع من المجتمع الاسرائيلي الصهيوني، لم يرتفع بعد الى درجة التفكير المستقل وتوفير الارادة الحرة التي تنتج الأجهزة والآليات الخاصة التي تعمل لصالح هذه الطبقات المسحوقة. وحال هذه المجموعات الاثنية الشرقية أو "الجنوبية" ما زال حتى اليوم، وبعد مرور ما يزيد على 57 سنة، هو حالها نفسه منذ قيام الدولة، لم يستطع ن يقيم هيئاتاً وأحزابًا مستقلة خاصة به ترعى مصالحه وتكون صادقة مع قضاياها.
3: هذا ما يفسر الذهول الذي أصاب هؤلاء الشرقيين، قادة وعاديين عندما وقع زلزال شارون. فقد تبعثروا في كل الاتجاهات، فبعضهم قد لجأ الى بعض الأحزاب القائمة ولاذ بها .. ومنهم من لحق بشارون كشاؤول مفاز بصورة مُذلّة. يخرج من حزب تحت قيادة إشكنازية ويلوذ في حزب تحت قيادة إشكنازية، حتى أن العديدممن تركوا حزب العمل، تركوه لأن أحد الشرقيين يقف في رآسته، فالنفسية المهزومة لا تتصور ان شرقيًا يستطيع أن يقود حزبًا كبيرًا ورئيسياً كحزب العمل ..!!

3: الحزب كتعبير إثني طائفي:
ظاهرة التغييرات الحزبية، هي ما تُميز الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل فكلما شعر الاشكناز بقوة الوجود والحضور لليهود الشرقيين داخل الحزب وازدياد تأثيره, قاموا بعملية تفكيك لهذه الأحزاب، وإعادة صياغتها من جديد. أو العمل على إضعافها بإقامة أحزاب جديدة بقيادات إشكنازية، وهيمنة إشكنازية على أجهزة الحزب. وهكذا يتم بعثرة الحضور الشرقي وشرذمته من آن لآخر.
1:3: بعد التذمر والمعاناة التي قاسى منها اليهود الشرقيون من سياسة حزب العمل، انضم العديد منهم لحزب "حيروت" الذي تجمع حوله كتل يهودية تحت اسم "ماحل"من تحالف أحزاب اليمين .. وهي التي خاضت الانتخابات عام 1977 وفازت بها .. ثم بعد ذلك أسس شارون حزب "الليكود" من جماعات يمينية ومتطرفة .. وكل التغييرات التي كانت في بنية الحزب كانت استجابة لميزان القوى بين الاشكناز والشرقيين داخل الحزب.
2:3: الأمر ذاته هو الذي دفع برفسور يغئال يدين عالم الاٌثار تأسيس ما عرف بحركة "التغيير" والتي استقطبت بقايا "عائلة الاحوسالية المتفرقة" عندما ازداد الحضور الشرقي داخل حزب العمل .. حركة "التغيير" هذه لم تكن سوى مشهد عابر فوق الحلبة السياسية الاسرائيلية".(7)
3:3: من جهة أخرى فقد تمّ اتحاد قوى اليسار في عملية تهدف لإقامة التوازن المطلوب في حركة اليسار الاشتراكي الاسرائيلي لصالح هيمنة القوى الاشكنازية .. وهكذا تأسس حزب "العمل" من حزب "مباي" و"مبام" و"أحدوت هعفوداه" هذه الأحزاب الاشتراكية، وهكذا أخرجت هذه التركيبة بهدف سيطرة الاشكنازية مرة اخرى لسنين طويلة قادمة على قوى اليسار..
4:3: وكرد فعل للحضور الشرقي على شكل قيادات متنفذة في حزب "الليكود" وحزب "العمل" قام الصحفي الاشكنازي المتعصب، يوسي لبيد بإقامة حركة "شينوي" (التغيير)، والتي حصلت في الكنيست السادسة عشر على 17 مقعدًا. وكان يشترط لدخوله في الإئتلاف الحكومي عدم التحالف مع العرب أو المتدينين (الذين هم شرقيون في غالبيتهم). هذا الصحفي الاحوسالي، والذي قام بتشكيل حركة "التغيير" أراد ان يبرز أكثر ما في الاشكنازية من معالم ومعاني في مركباتها الاساسية وهي العلمانية، فقام بعملية متطرفة هدف الى تسييس العلمانية وهذا تصعيد للصراع الثقافي.
5:3: خطوة شارون – بيرس 2005 مسرحية مفضوحة:
لقد ارتفع نجم القيادات السياسية الحزبية الشرقية، القادمة من الضواحي والمناطق النائية عن المركز "تل أبيب" خاصة في الحزبين الرئيسيين حزب "العمل" و"الليكود" لأسباب كثيرة من بينها الزيادة الطبيعية المرتفعة عندهم.
