יום רביעי, 28 ביולי 2010

*
محمد سعيد ريان - كابول
الإشكنازية وتجديد الأقنعة
قراءة في المسكوت عنه في السياسة الاسرائيلية

1: الإشكنازية في المعادلة اليهودية الصهيونية:
الإشكنازية كمجموعة بشرية إثنية من المركبات الاساسية والرئيسية في المجتمع الإسرائيلي. وهي التي تحتل السلطة السياسية والقرار السياسي في الدولة الاسرائيلية منذ قيامها. وهي كذلك صاحبة القرار في الحركة الصهيونية قبل قيام اسرائيل وبعدها. وهي في اسرائيل تشكل طبقة إجتماعية وثقافية متميزة، وهي على كل المستويات تُصنّف ضمن الطبقة الوسطى فما فوق، وتكاد تحتل بالكامل الطبقة العليا. وما يميزها انحدارها من أصل غربي. ولهذا فهي تعتبر نفسها جزءا من الثقافة الغربية .. وإلى هذا المفهوم قصد أبا إيبان وزير خارجية اسرائيل الأسبق، عندما صرح في زيارة له الى باريس ودول في غرب اوروبا، بعد حرب عام 1967 حيث أعلن ديغول يومها: "إنّ فرنسا ضد من يطلق الرصاصة الأولى". ومن بين الدول التي زارها أبا إيبان كانت السويد في شتاء عام 1968 – كنت يومها طالب في جامعة أستوكهولم، وفي المحاضرة التي ألقاها إيبان هناك أكّد ما صرّح به في فرنسا في معرض حديثه عن أوجه الشبه بين الثقافة الاسرائيلية والثقافة الغربية وما بينهما من قواسم مشتركة كالديمقراطية واللبرالية قال: "اسرائيل دولة جسمها يعيش في الشرق الأوسط ورأسها في اوروبا ... نحن الاسرائيليون نأسف على أننا انتصرنا". في معرض ردّه التهكمي على الانتقادات من بعض الدول الاوروبية.
1:1: الإشكنازية في اسرائيل والزنابير في الولايات المتحدة:
الطبقة الاشكنازية في إسرائيل تشبه الى حد بعيد الدور الذي تقوم به طبقة (WASP) في المجتع الأمريكي وهي الأحرف الأولى من الكلمات: (A White Anglo-Saxon Protestant) وهي تمثل صفوة المجتمع الأبيض في الولايات المتحدة .. وهي التي تتسلط على القرار الامريكي، وتمثل مجموعة بشرية إثنية متأصلة ومنحدرة من سلالة الانجلو-ساكسون وتدين بالبروتستانتية. وقد أطلق عليها العرب مصطلح "الزنابير" والتسمية العربية وإن كانت تشير الى روح الشدة والبأس، فإنها لا تعكس روح الاستعلاء العنصري الذي يقبع خلف مصطلح (WASP). فكما أنها تتحكم بالقرار السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة. ناهيك عن سيطرتها على وسائل الاعلام، كذلك هو حال طبقة الاشكناز في اسرائيل .. أو ما أطلق عليها باروخ كيمرلنغ في كتابه(1) "نهاية الهيمنة الاشكنازية" "الأحوسالية" وكلمة "أحوسال" تتكون من الأحرف الأولى للكلمات: "إشكناز، علمانيين، قدامى، اشتراكيين، قوميين أو صهيونيين" (אשקנאזים, חילונים, ותיקים, סוציאליסטים לאומיים)..(2)
ومع أن كيمرلنغ يؤكد في أبحاثه حول الاشكنازية، ونفوذها السياسي والاقتصادي والثقافي في إسرائيل منذ قيامها عام 1948 .. إلاّ أن التحضير والإعداد لقيام هذه الدولة هي صناعة إشكنازية مئة بالمئة. يقول كيمرلنغ: "إنّ أول 50 سنة من عمر الدولة الإسرائيلية، كان للإشكناز سيطرة مطلقة على القرار السياسي .. لكن هذه الطبقة ليست محصنة ضد الاختراقات من جماعات يهودية شرقية خاصة .. هذه الجماعات اليهودية الشرقية التي أصبحت جزءًا من الطبقة المذكورة (الوسطى) حدث ذلك بعد ان تبنت ولو جزئيًا الرموز الثقافية الاشكنازية".(3)
ولكن واقع الامر يقول: أن اليهود الشرقيين لم يصبحوا إشكنازًا بكل ما تعنيه الكلمة من معاني الاشكنازية، بمجرد قبولهم للثقافة الغربية. بل ينبغي أن نفهم كلام كيمرلنغ أن هؤلاء اُلمتحوسلين من اليهود الشرقيين قد يمكن استيعابهم ودمجهم ضمن الطبقة الوسطى من الناحية الاقتصادية فقط، ولا يتعداها الى امتيازات اخرى تقبض عليها الاشكنازية بكل قوة. وسوف نرى ذلك ظاهرًا في التحولات السياسية الحزبية التي جرت وتجري في المجتمع الاسرائيلي كلما تزايد نشاط وكثافة الحضور الشرقي في الحياة الحزبية في اسرائيل. وكيف ينعكس ذلك على تطور الاحزاب في اسرائيل. والاشكناز في اسرائيل أو خارجها لا ينهجون نهجًا سياسيًا واقتصاديًا واحدًا: "يمكنهم أن يكونوا منقسمين ومختلفين في قضية الصراع العربي الاسرائيلي، فمن بينهم من يؤيد سياسة الرفاه الاجتماعي، ومن بينهم من يدعم اقتصاد السوق والخصخصة المحافظة الجديدة .. من الناحية الطبقية تتقاطع، بهذا الشكل أو ذاك عند حدود الطبقة الوسطى فما فوق"...(4)
فيما يتعلق بالصراع العربي – الاسرائيلي، أو الأهداف النهائية للحركة الصهيونية – والتي هي في جوهرها اشكنازية – ليس هناك اختلاف جوهري بين اليمين واليسار داخل الحركة الصهيونية، بين حزب "العمل" مثلا وكلاًّ من "الليكود" أو "كديما". الاختلاف، متى وجد، يتمركز حول التصنيف المرحلي والظرف المناسب، لتحقيق الأهداف الصهيونية، وليس على الأهداف نفسها، بل لطالما بقي القرار السياسي والاقتصادي وحتى الثقافي بيد الحركة الصهيونية العالمية. وهذا يعني ان التحرك السياسي والدبلوماسي الاسرائيلي ليس أكثر من تمارين دبلوماسية صهيونية، فلن تحقق وقائع محددة وملموسة في واقع الصراع العربي – الاسرائيلي .. فكل الاحتلال والتوسع منذ قيام الدولة عام 1948 وحتى اليوم جرى والحكم في أيدي اليسار الاسرائيلي، بيد حزب "العمل" (العضو في الاشتراكية الدولية) .. منذ بن غوريون وأشكول، وغولدة مئير، بينما الذي اضطر للإنسحاب من سيناء في اتفاقية سلام منفردة مع مصر هو اليمين بقيادة مناحم بيجين، والذي انسحب من غزة هو المتطرف شارون .. حزب العمل هو الذي يقود عملية التوسع خارجيًا وداخليًا .. فهذا شمعون بيرس، الحائز على جائزة نوبل للسلام (السلام المفقود) عندما يرى أن إمكانية التوسع خارجيًا غير مهيأة في هذا الظرف أو ذاك .. يسيل لعابه الصهيوني على الأرض العربية للمواطنين العرب، المهم التمدد على حساب العرب في الداخل أو الخارج. فتحت مشروع "تطوير الجليل" والذي هو تهويد الجليل بالتوسع الاستيطاني يقبض اليوم بيرس على هذا الملف..! وهكذا فإن الاشكنازية في موضوع نظام الحكم والمبدأ الاقتصادي موزعة بين نموذج دولة الرفاه الاجتماعي في غرب اوروبا، وبين الخصخصة واقتصاد السوق حسب النموذج الذي تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية.

2: الاشكنازية وظاهرة تجديد الأقنعة:
الاشكنازية بصفتها مجموعة إثنية غربية، تحمل خصائص الثقافة الغربية وأعرافها وتقاليدها. وقد بدأت باستيطان فلسطين مع بداية الاحتلال البريطاني لها والذي عرف تحت اسم "الانتداب البريطاني"، وهي صاحبة إعلان بلفور 1917 حيث التزمت بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وهكذا فقد تدفقت الهجرة الصهيونية الى فلسطين تحت رعاية بريطانيا وحمايتها، الى أن تمَّ الاستيلاء على فلسطين وطرد أهلها منها عام 1948.