6:3: ففي حزب "العمل" نرى أن ثلّة من القادة الشرقيين قد أمسكوا بمناصب قيادية في هذا الحزب مثل: بنيامين بن اليعيزر (المعروف بإسم فؤاد) وإيلي بن مناحم، وشلومو بن عامي، رعنان كوهين، رافي أدري، رافي ألون، شلوم بن سمحون، عمير بيرتس (المغربي) الذي فاز مؤخرًا برآسة حزب العمل بعد أن هزم منافسه الإشكنازي شمعون بيرس, والذي انتقل بعد خسارته الى حزب شارون "كديما".
7:3: كذلك الأمر في حزب "الليكود" فقد طفح الحزب بالقيادات الشرقية واحتلت مناصب حسّاسة ومؤثرة مثل: دافيد ليڤي، مئير شطريت، موسى قصاب (الذي تدرج حتى أصبح رئيس الدولة) وسلڤان شالون (التونسي) (الذي خسر المنافسة على رآسة حزب الليكود أمام نتنياهو الاشكنازي) وشاؤول عمور، داڤيد ماجين، شاؤول مفاز (وزير الدفاع).
لقد كتب كيمرلنغ قبل ما يقرب من خمس سنوات: "إن شارون وبيرس ينتميان الى هذا الصنف المتلاشي من الاحوسالية السياسية والثقافية المتراجعة، لكنهما على غرار إيهود باراك، ليسا سوى وسيلة محفزة لقوى اجتماعية وسياسية وثقافية، تبدي تحدٍّ من دون أن تتوصل إلى الآن للحجم المطلوب الذي يسمح لها يتنصيب ممثليها في رأس الهرم .. وتؤدي هذه الشخصيات "الاحوسالية" التي تنهي طريقها السياسي – حلقة الوصل بين الماضي المشبع بالأمجاد ولكنه مكروه عند الكثيرين – وبين المستقبل الذي يُخفي بداخله عدة بدائل"(8) (من بينها البديل الشرقي – الكاتب). وخطوة شارون – بيرس في إقامة حزب "كديما" هي محاولة قد تكون قبل الأخيرة لإنقاذ الاشكنازية.
ويأتي الزلزال "السياسي" الذي يحدث في هذه الأيام، لينهي فترة الكنيست السادسة عشر مبكرًا، في الأيام الأخيرة من عام 2005 لتؤكد عمق الانشقاق الثقافي الإثني في المجتمع الاسرائيلي .. إن هذا الزلزال الذي أصاب عمق التشكيلات الحزبية في اسرائيل، وهزّها هزًا عنيفًا، فتطاير اللقطاء واللصقاء وتجمع الأصليون في تشكيلات وأطر أعدّت بصورة دقيقة .. إن هذا الزلزال هو صورة من صور الصراع الثقافي الذي يستتر خلف العامل السياسي الخادع .. ليس هناك صراع على المستوى السياسي. هناك وجهات نظر سياسية متعددة. كلها تعمل من اجل تحقيق الحلم الصهيوني. هذا الزلزال جاء ليؤكد عمق الانتماء للإشكنازية من قبل اليهود الذين قدموا من الغرب .. إن تشكيل حزب "كديما" على يد شارون في ظاهر الأمر، قبل شهر تقريبًا، وهرولة القيادة الاشكنازية في حزب العمل للإنضمام الى صفوفه، تؤكد تلك الأنياء التس انتشرت منذ أشهر عديدة، عن تعاون يجري بين شارون وقيادة حزب الليكود آنذاك وبين شمعون بيرس وغيره من قادة حزب العمل، قبل ان يتبين بيرس هزيمته على رآسة حزب العمل من قبل اليهودي الشري عمير بيرتس .. إن هذا التوجه يؤكد أن دوافع هذه التغييرات في أساسها ثقافة إشكنازية قبل أن تكون سياسية .. وهذا ما يؤكد تجذّر الانتماء الاشكنازي في المجتمع الاسرائيلي. وتبرهن كذلك على قدرتها علىتحريك المسرح السياسي الداخلي في الاتجاه الذي تريد .. ولا بدَّ من ذكر بعض الحقائق الجوهرة في التركيبة الداخلية لهيكلة المجتمع الاسرائيلي:
1: إن نشوء الأحزاب وتلاشيها في المجتمع الاسرائيلي، تقوم على أسس ومبادئ ثقافية اجتماعية أكثر منها سياسية. وما زال العامل السياسي هو الثوب الخارجي الذي يتستر ويحتجب داخله التفاعل والتناحر الثقافي والاجتماعي في اسرائيل. والأحزاب ليست أكثر من أقنعة تخلعها او تجددها الاشكنازية حال حصول خلل في الموازنة الديموغرافية. فكلما شعر الاشكناز ان سلطتهم وهيمنتهم داخل الحزب قد تدهورت من قبل المجموعات اليهودية الشرقية، ينتفض الحزب من داخله، ليزيح بهذه الطريقة او تلك التأثير المتزايد للمجموعات الشرقية، أو يحدّ من قوة تأثيرها بحيث تبقى في منطقة الاحتواء.