الاشكنازية التي تحمل بذور الثقافة الغربية .. تلك القيم والمفاهيم والأفكار التي كان لليهود دور بارز وملحوظ في صياغتها وبلورتها منذ ما قبل عصر النهضة والتنوير، حيث تمّ نقلها بشتى السبل عن الثقافة العربية الاسلامية الزاهية والتي ازدهرت في الاندلس.(5)
الصهيونية الاشكنازية هي التي حملت فكرها الى يهود العالم، خاصة اليهود الذين يسكنون البلاد العربية والاسلامية .. حتى كادت أن تصبح الصهيونية هي القاسم المشترك لدى اليهود جميعًا .. ولكن الصهيونية بقيت خاضعة للرؤيا والتفسير الاشكنازي .. والتي استخدمت حالة الحرب والخوف على المصير اليهودي من أعدائه المتربصين به، والذين حصرتهم الصهيونية في هذه المرحلة من التاريخ بالعرب والمسلمين. كل ذلك من أجل صهر اليهود في بوتقة ثقافية واجتماعية وسياسية واحدة، هي ثقافة الاشكناز .. الثقافة "الاحوسالية" التي تسعى الى تذويتها في النفس اليهودية في اسرائيل .. فالصهيونية الاشكنازية غير جادة بتاتًا بإنهاء الصراع العربي الاسرائيلي، حتى تتمكن من صهر المجتمع اليهودي وإخراجه بثوبه الجديد، وحتى تتأجل الحرب الثقافية التي بدأت في هذا المجتمع، والتي بلغت ذروتها بمقتل رابين نفسه – رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق – من أجل ذلك ومن أجل تحقيق الأهداف الصهيونية التي لم تتحقق بعد – لا بدّ من إطالة أمد هذا الصراع، فاستدامته مصلحة صهيونية إشكنازية .. وهذا ما كشفت عنه مؤتمرات هيرتسيليا التي تعقد سنويًا ويشارك فيها خيرة النخب الثقافية والسياسية والأمنية في إسرائيل والخارج تحت شعار :المناعة والامن القومي ..
ولما كانت الصهيونية الاشكنازية هي التي تُقرر وهي التي ما زالت تفرز النشاط السياسي. مما يجعل اليهود الشرقيين لا يطمأنون الى كفاءتهم وجدارتهم الذاتية في تسيير أمور الدولة. ولهذا فوضت هذه الأمور وأوكلتها للإشكنازية تؤديها نيابة عن الصهيونية عمومًا .. هذه السلبيات ما زالت تسكن الشخصية اليهودية الشرقية .. ولهذا ما زالت تشعر بحاجتها للحضانة الاشكنازية.
وهكذا كلما شعر "الاحوساليم" بخطر سيطرة اليهود الشرقيين وزيادة نفوذهم في الأحزاب والمؤسسات، سارعت الاشكنازية بانتفاضة داخلية، تجدد بها أقنعتها، بحيث تلائم الأوضاع والظروف المستجدة. ومحاولة إحتواء حضور اليهود الشرقيين، أو "الآخر" اليهودي غير الاشكنازي هي سياسة أحوسالية مستمرة . وهذا ما سكت عنه كيمرلنغ وغيره، وهو يكتب عن مخاوفه في فقدان الهيمنة الاشكنازية ..
1:2: الاشكنازية ومحاولة تخريب العلاقات اليهودية العربية:
منذ البداية قامت الحركة الاشكنازية الصهيونية بتخريب العلاقات الطبيعية القائمة بين العرب والمسلمين وبين اليهود منذ مئات السنين .. هؤلاء اليهود الذين عاشوا في البلاد العربية والاسلامية، وأبدعوا في مجال الثقافة والفكر في المناخ الحضاري العربي الخصب .. ولما كان اليهودي لا يطمئن لغيره، ولا يأمنه بطبيعة الحال، فقد بات يتوقع الشر من "الآخر" من "الأغيار". فهو يشعر بنفسه الاختلاف عن "الأغيار"، ويشعر كذلك بأنه المتفوق. ومن هنا جاء دوره "النور بين الأمم" و"الشعب المختار"، بل لقد ذهب بعض المفكرين اليهود الى جعله مقدسًا وأعلى درجة من الانسان ..(6) هذا الاستعداد النفسي للخروج على "الآخر" سهل عملية تخريب العلاقات بين اليهود وبين البلاد التي يقطنون بها. وهكذا بات اليهودي على عداء مع محيطه .. بل إن الصهيونية الاشكنازية لم تتورع بارتكاب أعمال ارهابية ضد يهود آسيا وأفريقيا الذين يعيشون مع العرب. متهمة بهذه الأعمال الأغلبية العربية .. هذا التصرف غير الأخلاقي الذي ارتكبته الصهيونية ضد اليهود الشرقيين يهدف الى تخويفهم وترويعهم وحملهم على الهجرة من أوطانهم الى فلسطين، خاصة وهي تتحكم بأجهزة إعلام جبارة في طول العالم وعرضه .. وهكذا فقد مارست الصهيونية التهجير مرتين: مرة وهي تهجّر الشعب الفلسطيني من أرضه ومن وطنه، ومرة أخرى وهي تهجّر اليهود من أوطانهم التي عاشوا فيها مئات السنين الى فلسطين.
2:2: وقد مارست الإشكنازية، منذ قيام الدولة، تمييزًا ضد الأقلية العربية وأقامت لها المؤسسات الخاصة لعزلها وفصلها وكذلك منعها من الاحتكاك والمواصلة مع اليهود الشرقيين وغيرهم، بوصفهم تارة بالطابور الخامس وعدائهم للدولة، وزرعت بذلك عدم الثقة والشعور بالمفاصلة بين الشعبين بتأجيج مشاعر النقمة ضد العرب.
وهكذا قد نجحت الصهيونية في شحن النفسية اليهودية المثقلة بالمرارة والأسى والحقد, مما لاقته اليهودية في اوروبا، فقد حوّلت هذه النقمة وجهة أخرى، فبدل أن تكره قاتلها وتحقد على من ظلمها، وظّفت كل ذلك سياسيًا ضد ضحاياها ضد العرب والمسلمين الذين عاشت بينهم مئات السنين في تفاهم وتعاون .. الصهيونية حيث تُبرُّ من ظلمها وتحسن اليه وتسيء لمن أحسن اليها .. تفعل ذلك لأن هناك قضية سياسية تخوضها ضد ضحاياها ..!! تريد أن تجمع شتاتها وتوحد اختلافاتها الثقافية وقيمها المتباعدة على حساب اعلان الحرب على الشعب الفلسطيني والعربي ..!
مشاعر الجنوب والشمال داخل المجتمع اليهودي:
بما أن الاشكنازية قد هاجرت من دول الشمال، الدول الاوروبية الغنية، اوروبا منطقة الجذب الثقافي والتقدم الصناعي والثراء الفاحش فقد حمل الاشكناز هذا الشعور بالاستعلاء، وهو استعلاء الموطن الجغرافي والبيئة الثقافية مضاقًا الى استعلاء العنصر الذي يشعر به اليهودي عادة، كل ذلك في مقابل المجموعات اليهودية التس هاجرت من بلاد الجنوب المتخلف، الجنوب الفقير، البلدان العربية والاسلامية.كل هذا ساهم في التمييز، وفي بعض الأحيان بالتمييز المبرر والمقبول على الشرقيين.
1: فقد عاش اليهود الشرقيون ما يزيد عن عقدين منذ قيام الدولة في ظروف بائسة تعيسة، عانوا فيها من التمييز على المستوى المعيشي، وقد قعدت به سياسة التمييز عند الحافة. أُسكنوا في بيوت حقيرة عرفت باسم "معبراه" وهو مصطلح ما يزال يعيش في ذاكرة هؤلاء الشرقيين، سكان الجنوب .. ولم يشفع لهم وجود حزب "مباي" الاشتراكي (عضو الاشتراكية الدولية) في الحكم، فقد انفرد اليسار الاشتراكي اليهودي الاشكنازي في الحكم طيلة ثلاثة عقود من قيام الدولة عام 1948 .. وهذا كان من أكبر الأسباب التي اضطرت هؤلاء التعساء الى اللجوء لأحزاب اليمين الرأسمالي كحيروت بقيادة الاشكنازي مناحم بيجين بصفته الحزب المعارض لليسار الاشتراكي الصهيوني.
2: وبدل أن يعمل هؤلاء المظلومين على تأسيس حزب يهتم بقضاياهم ويعمل على تحسين شروط حياتهم، وتحرير إرادتهم من التبعية، فقد اكتفوا بالهرب واللجوء الى الأطر الحزبية القائمة والتي هي صهيونية اشكنازية سواءً كانت يسارية أم يمينية، رأسمالية أم عمالية. وهذا يشير، بل يدل دلالة قاطعة على أن هذا اُلقطاع من المجتمع الاسرائيلي الصهيوني، لم يرتفع بعد الى درجة التفكير المستقل وتوفير الارادة الحرة التي تنتج الأجهزة والآليات الخاصة التي تعمل لصالح هذه الطبقات المسحوقة. وحال هذه المجموعات الاثنية الشرقية أو "الجنوبية" ما زال حتى اليوم، وبعد مرور ما يزيد على 57 سنة، هو حالها نفسه منذ قيام الدولة، لم يستطع ن يقيم هيئاتاً وأحزابًا مستقلة خاصة به ترعى مصالحه وتكون صادقة مع قضاياها.
3: هذا ما يفسر الذهول الذي أصاب هؤلاء الشرقيين، قادة وعاديين عندما وقع زلزال شارون. فقد تبعثروا في كل الاتجاهات، فبعضهم قد لجأ الى بعض الأحزاب القائمة ولاذ بها .. ومنهم من لحق بشارون كشاؤول مفاز بصورة مُذلّة. يخرج من حزب تحت قيادة إشكنازية ويلوذ في حزب تحت قيادة إشكنازية، حتى أن العديدممن تركوا حزب العمل، تركوه لأن أحد الشرقيين يقف في رآسته، فالنفسية المهزومة لا تتصور ان شرقيًا يستطيع أن يقود حزبًا كبيرًا ورئيسياً كحزب العمل ..!!

3: الحزب كتعبير إثني طائفي:
ظاهرة التغييرات الحزبية، هي ما تُميز الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل فكلما شعر الاشكناز بقوة الوجود والحضور لليهود الشرقيين داخل الحزب وازدياد تأثيره, قاموا بعملية تفكيك لهذه الأحزاب، وإعادة صياغتها من جديد. أو العمل على إضعافها بإقامة أحزاب جديدة بقيادات إشكنازية، وهيمنة إشكنازية على أجهزة الحزب. وهكذا يتم بعثرة الحضور الشرقي وشرذمته من آن لآخر.
1:3: بعد التذمر والمعاناة التي قاسى منها اليهود الشرقيون من سياسة حزب العمل، انضم العديد منهم لحزب "حيروت" الذي تجمع حوله كتل يهودية تحت اسم "ماحل"من تحالف أحزاب اليمين .. وهي التي خاضت الانتخابات عام 1977 وفازت بها .. ثم بعد ذلك أسس شارون حزب "الليكود" من جماعات يمينية ومتطرفة .. وكل التغييرات التي كانت في بنية الحزب كانت استجابة لميزان القوى بين الاشكناز والشرقيين داخل الحزب.
2:3: الأمر ذاته هو الذي دفع برفسور يغئال يدين عالم الاٌثار تأسيس ما عرف بحركة "التغيير" والتي استقطبت بقايا "عائلة الاحوسالية المتفرقة" عندما ازداد الحضور الشرقي داخل حزب العمل .. حركة "التغيير" هذه لم تكن سوى مشهد عابر فوق الحلبة السياسية الاسرائيلية".(7)
3:3: من جهة أخرى فقد تمّ اتحاد قوى اليسار في عملية تهدف لإقامة التوازن المطلوب في حركة اليسار الاشتراكي الاسرائيلي لصالح هيمنة القوى الاشكنازية .. وهكذا تأسس حزب "العمل" من حزب "مباي" و"مبام" و"أحدوت هعفوداه" هذه الأحزاب الاشتراكية، وهكذا أخرجت هذه التركيبة بهدف سيطرة الاشكنازية مرة اخرى لسنين طويلة قادمة على قوى اليسار..
4:3: وكرد فعل للحضور الشرقي على شكل قيادات متنفذة في حزب "الليكود" وحزب "العمل" قام الصحفي الاشكنازي المتعصب، يوسي لبيد بإقامة حركة "شينوي" (التغيير)، والتي حصلت في الكنيست السادسة عشر على 17 مقعدًا. وكان يشترط لدخوله في الإئتلاف الحكومي عدم التحالف مع العرب أو المتدينين (الذين هم شرقيون في غالبيتهم). هذا الصحفي الاحوسالي، والذي قام بتشكيل حركة "التغيير" أراد ان يبرز أكثر ما في الاشكنازية من معالم ومعاني في مركباتها الاساسية وهي العلمانية، فقام بعملية متطرفة هدف الى تسييس العلمانية وهذا تصعيد للصراع الثقافي.
5:3: خطوة شارون – بيرس 2005 مسرحية مفضوحة:
لقد ارتفع نجم القيادات السياسية الحزبية الشرقية، القادمة من الضواحي والمناطق النائية عن المركز "تل أبيب" خاصة في الحزبين الرئيسيين حزب "العمل" و"الليكود" لأسباب كثيرة من بينها الزيادة الطبيعية المرتفعة عندهم.
6:3: ففي حزب "العمل" نرى أن ثلّة من القادة الشرقيين قد أمسكوا بمناصب قيادية في هذا الحزب مثل: بنيامين بن اليعيزر (المعروف بإسم فؤاد) وإيلي بن مناحم، وشلومو بن عامي، رعنان كوهين، رافي أدري، رافي ألون، شلوم بن سمحون، عمير بيرتس (المغربي) الذي فاز مؤخرًا برآسة حزب العمل بعد أن هزم منافسه الإشكنازي شمعون بيرس, والذي انتقل بعد خسارته الى حزب شارون "كديما".
7:3: كذلك الأمر في حزب "الليكود" فقد طفح الحزب بالقيادات الشرقية واحتلت مناصب حسّاسة ومؤثرة مثل: دافيد ليڤي، مئير شطريت، موسى قصاب (الذي تدرج حتى أصبح رئيس الدولة) وسلڤان شالون (التونسي) (الذي خسر المنافسة على رآسة حزب الليكود أمام نتنياهو الاشكنازي) وشاؤول عمور، داڤيد ماجين، شاؤول مفاز (وزير الدفاع).
لقد كتب كيمرلنغ قبل ما يقرب من خمس سنوات: "إن شارون وبيرس ينتميان الى هذا الصنف المتلاشي من الاحوسالية السياسية والثقافية المتراجعة، لكنهما على غرار إيهود باراك، ليسا سوى وسيلة محفزة لقوى اجتماعية وسياسية وثقافية، تبدي تحدٍّ من دون أن تتوصل إلى الآن للحجم المطلوب الذي يسمح لها يتنصيب ممثليها في رأس الهرم .. وتؤدي هذه الشخصيات "الاحوسالية" التي تنهي طريقها السياسي – حلقة الوصل بين الماضي المشبع بالأمجاد ولكنه مكروه عند الكثيرين – وبين المستقبل الذي يُخفي بداخله عدة بدائل"(8) (من بينها البديل الشرقي – الكاتب). وخطوة شارون – بيرس في إقامة حزب "كديما" هي محاولة قد تكون قبل الأخيرة لإنقاذ الاشكنازية.
ويأتي الزلزال "السياسي" الذي يحدث في هذه الأيام، لينهي فترة الكنيست السادسة عشر مبكرًا، في الأيام الأخيرة من عام 2005 لتؤكد عمق الانشقاق الثقافي الإثني في المجتمع الاسرائيلي .. إن هذا الزلزال الذي أصاب عمق التشكيلات الحزبية في اسرائيل، وهزّها هزًا عنيفًا، فتطاير اللقطاء واللصقاء وتجمع الأصليون في تشكيلات وأطر أعدّت بصورة دقيقة .. إن هذا الزلزال هو صورة من صور الصراع الثقافي الذي يستتر خلف العامل السياسي الخادع .. ليس هناك صراع على المستوى السياسي. هناك وجهات نظر سياسية متعددة. كلها تعمل من اجل تحقيق الحلم الصهيوني. هذا الزلزال جاء ليؤكد عمق الانتماء للإشكنازية من قبل اليهود الذين قدموا من الغرب .. إن تشكيل حزب "كديما" على يد شارون في ظاهر الأمر، قبل شهر تقريبًا، وهرولة القيادة الاشكنازية في حزب العمل للإنضمام الى صفوفه، تؤكد تلك الأنياء التس انتشرت منذ أشهر عديدة، عن تعاون يجري بين شارون وقيادة حزب الليكود آنذاك وبين شمعون بيرس وغيره من قادة حزب العمل، قبل ان يتبين بيرس هزيمته على رآسة حزب العمل من قبل اليهودي الشري عمير بيرتس .. إن هذا التوجه يؤكد أن دوافع هذه التغييرات في أساسها ثقافة إشكنازية قبل أن تكون سياسية .. وهذا ما يؤكد تجذّر الانتماء الاشكنازي في المجتمع الاسرائيلي. وتبرهن كذلك على قدرتها علىتحريك المسرح السياسي الداخلي في الاتجاه الذي تريد .. ولا بدَّ من ذكر بعض الحقائق الجوهرة في التركيبة الداخلية لهيكلة المجتمع الاسرائيلي:
1: إن نشوء الأحزاب وتلاشيها في المجتمع الاسرائيلي، تقوم على أسس ومبادئ ثقافية اجتماعية أكثر منها سياسية. وما زال العامل السياسي هو الثوب الخارجي الذي يتستر ويحتجب داخله التفاعل والتناحر الثقافي والاجتماعي في اسرائيل. والأحزاب ليست أكثر من أقنعة تخلعها او تجددها الاشكنازية حال حصول خلل في الموازنة الديموغرافية. فكلما شعر الاشكناز ان سلطتهم وهيمنتهم داخل الحزب قد تدهورت من قبل المجموعات اليهودية الشرقية، ينتفض الحزب من داخله، ليزيح بهذه الطريقة او تلك التأثير المتزايد للمجموعات الشرقية، أو يحدّ من قوة تأثيرها بحيث تبقى في منطقة الاحتواء.