1:1: كان هذا في انتفاضة يغئال يدين – عالم الآثار – على حزب العمل منذ سنوات السبعين. عندما شعر بتزايد التأثير للطوائف الشرقية.
2:1: وقبل ذلك كان اندماج حزب "مبام" و"أحدوت هعڤودا" الاشتراكيين في حزب "مباي" وتكون حزب "العمل" ليصبح ذا أغلبية اشكنازية. وكأن في المجتمع الاشكنازي مصرقًا يدعم السوق بالعنصر الاشكنازي كلما تعرض للهزيمة والانهيار .. وهذا ما جعل برفسور يحازقيل درور يقول في رؤيته للمجتمع والدولة الاسرائيلية بعد خمسين عامًا. أنها ستكون بحاجة الى هجرة مليون يهودي من اوروبا والولايات المتحدة لموازنة المعادلة الديمغرافية داخل المجتمع اليهودي ..(9)
3:1: ويظهر ذلك في استبدال "حيروت" بتكتل "ماحل" ضمن اليمين الاسرائيلي بقيادة بيجين.
4:1: وكان ذلك وراء تأسيس "الليكود" على يد شارون، حيث عمل على ضم بعض القوائم والجماعات التي تكونت على جانبيه وحواشيه بعيدة عن المركز.
5:1: وكذلك كانت الانقسامات في حزب العمل وخروج "ميرتس" (يوسي سريد، برفسور روبنشتاين، شلوميت ألوني) وشخصيات مثل بيلين وغيره.
وتهدف هذه الانقسامات في كثير منها الى تشتيت وبعثرة قيادات الطوائف الشرقية، حتى يصعب عليها التجمع في أحزاب خاصة كما حدث لحركة "شاس" التي تكونت من اليهود "الحريديم" الشرقيين.
6:1: وأوضح مثال لهذه الظاهرة محاولة الصحفي الاشكنازي يوسف لبيد الذي أقام حزب "شينوي" (التغيير) واشترط في تعامله مع الهيئات ان لا تتحالف وتتعاون مع العرب أو المتدينين، وكلمة "متدينين" هو مصطلح يقصد به في الغالب "اليهود الشرقيين".
وكثيرًا ما كان يحدث في الانتخابات المحلية للسلطات المحلية، أن يصوت جمهور حزب العمل من الاشكناز لصالح مرشح أحزاب اليمين اذا كان من الأشكناز، خاصة اذا كان مرشح حزب "العمل" من الشرقيين. حدث هذا مرات عديدة في تل ابيب وغيرها من المدن والقرى ...
* وهذا يعكس المرارة التي كان يشعر بها أبا إيبان – أكفأ وأشهر وزير خارجية عرفته اسرائيل – والنقص الذي كان يعاني منه كونه لم ينحدر من سلالة الإشكناز، ولهذا لم يدخل المطبخ السياسي في إسرائيل. مع أنه كان موهوبًا وهو واحد من أبرز 19 خطيبا في العالم.
7:1: زلزال شارون 2005:
لقد فجّر به قواعد اللعبة السياسية في اسرائيل، لقد حدث بقوة كبيرة، إهتزّ لها الكيان الاسرائيلي برمته. وتداخلت الأوراق وتناثرت وتبعثرت قوى كثيرة. وتغيّرت مواقف رجال وقيادات بين عشية وضحاها .. بل لقد تعرت وانكشفت القيم السياسية والثقافية والخلقية عند الكثير من القيادات الاسرائيلية، وبانت عوراتها النفعية والذاتية بشكل مفضوح، بل ومُذلٍ في بعض الأحيان..!