1:1: كان هذا في انتفاضة يغئال يدين – عالم الآثار – على حزب العمل منذ سنوات السبعين. عندما شعر بتزايد التأثير للطوائف الشرقية.
2:1: وقبل ذلك كان اندماج حزب "مبام" و"أحدوت هعڤودا" الاشتراكيين في حزب "مباي" وتكون حزب "العمل" ليصبح ذا أغلبية اشكنازية. وكأن في المجتمع الاشكنازي مصرقًا يدعم السوق بالعنصر الاشكنازي كلما تعرض للهزيمة والانهيار .. وهذا ما جعل برفسور يحازقيل درور يقول في رؤيته للمجتمع والدولة الاسرائيلية بعد خمسين عامًا. أنها ستكون بحاجة الى هجرة مليون يهودي من اوروبا والولايات المتحدة لموازنة المعادلة الديمغرافية داخل المجتمع اليهودي ..(9)
3:1: ويظهر ذلك في استبدال "حيروت" بتكتل "ماحل" ضمن اليمين الاسرائيلي بقيادة بيجين.
4:1: وكان ذلك وراء تأسيس "الليكود" على يد شارون، حيث عمل على ضم بعض القوائم والجماعات التي تكونت على جانبيه وحواشيه بعيدة عن المركز.
5:1: وكذلك كانت الانقسامات في حزب العمل وخروج "ميرتس" (يوسي سريد، برفسور روبنشتاين، شلوميت ألوني) وشخصيات مثل بيلين وغيره.
وتهدف هذه الانقسامات في كثير منها الى تشتيت وبعثرة قيادات الطوائف الشرقية، حتى يصعب عليها التجمع في أحزاب خاصة كما حدث لحركة "شاس" التي تكونت من اليهود "الحريديم" الشرقيين.
6:1: وأوضح مثال لهذه الظاهرة محاولة الصحفي الاشكنازي يوسف لبيد الذي أقام حزب "شينوي" (التغيير) واشترط في تعامله مع الهيئات ان لا تتحالف وتتعاون مع العرب أو المتدينين، وكلمة "متدينين" هو مصطلح يقصد به في الغالب "اليهود الشرقيين".
وكثيرًا ما كان يحدث في الانتخابات المحلية للسلطات المحلية، أن يصوت جمهور حزب العمل من الاشكناز لصالح مرشح أحزاب اليمين اذا كان من الأشكناز، خاصة اذا كان مرشح حزب "العمل" من الشرقيين. حدث هذا مرات عديدة في تل ابيب وغيرها من المدن والقرى ...
* وهذا يعكس المرارة التي كان يشعر بها أبا إيبان – أكفأ وأشهر وزير خارجية عرفته اسرائيل – والنقص الذي كان يعاني منه كونه لم ينحدر من سلالة الإشكناز، ولهذا لم يدخل المطبخ السياسي في إسرائيل. مع أنه كان موهوبًا وهو واحد من أبرز 19 خطيبا في العالم.
7:1: زلزال شارون 2005:
لقد فجّر به قواعد اللعبة السياسية في اسرائيل، لقد حدث بقوة كبيرة، إهتزّ لها الكيان الاسرائيلي برمته. وتداخلت الأوراق وتناثرت وتبعثرت قوى كثيرة. وتغيّرت مواقف رجال وقيادات بين عشية وضحاها .. بل لقد تعرت وانكشفت القيم السياسية والثقافية والخلقية عند الكثير من القيادات الاسرائيلية، وبانت عوراتها النفعية والذاتية بشكل مفضوح، بل ومُذلٍ في بعض الأحيان..!
1:7:1: في حزب العمل كانت القيادات اليهودية الشرقية قد زادت من سيطرتها، وراحت تحاصر الظاهرة الاشكنازية داخل الحزب. وأصبحت قيادات يهودية شرقية متنفذة وصاحبة شأن .. تمثل ذلك بانتخاب بنيامين اليعازر (المشهور بلقب فؤاد) رئيسًا للحزب لفترة من الزمن .. ثم ما كان من نتيجة الانتخابات الأخيرة في مركز الحزب على منصب رآسة الحزب. حيث فاز اليهودي الشرقي من أصل مغربي، عمير بيرتس على الاشكنازي المشهور شمعون بيرس. ومع ما له من تأثير كبير منذ قيام الدولة اليهودية. وترك الكثير من بصماته السياسية على السياسة الاسرائيلية، وعلى مشاريعها الكبيرة المميزة. كالفرن الذري في ديمونة بل هو صاحب وزن ودور عالمي على المسرح السياسي. وقعت هذه النتيجة كالصاعقة في صفوف الاشكنازيين، الأمر الذي زلزل الأرض من تحت أقداكهم .. وفروا هاربين على وجوههم .. فروا من أيديولوجيتهم، وخرجوا من أقنعتهم .. فروا من حزب "العمل" فروا من الاشتراكية الدولية. لم يلووا على شيء، ولجأوا الى الخصم السياسي بالأمس الى حيث إشكنازية اليمين ورأسماليته، المهم عندهم أن يتنفسوا في الفضاء الثقافي الاشكنازي.
والغريب أن النظرة الساذجة للأمور، قد أربكها الدخان الكثيف الذي أطلقه شارون وثلته تمويهًا وتضليلا. وكأن شارون هو المصمم الوحيد لحزبه الجديد "كديما" (الى الامام وهو مصطلح يحمل دلالة عسكرية). لكن نظرة متعمقة في سلوك المجتمع الاشكنازي الصهيوني في اسرائيل تتبين بوضوح، أن الاشكنازية في الدولة هي التي أوحت بضرورة تأسيس حزب اشكنازي جديد، ردًا على ما آلت اليه الأوضاع الحزبية في الدولة .. بل هي بحاجة الى هذا الزلزال الذي يبعثر الاوراق ويرتبها من جديد .. وفي تقديري أن أكثر هؤلاء ضلوعًا في العمل والتحضير لهذه الانتفاضة الاشكنازية، هي زعامة حزب العمل الاشكنازية الى جانب قيادة حزب الليكود وهو ما يؤكد:
* سرعة انضمام قيادات حزب العمل الاشكنازية لحزب "كديما" فور تشكله، بل بعضهم كان من المبادرين كحاييم رامون وداليا ايتسك وغيرهما.
* التحاق شمعون بيرس لهذا الحزب فور هزيمته في موضوع رآسة حزب العمل أمام عمبير بيرتس. وهرولة قيادات أخرى للإنضمام.
* لقاء هذه القيادات بهذه السرعة. سواءً خروجها من الأحزاب التي قضت فيها كل حياتها وأفرغت فيها كل نشاطاتها السياسية .. خلعت عنها مواقفها السياسية المعلنة، وخرجت من ايديولوجيتها اليسارية يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن العامل السياسي ليس هو العنصر الرئيسي في تأسيس الأحزاب اليهودية في اسرائيل.
* وتصرف القيادات السياسية الحزبية في هذه الايام، تؤكد كذلك أن المواقف السياسية متقاربة، وكذلك الحلول السياسية، وخاصة الموقف من الدولة الفلسطينية والصراع العربي الاسرائليلي.
* حتى المفاهيم المختلفة بين اليمين واليسار بما يتعلق باقتصاد الدولة سواءً كانت دولة رفاه اجتماعي أم الخصخصة واقتصاد السوق، هذه المفاهيم المختلفة يمكن جسر الفجوة بينها إذا ما تعرضت سيطرة الاشكنازية وسيادتها للخطر.
إن الرؤيا التسطيحية للأمور هي التي تقبل تفسيرات بيرس للدوافع التي جعلته ينضم لحزب "كديما" وكأنه ليس من مؤسسيه، لقد أعلن بيرس بسذاجة دبلوماسية أن إنضمامه لحزب "كديما" جاء لأنه الأقدر على تحقيق السلام، وإبرام معاهدة التسوية مع الفلسطينيين، بينما لسان حاله يقول عكس ذلك، فـ"كديما" هو الأقدر على حفظ وصيانة الهيمنة الاشكنازية. بل إن أخا بيرس كان أصدق في التعبير بما يجول في نفس أخيه وبما يشعر به من مرارة حين أعلن: "لقد تسلطت العقلية "الكتائبية" على حزب العمل".
هذا الزلزال هزّ كيان المجموعات اليهودية الشرقية، وأفقدها صوابها السياسي، وكشف كذلك ضحالة ثقافتها وسذاجة تفكيرها، وسطحية انتماءاتها الايديولوجية، وكشف كذلك مدى الثقة بالنفس عند اليهود الشرقيين، فهم ما زالوا غير جاهزين لتأسيس أحزاب ترعى قضاياهم الخاصة، وغير قادرين كذلك على قيادة الأحزاب فضلاً عن قيادة الدولة .. ولسان حالهم ينطق: "اعطوا الخبز للخبّاز الاشكنازي، ولو أكل نصفه".