1:7:1: في حزب العمل كانت القيادات اليهودية الشرقية قد زادت من سيطرتها، وراحت تحاصر الظاهرة الاشكنازية داخل الحزب. وأصبحت قيادات يهودية شرقية متنفذة وصاحبة شأن .. تمثل ذلك بانتخاب بنيامين اليعازر (المشهور بلقب فؤاد) رئيسًا للحزب لفترة من الزمن .. ثم ما كان من نتيجة الانتخابات الأخيرة في مركز الحزب على منصب رآسة الحزب. حيث فاز اليهودي الشرقي من أصل مغربي، عمير بيرتس على الاشكنازي المشهور شمعون بيرس. ومع ما له من تأثير كبير منذ قيام الدولة اليهودية. وترك الكثير من بصماته السياسية على السياسة الاسرائيلية، وعلى مشاريعها الكبيرة المميزة. كالفرن الذري في ديمونة بل هو صاحب وزن ودور عالمي على المسرح السياسي. وقعت هذه النتيجة كالصاعقة في صفوف الاشكنازيين، الأمر الذي زلزل الأرض من تحت أقداكهم .. وفروا هاربين على وجوههم .. فروا من أيديولوجيتهم، وخرجوا من أقنعتهم .. فروا من حزب "العمل" فروا من الاشتراكية الدولية. لم يلووا على شيء، ولجأوا الى الخصم السياسي بالأمس الى حيث إشكنازية اليمين ورأسماليته، المهم عندهم أن يتنفسوا في الفضاء الثقافي الاشكنازي.
والغريب أن النظرة الساذجة للأمور، قد أربكها الدخان الكثيف الذي أطلقه شارون وثلته تمويهًا وتضليلا. وكأن شارون هو المصمم الوحيد لحزبه الجديد "كديما" (الى الامام وهو مصطلح يحمل دلالة عسكرية). لكن نظرة متعمقة في سلوك المجتمع الاشكنازي الصهيوني في اسرائيل تتبين بوضوح، أن الاشكنازية في الدولة هي التي أوحت بضرورة تأسيس حزب اشكنازي جديد، ردًا على ما آلت اليه الأوضاع الحزبية في الدولة .. بل هي بحاجة الى هذا الزلزال الذي يبعثر الاوراق ويرتبها من جديد .. وفي تقديري أن أكثر هؤلاء ضلوعًا في العمل والتحضير لهذه الانتفاضة الاشكنازية، هي زعامة حزب العمل الاشكنازية الى جانب قيادة حزب الليكود وهو ما يؤكد:
* سرعة انضمام قيادات حزب العمل الاشكنازية لحزب "كديما" فور تشكله، بل بعضهم كان من المبادرين كحاييم رامون وداليا ايتسك وغيرهما.
* التحاق شمعون بيرس لهذا الحزب فور هزيمته في موضوع رآسة حزب العمل أمام عمبير بيرتس. وهرولة قيادات أخرى للإنضمام.
* لقاء هذه القيادات بهذه السرعة. سواءً خروجها من الأحزاب التي قضت فيها كل حياتها وأفرغت فيها كل نشاطاتها السياسية .. خلعت عنها مواقفها السياسية المعلنة، وخرجت من ايديولوجيتها اليسارية يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن العامل السياسي ليس هو العنصر الرئيسي في تأسيس الأحزاب اليهودية في اسرائيل.
* وتصرف القيادات السياسية الحزبية في هذه الايام، تؤكد كذلك أن المواقف السياسية متقاربة، وكذلك الحلول السياسية، وخاصة الموقف من الدولة الفلسطينية والصراع العربي الاسرائليلي.
* حتى المفاهيم المختلفة بين اليمين واليسار بما يتعلق باقتصاد الدولة سواءً كانت دولة رفاه اجتماعي أم الخصخصة واقتصاد السوق، هذه المفاهيم المختلفة يمكن جسر الفجوة بينها إذا ما تعرضت سيطرة الاشكنازية وسيادتها للخطر.
إن الرؤيا التسطيحية للأمور هي التي تقبل تفسيرات بيرس للدوافع التي جعلته ينضم لحزب "كديما" وكأنه ليس من مؤسسيه، لقد أعلن بيرس بسذاجة دبلوماسية أن إنضمامه لحزب "كديما" جاء لأنه الأقدر على تحقيق السلام، وإبرام معاهدة التسوية مع الفلسطينيين، بينما لسان حاله يقول عكس ذلك، فـ"كديما" هو الأقدر على حفظ وصيانة الهيمنة الاشكنازية. بل إن أخا بيرس كان أصدق في التعبير بما يجول في نفس أخيه وبما يشعر به من مرارة حين أعلن: "لقد تسلطت العقلية "الكتائبية" على حزب العمل".
هذا الزلزال هزّ كيان المجموعات اليهودية الشرقية، وأفقدها صوابها السياسي، وكشف كذلك ضحالة ثقافتها وسذاجة تفكيرها، وسطحية انتماءاتها الايديولوجية، وكشف كذلك مدى الثقة بالنفس عند اليهود الشرقيين، فهم ما زالوا غير جاهزين لتأسيس أحزاب ترعى قضاياهم الخاصة، وغير

אין תגובות:

הוסף רשומת תגובה