2:7:1: الوضع في حزب "الليكود" (التجمع) لم يكن بأحسن حالاً منه في حزب العمل. فالشخصيات الشرقية قد احتلت أماكن متنفذة في قيادة الحزب، فأصبح رئيس الدولة، موسى قصّاب، وهو شرقي، وكذلك دافيد ليفي، مئير شطريت، وسلڤان شالوم وشاؤول عمور، ودافيد مجين، وشاؤول مفاز .. وهذا ما دعا شارون وقيادة حزب العمل، القيام بهذه الخطوة الاستبقاية تحت شعار أن الليكود لم يعد يصلح لتمرير سياسته في هذه المرحلة وهي التسوية مع الفلسطينيين. ومن جهة أخرى دعت بيرس ليعلن أن شارون أقدر على تحقيق السلام من حزب العمل.
وقبل أن يُشاد البيت الاشكنازي الجديد، تداعى الى أرضه مجموعات قيادية من كافة الأطراف الاشكنازية، يأوون اليه ويعملون في الوقت نفسه على تجهيزه وإعداده ... وقبل أن يتم تجهيز هذا الحزب وهيكلته، راحت الاحصائيات تعطيه ما يزيد عن 40 مقعدًا في الكنيست السابعة عشر .. بينما حزب العمل قد تناقص مؤيديه حسب هذه الاحصائيات الى ما لا يزيد عن 18 الى 20 مقعدًا. وهذا يعكس أنّ:
1: الاشكناز ما زالوا يحتفظون بميزة المبادرة، وما زالوا هم القوة المنتجة للعمل السياسي والاقتصادي والثقافي في المجتمع الاسرائيلي. والنخب الشرقية المتنفذة هي تلك التي قبلت "التفرنج" أو التحوسل بلغة كيمرلنغ.
2: أن الشرقيين ما زالوا كالعالم العربي، قوة استهلاكية تعيش على ما يقدمه المنتج الاشكنازي في كل المجالات، بما فيها التنظيم الحزبي.
3: والاشكنازية هي الجواب، لمن يسأل عن ذوبان حزب "التغيير" بقيادة الاشكنازي المتعصب يوسي لبيد، في الحزب الجديد "كديما"، وأحوساليته هي التي ساعدته في الحصول على 17 مقعدًا في الكنيست السادسة عشر.
الإشكنازية والشرق الأوسط ثقافة غازية:
الاشكنازية أو "الاحوسالية" كما يراها كيمرلنغ، هي ثقافة استيطانية غازية، واليهودي في تاريخه يحمل مشروعًا ثقافيًا متجولاً، وهي ثقافة غازية لا بالمعنى التقليدي للغزو .. فهي تتم بأشكال وصور مختلفة وقد تتسلّل بصور شتى لتحتل مراكز رئيسية في الفكر الإنساني عند منحنياته ومنعطفاته .. لذلك عبّرتُ عنها أكثر من مرة: "المعنى المتجول في الحيّز المتغيّر" والثقافة المتجولة، بهذا المعنى، تحمل من خصائصها الذاتية ذات القابلية للتلاقح السريع مع الثقافات الاخرى. فهي وإن كانت في معظمها ثقافة تجميعية ملقحة فهي لا تخلو من الطابع الخاص، الذي يكسبها صفات وخصائص تبدو وكأنها عالمية. فاليهودية لا تذوب في الثقافات الاخرى، لأنها تحمل رؤيا ذاتية بالتفوق والعلو على الآخر، مهما كانت ثقافة هذا الآخر .. ولذلك من الصعب ان تنصهر أو تتلاشى مع الغير.
هكذا كانت جولات اليهودية في بداية تريخها عندما كانت ذات رسالة دينية ربانية، وكذلك جولاتها في التاريخ القديم والأوسط عندما تحولت الى رسالة فكرية او لا دينية. واليهودية بعد أن داخلها شعور الاستعلاءوالتفوق في عنصرها، تحولت الى ديانة غير تبشيرية تكتفي بالعرق والعنصر اليهودي المنحدر من ذات السلالة. ومن أشهر أساليب اليهودية الجوّالة هو مبدأ "التلبُّس" على الآخر، حين ينتحل شخصية الآخر رويدًا رويدًا حتى يصبح هو والآخر كأنّه شخصية واحدة.(10)
ولما كانت "الاحوسالية" وبالتعبير اليومي العادي الاشكنازية غزوًا ثقافيًا، وهذا ما يعكس الحرب الثقافية القائمة منذ فترة في المجتمع الاسرائيلي والتي يقف في جوهرها سؤال: من هو اليهودي؟ هذا السؤال الذي يؤجل البحث فيه، لئلا يتكشف الصراع سافرًا بين الاشكنازية العلمانية الغازية، وبين اليهودية في نسختها الأصلية ذات الجذور الشرقية. والاشكنازية في محاولاتها علمنة اليهودية تكشف عن المدى الذي سيذهب اليه هذا الصراع ... إن خطوة شارون الأخيرة ما هي إلاّ شكل من أشكال هذا الصراع، الذي يبدو خفيًا، ويراد له أن يظل هكذا خفيًا، لأن السفور يشكل خطرًا على الحيّز السياسي ذاته. ويُسرّع بعملية الاستقطاب والفرز العنصري .. ولهذا فنحن أمام:
أ: ثقافة اشكنازية امبريالية استيطانية منظمة وصاحبة السيادة والهيمنة ومدعومة من الغرب الامبريالي، ومن الحركة الصهيونية العالمية.
ب: ثقافة يهودية شرقية، لكنها مجموعات مبعثرة لم تنجح بعد في بناء كيان هيكلي محدد .. مجموعات ما زالت حتى اليوم تهرب من واقعها لتستظل في كنف الاشكنازية.
ج: "الاسرائيلية" الآخذة بالتشكل والتي أضعفتها مؤتمرات هيرتسيليا والتوجه الصهيوني العام الذي جرف المجتمع الاسرائيلي خاصة بعد الانتفاضة الاخيرة .. "الاسرائيلية" التي ترى أن على اسرائيل أن تصبح دولة كل مواطنيها، وأن تهتم بقضايا مواطنيها في حدودها، وأن تعمل على تحرير إرادتها واستقلال قرارها السياسي عن الحركة الصهيونية. وعماد هذا التيار يتشكل من النقاد الاجتماعيين ومجموعة المؤرخين الجدد وجماعات غيرها ... هذا التوجه آخذ بالتشكل ولوبصورة بطيئة ...
وفي ضوء الصراع الثقافي الآخذ بالتوسع بين اليهود الشرقيين والاسرائيلية من جانب وبين "الاحوسالية" من جهة أخرى، هذا الصراع الذي لم تستطع الاشكنازية أو "الفرنجة اليهود" حسمه مع الثقافة الشرقية هل هناك امكانية أن تكسب الاشكنازية هذا الصراع في مستواه الشرق أوسطي..؟ حتى مع ما للغرب والعولمة من هيمنة في طول العالم وعرضه يظهر أن صاحب أطروحة "شرق أوسط جديد" لن يستطيع ان يوجد مثل هذا الشرق..!! وإذا كان بيرس صاحب هذا الكتاب في كلمة له أمام المؤتمر السنوي لرؤساء المجالس والسلطات المحلية وكان يشغل منصب وزير الخارجية، سأله عريف الجلسة: أنت من استطاع ان "يحرر" النقب عام 1948، وانت وراء المشروع النووي الاسرائيلي، وأنت صاحب التاريخ الحافل تتكلم في مقدمة كتابك "شرق أوسط جديد" عن مصافحة محمود عباس وغيره من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تعتبرها اسرائيل ارهابية ... هل تعب شمعون بيرس من السياسة حتى تغيّر على هذه الصورة؟ فأجاب بيرس بكل هدوء: "أنا لم أتغير، واليهود لم يتغيروا، والعرب لم يتغيروا، ولكن الزمان قد تغيّر". فهل صدق بيرس في تصوير حقيقة ما يجري، أم أنّ القواعد الأساسية لشرقه الأوسط الجديد، يجري تغييره على مقتضى المقاس الصهيوني الاشكنازي .. ولكن كل المؤشرات والدلائل والقرائن التاريخية تقول بأن الشرق الأوسط بقيمه ومعاييره وأعرافه العربية (الاسلامية والمسيحية واليهودية) أقوى من الثقافة الاشكنازية الغازية. وبالتالي سوف تصهرها وتهضمها كما هضمت غيرها من المحاولات، كانت هناك محاولات عديدة ومن أبرزها محاولة الاسكندر المكدوني اللعب في المسئلة الديموغرافية، ولكنها فشلت..
والسؤال الذي يُطرح على الاشكنازية، وينتظر جوابها، ما الذي ينبغي أن يسود: القيم والاعراف السائدة أم القيم الوافدة؟ وما هو الأهم، قيم وتعاليم وتقاليد اليهودية أم قيم ومفاهيم الاشكنازية؟ وهل بالإمكان أن يتحول الشرق الأوسط الى جسد غربي (بإسلامه ومسيحيته ويهوديته) يحمل رأسًا إشكنازياً...؟ كما يريده بيرس، شرق أوسط يستهلك من القيم والمعايير والمفاهيم التي ينتجها له الرأس الاشكنازي..! أو لعله يكون الحيّز الجديد الذي سيحتله المعنى المتجول، ويسيطر من خلاله على التنظيم وعلى القرار السياسي والاقتصادي والاعلامي في هذه المنطقة الواسعة من العالم، هذا الجزء من آسيا الذي يتداخل مع كل من اوروبا وأفريقيا...؟
والاطروحات الاشكنازية تتعاقب في تقديمها لأطروحاتها تلك. فمثل هذا الذي يقوله شمعون بيرس مع بداية الألفية الثالثة كان قد قال مثله الفيلسوف اليهودي مارتن بوبر في نظريته التربوية في النصف الأول من القرن العشرين، حين كانت الصهيونية تعمل جاهدة على تهيئة آسيا أمام الحركة الصهيونية وتبْيِئتها للمعنى المتجول، يقول بوبر: "فاليهودية على الرغم من وجودها في العصر الوسيط والحديث، وحركتها التجارية والاقتصادية والثقافية والاعلامية في الغرب .. لكن الشعب اليهودي لم ينس أنه في تاريخ مضى كان ابن هذا الشرق، وأفرغ فيه نشاطه الأدبي والديني فترة طويلة من الزمن ... وهذا ما يؤهل الشعب اليهودي ويجعله أكثر قدرة على دمج روح الشرق، روح آسيا بعقل الغرب".(11)
الأقلية العربية والاشكنازية حوار أم مواجهة:
الصراع الثقافي على هوية الدولة الاسرائيلية ومستقبلها هو حالة مرافقة لتطور المجتمع الاسرائيلي، قد يضعف هذا الصراع او يشتد أُواره تبعًا للظروف التي تمر بها الدولة .. الصراع الثقافي يخبو ويضعف كلما اشتد التوتر بين اسرائيل والعرب الفلسطينيين، يتمّ تأجيل الصراع الاشكنازي الشرقي في المجتمع اليهودي. تنحى جانبًا مطالب المساواة وتحسين ظروف العيش لدى الطوائف اليهودية الشرقية فإن ما يتقاضاه اليهود الشرقيين أقل ب 36% مما يتقاضاه الاشكنازيون(ورد ذلك في الإحصائيات الرسمية التي أذيعت من القناة الثانية الاسرائيلية في نشرة اخبار الساعة السابعة صباحا من يوم 13.12.05)،.. فكم ستكون النسبة أكبر بين ما يتقاضاه الاشكنازي مقارنة مع ما يتقاضاه العربي..!!؟
اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة كنموذج:
إن من الخطأ الظن أن مؤتمرات هيرتسيليا السنوية التي تناقش موضوع: "المناعة والأمن القومي"، والحديث المتواصل عن الخطر الديمغرافي العربي، ما هي إلاّ صورة الغلاف لهذه المؤتمرا، فهذه النخب الأكاديمية، والصفوة السياسية والأمنية وقيادات الأحزاب في اسرائيل ويهود الخارج التي تشارك في هذه المؤتمرات هي في غالبيتها من الاشكناز أو "اليهود المتفرنجين". فهي تعالج موضوع خطر الزيادة العربية الطبيعية بجدية تامة، بينما هي تسكت عندما يتعلق الأمر بالخطر
الديموغرافي اليهودي اليهودي ... وتدرس كذلك الى أي مدى تتعرض الثقافة الاشكنازية للإنحصار داخل المجتمع الاسرائيلي. بتعبير أدق، ميزان القوى الفاعل داخل المجتمع اليهودي بين اليهود الشرقيين وبين الاشكناز، يقول باروخ كيمرلنغ في هذا موضوع التمييز واللامساواة بما يتعلق باليهود الشرقيين. "عدم المساواة الذي ساد منذ البداية، قد تحول الى جزء ثابت من المشهد الاسرائيلي، هذه صراعات متعددة الأبعاد، اقتربت في بعض الأحيان الى حد الحرب الأهلية، وصلت ذروتها بمقتل رئيس الحكومة اسحاق رابين"(12) .... وحتى تبقى السيطرة والسيادة في أيدي الاشكناز من جهة والتوازن الديموغرافي من جهة أخرى فإن برفسور درور يرى وجوب هجرة مليون يهودي غربي من اوروبا والولايات المتحدة في الخمسين سنة القادمة .. أليس كل ذلك من أجل تعزيز السيطرة والهيمنة الاشكنازية...؟
في ظل هذا المناخ الثقافي والسياسي، الذي لا تجهله الطبقة المثقفة من الشرقيين، هل يمكننا القول بأن هذه الطوائف تحاول تقليد الممارسات الوظيفية للوبي اليهودي في الولايات المتحدة الامريكية .. بحيث يشاركون في الحياة السياسية والثقافية الى درجة ما يشبه الاندماج التام في الحياة الحزبية التي أسسهاالاشكناز مع التمايز على المستوى الاثني كما يفعل اليهود في الولايات المتحدة .. كالمحافظة على الطقوس التعبدية الدينية، وعلى الخصوصيات اليهودية التي تتعلق بالمفهوم الديني والتراثي. فبعضهم يندمج اندماجًا تامًا في الحزب الديمقراطي، بحيث يوثر تأثيرًا حاسمًا في المواقف الأمريكية لصالح الطرف الاسرائيلي في صراعه مع العرب والمسلمين. بينما مجموعات أخرى مندمجة في الحزب الجمهوري وتؤدي ذات الدور .. لكن بظل الفارق بين وضع وثقل الصهيونية اليهودية في الولايات المتحدة خاصة في المجال الاقتصادي والاعلامي، والزواج غير الشرعي مع طبقة (WASP) الزنابير أو ما يمكن أن نطلق عليها "المسيحية المتصهينة"، في مقابل وضع وخفة وزن اليهود الشرقيين في اسرائيل:
1: القوة الاقتصادية والثراء الفاحش الذي تملكه الصهيونية في الولايات المتحدة يمكنها من التأثير، ليس فقط على اتخاذ القرارات في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاعلامية وإنما في تنصيب من ترغب من الدمى السياسية في البيت الأبيض.
2: هيمنتها شبه المطلقة على وسائل الاعلام في الولايات المتحدة ابتداءً من الصحيفة والراديو والتلفزيون وانتهاءً بالفلم السينمائي الذي تنتجه هوليوود.
3: قوة التأثير كذلك على بلدان كثيرة في اوروبا، وعلى وسائل الاعلام فيها، نظرًا للمكانة الخاصة التي يحتلها اليهود في هذه البلاد. كل ذلك يشكل ضغطًا دوليًا لصالح اليهودية العالمية .. يضاف اليها ثقل الضغط الاخلاقي على الاوروبيين، وشعورهم بالذنب الذي يلاحقهم من جراء الأذى الذي ألحقوه باليهود خاصة في الحرب العالمية الثانية..
في حين، وفي المقارنة، نرى اليهود الشرقيين في اسرائيل ووزنهم النوعي يختلف، بل إن الأوضاع الاقتصادية والتعليمية تتشابه الى حد ما مع أوضاع الأقلية العربية فاليهود الشرقيون لا يمثلون:
1: الطبقة الغنية في اسرائيل .. بل كما رأينا فإن مستوى معيشة الشرقيين الى الاشكناز لا تتجاوز 60% ولهذا يستطيعون التأثير في المجال المالي. وهذه النسبة هي في مجال الراتب الشهري للموظف أو العامل الشرقي قياسًا مع الاشكنازي. وليست نسبة الغناء والثروة التي يملكها الشرقيين مقارنة مع الاشكناز، فإن هذه النسبة سوف تهبط عن 60% كثرًا وكثيرًا جدًا.
2: والشرقيون أقل مستوى في مجال التعليم. وكذلك في ما يحوزونه من وسائل الاعلام.
3: يبقى الصوت الشرقي في الانتخابات، هو صاحب التأثير الواضح، ولكن بعثرته على أحزاب كثيرة تفقد قوته، وتجعله يعيش على الحالات الاستثنائية، في انتهاز الفرص في الأزمات والمآزق، لكي يحصل على بعض الهبات والصدقات الحكومية المشروطة، كما تفعل "شاس" وغيرها من الحركات الدينية، في الحصول على هبات حكومية، عند تمرير ميزانية الحكومة في الكنيست على سبيل المثال، فهي في لغة الدبلوماسية الاشكنازية يمثلون "حشوكيم" (تتمثل وظيفتها بالصرارة، أو الحجر (مصة) الصغير الذي يضعه البناء تحت الحجر الكبير او المدماك لكي يستقيم). وفيما عدا هذا التأثير، فإن الأصوات الشرقية الكثيرة التي يتقاسمها حزب "العمل" وحزب "الليكود" هي عمليًا تبقى الظاهرة المؤثرة في الحياة الحزبية ..
وكالعادة عندما يبلغ هذا الحضور للشرقيين درجة خطيرة تهدد الهيمنة الاشكنازية، يقوم هؤلاء بانتفاضة على هذه الكيانات الحزبية التي أسسوها هم أنفسهم، إما بتجديدها أو باستبدالها، بحيث يعيد لهم السيطرة والهيمنة من جديد لسنوات أخرى قادمة ... وتظل المعضلة أمام "الاحوساليين" تتمثل في المدى الذي سيظل الاشكناز يلعبون هذه اللعبة بنجاح من غير ان تصطدم بإرادة واعية وصلبة ومستقلة لدى هؤلاء الشرقيين؟
المظلوم للمظلوم رفيق درب ونسيب:
إذا قال امرؤ القيس ذات يوم عندما شارف على الهلاك في إثر عودته من زيارة له لقيصر الروم يطلب نصرته، وكان بقربه قبر لغريبة:
أجارتنا إنّا غريبان ههنا وكل غريب للغريب نسيب
إذا كانت الطوائف الشرقية اليهودية مغبونة في كثير من حقوقها إذا استنطقنا المنهج والدستور السياسي الذي تُحكم بواسطته الدولة والذي يُقرر بأن الدولة يهودية .. وينص على ذلك، ولكن ما سكت عنه هذا الدستور هو تحديد ماهية هذه اليهودية .. التجارب العملية تقول بلسان فصيح مبين إنها اليهودية الاشكنازية .. إنها الاحوسالية .. وهكذا في دولة اليهود بالمفهوم الاشكنازي يتحول الشرقيون الى موقف شبيه بعض الشيء بموقف الأقلية العربية من الدولة ..
وهكذا يظل النموذج الذي ينادي به "المؤرخون الجدد" و"النقاد الاجتماعيين" وبعض الفئات الاخرى "دولة كل مواطنيها" أو "اسرائليية" الدولة والمجتمع، دولة تهتم بقضايا مواطنيها الذين يعيشون في حدودها المعترف بها .. بتعبير آخر تحرير إرادة الدولة من الهيمنة الاشكنازية التي ما هي إلاّ وجه من وجوه الحركة الصهيونية العالمية .. دولة بهذا المفهوم، وتحمل طابع الدولة الحديثة هي التي تُؤْمن الحقوق الشرعية والمدنية لكل مواطنيها، بما فيهم الاشكناز أنفسهم ..
هذا النموذج للدولة ينبغي ان يطالب به كل الطبقات المظلومة ومن بينها الأقلية العربية والطوائف الشرقية اليهودية، والعديد من التنويريين الاشكناز ..
مبدأ العزل والتبعية سياسة اشكنازية:
وحتى لا تلتقي ارادة المظلوم مع غيره من المظلومين تفرض السياسة الاشكنازية مبدأ العزل والتجزئة والتبعية على المواطنين العرب منذ قيام الدولة..: (13)

1: مبدأ التجزئة في المجتمع العربي، بإثارة القطاعات المتعددة (الدرزي، المسيحي، المسلم، والبدوي)، والمجموعات اليهودية: العراقيين، المصريين، المغاربة، اليمنيين، الاثيوبيين ... الخ.
2: مبدأ العزل، والذي أخذ أبعادًا على كل الأصعدة .. عزل البلدات العربية عن بعضها عن طريق اقامة مستوطنات يهودية من حولها، حتى تمنع التواصل الجغرافي بين القرى والمدن العربية ما أمكن ذلك من جهة، وكذلك عزل المؤسسات العامة اليهودية أمام العرب واتخاذ دوائر خاصة بالعرب الى جانب المؤسسات العامة .. ناهيك عن وضع العراقيل الكثيرة أمام العرب الذين يرغبون في السكنى في مدن ومستوطنات يهودية .. وقبل ذلك تصوير العربي على أنه مصدر خطر على الدولة وهذا يقود الى نزع الثقة ما بين العرب واليهود .. سواءً كان ذلك في الحالات القليلة التي قام بها أفراد عرب ضد أمن الدولة، أو كان فيما عرف بالخطر الديموغرافي لهذه الأقلية.
3: التبعية، وهي جعل الأقلية العربية تعتمد في معيشتها على القطاع اليهودي بعد مصادرة الكثير من اراضيها.
كل ذلك يضع العراقيل بين الأقلية العربية واليهود الشرقيين ويمنع من هذا الطرف أو ذاك بث همومه ومشاغله ومشاكله الى الآخر، "الآخر" الذي تتوفر فيه قابلية سماع الشكوى من الآخر ..
من أجل كل ذلك يرى باروخ كيمرلنغ أن الصراع على مستقبل الدولة الاسرائيلية: هويتها، دلالتها، رموزها، يزداد شراسة حتى باتت كل جماعة سكانية تشعر أنها مهددة من جانب الجماعات الأخرى، وكلما اشتد هذا الشعور وتعمق، كلما ازداد الاستعداد لاستخدام العنف الكلامي والجسدي تجاه الداخل أو الخارج على السواء ... على هذه الأرضية وقع الانفجار العنيف في أوساط العرب في اسرائيل في تشرين أول 2000 ثم الرد العنيف من جانب الشرطة.(14) وبدل أن تشتغل الدولة ب"المهمة الصعبة" كما يرى كيمرلنغ، المتمثلة في صنع المستقبل في ظل سلام مع شعوب المنطقة، والاستقرار فيها، كمقدمة لقبولها في أسرة "الشرق الأوسط"، ولكن بدلاً من ذلك، "تفجرّت قضايا التمييز الطائفي واللامساواة وانحرفت سريعًا نحو الدائرة القومية وأنهكتها ... وفي ذلك يرى كيمرلنغ قاسمًا مشتركًا بين العرب الفلسطينيين في اسرائيل وبين اليهود "الحريديم". "يحس العرب بالتمييز ضدهم، وبحق، ليس نتيجة فائض الامتيازات السياسية والاقتصادية والثقافية الممنوحة لليهود، والحقوق الاساسية المحجوبة عن العرب، وحسب، بل لأن صوتهم ومشاكلهم لا تعدّ مشروعة في دولة تعرف نفسها بأنها "يهودية" في قانونها الأساسي .. ويحس "الحريديم" والى حد ما المتدينون القوميون أيضًا، بأنهم محيّدون لأن الدولة التي تدّعي أنها يهودية ما تزال تعطي أفضلية سياسية وثقافية – وإن لم تظل استثنائية – للعليات فيها، وللأنماط والقيم الأساس والنظام الاجتماعي والسياسي لهؤلاء الذين ما زالوا أحوساليين (اشكناز) في جوهرهم.(15)
وتزداد مشكلة اللامساواة صعوبة في اسرائيل في ضوء الحرب الثقافية المزدوجة التي تخوضها الأحوسالية مرة ضد الأقلية العربية وتارة ضد اليهود الشرقيين .. إذ ليس هناك مساواة في توزيع الدخل القومي بين العرب واليهود من جانب، وبين الاشكناز واليهود الشرقيين من جانب آخر، فكما سبق أن ذكرنا فإن اليهودي الاشكنازي يتقاضي مرتبًا يزيد بأكثر من 36% عما يتقاضاه اليهودي الشرقي. وفي ضوء تعدد الثقافات التي تختلف عن مفهوم التعددية الثقافية، ففي نظر الثقافة الاشكنازية التي لا تعترف أصلاً بشرعية الاختلاف الثقافي، تزداد حدة مشكلة اللامساواة المدنية، حيث أن الغالبية اليهودية فهمت ضمنًا وقبلت بذلك التمييز الوقع على الأقلية العربية، ومن هنا يأتي التشويه الكبير لمصطلح "الدمقراطية" في إسرائيل، حين تُعرف الديموقراطية بأنها سلطة الأغلبية على الأقلية، دون الانتباه لضرورة تطبيق حقوق المواطنة والمساواة المدنية على جميع الأقليات .. هذا التمييز على أساس قومي وطائفي التي تمارسه اسرائيل هو في نظر كيمرلنغ "صنيعة صهيونية أحوسالية" توصلت الى نهجها هذا من خلال دمج مختلف الوسائل السياسية والاقتصادية والثقافية .. وقامت بايجاد هيستوريوغرافيا (تأريخ) وميثولوجيا وتفسيرات علمانية للنصوص الدينية، من خلال تسييد اللغة العبرية في الأساس. وهكذا أصبح إيجاد التأريخ الصهيوني الرسمي شكلا من أشكال إيجاد القومية ذاتها (بصورتها الاشكنازية) وقد تمّ نتيجة الدور الذي لعبته فئات يهودية عليا ذات مصالح طبقية ومادية واضحة".(16)
وباستنطاق هذه النصوص وقراءة المسكوت عنه في التوجهات العلنية نرى بأنها الوظيفة المنوطة بالاشكنازية في الهيمنة واحتواء هذا الصراع الثقافي في الأصل لصالحها .. وليست مؤتمرات هيرتسيليا، أو ما عرف ب"وثيقة طبريا" ما هي إلاّ قراءة في المجتمع الاسرائيلي، ومحاولة لدفع أو تأجيل هذه الحرب المتأججة داخل المجتمع اليهودي، وتوجيهها وجهة تطيل عمر الهيمنة الاشكنازية وعلى ذلك فإننا نقرأ بكل وضوح: أن المشكلة الديموغرافية في إسرائيل لها حدّين في نظر الاشكنازية:
1: مشكلة الديموغرافية بين العرب واليهود وهو المعلن عنه والمجهور به.
2: مشكلة الديموغرافية اليهودية اليهودية، بين الطوائف الشرقية وطائفة الاشكناز وهي المشكلة المسكوت عنها، ولكنها تحت العلاج والمجهرية والمراقبة .. حتى لا تنكشف مزاجية الدولة. فإذا كان هذا هو المسكوت عنه، هو ما يجعل علاجه أكثر صعوبة لأن انكشافه على المستوى الجماهيري العام للطوائف الشرقية المغبونة، سيفجر الصراع ويزيده حدة، وهو عامل أصيل ورئيسي ليس فقط في الانحراف المزاجي للساسة الاشكناز، وإنما في حدة هذا المزاج والسلوك الغريب للنفسية الاشكنازية التي لا تستطيع التستر والتكتم على هذه الدوافع النفسية .. مما يجعل السياسي يزداد عصبية وتطرفًا .. هذا المزاج المنحرف هو الذي جعل سياسيين بحجم بيرس ورامون وشارون وغيرهم من القادة يخرجون عن جلودهم مكشوفين عراة يهرولون أو ينهزمون الى الأمام الى "كديما".
هذه المزاجية هي التي فجرت هذا الزلزال الحزبي الذي قاده شارون باسم الاشكنازية يمينها وشمالها وسطها وأطرافها .. هذا الانفجار الذي يعبر عن النفس الاشكنازية المأزومة والمحقونة، مما آلت اليه الأحزاب الاسرائيلية من كثافة الحضور الشرقي المزعج فيها، قد عمل على تشظي المجموعات السياسية لليهود الشرقيين وبعثرتها على خانات عديدة .. حتى يصعب تجمعها في وقت قريب .. وهكذا:
1: تشكل حزب "كديما" بقيادة وهيمنة إشكنازية واضحة، من الصعب اختراقه من قبل القيادات الشرقية التي أصابها الذهول، فلجأت اليه مضطرة، فهم ليسوا أعضاءً مؤسسين فيه، بحقوق كاملة، بل هم كحال الهارب اللاجئ ..
2: ما تبقى من حزب "الليكود" سيكون في قبضة وهيمنة الاشكناز خاصة وقد فاز فعلاً في الانتحابات لرآسة الحزب، إشكنازي هو بنيامين نيتنياهو.
3: زاد الثقل النوعي للإشكناز في حزب العمل، بل إن الشرقيين في قيادة حزب العمل سيتم "حوسلتهم" (جعلهم اشكنازًا ثقافيًا) لشعورهم بالضعف أولاً، وحاجتهم لقيادات أحوسالية تغزوهم من خارج الحزب متظاهرة بدعمهم ولكن في الحقيقة إنما هو دعم للحضور الاشكنازي كحزب ميرتس وجماعة يوسي بيلين وغيرهم.
وهذا يظهر أن هذا الزلزال قد أعدّ له إعدادًا جيدًا .. هذا الزلزال قد أبقى الاشكنازية متجمعة ومتحدة سريعة الحركة .. بينما قام ببعثرة غيرها، وسوف يمر وقت ليس بالقليل حتى يتحسس الشرقيون طريقهم من جديد وتبدأ لعبة جديدة.
الانتخابات البرلمانية القادمة وخيارات الأقلية العربية:
نحن العرب في هذه البلاد لسنا على الحياد، من كل ما يجري من أحداث داخل المجتمع الاسرائيلي، ولا ينبغي أن نكون كذلك في اي حال من الاحوال، بل نحن طرف فيما يجري، شئنا ذلك أم أبينا، حتى المتفرجين على مسرحية، ليسوا حياديين في عواطفهم. فنحن إما أن نكون طرفًا فاعلاً في صنع هذه الأحداث، نحدد فيها إتجاه مصالحنا، ونحاول رسم خطوط مستقبلنا، وإما أن نكون طرفًا لا مباليًا، خارج اللعبة التي تجري أحداثها داخل بيتنا، فنعزل أنفسنا عما يجري في بلادنا..!! عندها نتحول الى طرف متلقي، الى طبقة من الاسفنج تمتص السلبيات والأذى والسوء، التي يفرزها لنا النظام الذي يظلمنا ويريد تغييبنا عن الواقع .. هذه التحولات والتغييرات الجارية في المجتمع الاسرائيلي لها انعكاساتها الايجابية والسلبية علينا، فلا ينبغي لنا ان نتعامل معها بالهروب منها سواءً كان هروبًا الى الأمام، فننسى أنفسنا وهويتنا وقضايانا ونصبح جزءأ موظفًا في مشروع الظلم الواقع علينا، أو هروبًا الى الوراء فننعزل عن الأحداث ونُحرّم على أنفسنا المشاركة في صنع الأحداث بالتصدي لها ومواجهتها بإرادة واعية مستقلة، وبتفاعل حي لا ينقطع عن معايشة الوقائع والأحداث. التفاعل المشروط بالوعي والفهم العميق والشامل لمصالحنا، وتحليل أوضاعنا وظروفنا تحليلاً وافيًا:
1: معرفة يقينية بحركة التاريخ وتحولاته، بحيث نشارك كطرف فاعل في كتابته .. وأن نعلم أن التاريخ البشري ليس سلسلة جبال الهمالايا في ثبوتها على حالها، حتى هذا الثبات متحول ومتغير بمقتضى السُّنّة الجيولوجية التي تتفاعل بها، وحتى الانسان يستطيع أن يُعدّل في ثوبها الخارجي زراعة وفلاحة وغير ذلك ... أما التاريخ البشري فهو متغير ومتحول لا يثبت على حال، وهو متحول بتحول القوى الفاعلة فيه، ولهذا فإن حركة التاريخ تخضع لميزان القوى المتفاعلة فيها. فكل التسويات والمعاهدات والاتفاقيات السياسية وحتى الثقافية الى حد كبير خاضعة لمبدأ التغيير هذا .. هذه الأمور تبقى ثابتة ما دامت المعادلة التي تربط بين القوى الفاعلة متوازنة .. فإذا حدث الخلل في المعادلة، تبع ذلك تلقائيًا الخلل في كل سجلاتها. ولدينا مثالين في تاريخنا الحاضر الذي نعيشه:
1:1: الاتحاد السوڤييتي بالأمس القريب، كان قوة دولية هائلة، استطاع ان يحافظ على قيام المعادلة المتوازنة في العلاقات الدولية، فوقفت الولايات المتحدة عند حدودها ... حتى أن بلدًا صغير مثل كوبا الذي يقع بين فكّي الولايات المتحدة، وعلى أرض كوبا وضع السوڤييت آلات وأجهزة التنصت على الولايات المتحدة،. كان ميزان القوى لا يسمح للولايات المتحدة بإطباق فكيها فتضيع كوبا .. فلما انهار الاتحاد السوفييتي انهارت مع انهياره كل سجلاته التي تحوي معاهداته ومواثيقه وتسوياته، واستبيحت حماه، وأصبحت موسكو، عاصمة الاتحاد السوفييتي، مسرحًا للنشاط السياسي الأمريكي. تعيث فيها فسادًا على ما ترغب وتشتهي.
2:1: المثال الثاني: منظمة الأمم المتحدة في ظل ما كان يعرف بالحرب الباردة بين حلفي وارسو والناتو، والى جانبهما معسكر "الحياد الايجابي" في ظل هذا التوازن استطاع العرب أن ينتزعوا من الجمعية العمومية قرارًا يقضي باعتبار الصهيونية "حركة عنصرية". فلما ذهب الاتحاد السوفييتي، وذهب معه مبدأ "الحياد" وانقسم العالم بحسب المقولة الأمريكية: "من ليس معي فهو ضدي".
باتت الأمم المتحدة وكأنها مؤسسة تابعة للولايات المتحدة، وخادمة لمصالحها، تستطيع أن تمرر من خلالها القرارات التي تريد وهكذا تمّ مصادرة الشرعية الدولية لصالح التفسير الأمريكي لهذه الشرعية:
1:2:1: في هذه الحقبة من السيطرة الأمريكية مُزقت قرارات دولية كثيرة فبدل أن تظل الصهيونية "حركة عنصرية" وهي تمارس اليوم تصفيات عنصرية ضد الشعب الفلسطيني، قامت الأمم "المتحدة" وفي حقيقة الأمر الأمم "المحتلة" بتبرئة الصهيونية وألغت قرارها السابق. أين المواثيق الدولية في ظل غياب موازين القوى...؟
بل أكثر من ذلك، تخصص الأمم "المحتلة" ما يزيد عن 15 مليون دولار، ليس من أجل إطعام من يموتون جوعًا في انحاء العالم، ولكن من أجل نشر ثقافة الهلوكوست في العالم..!
بل إن الأمم "المحتلة" قد ذهبت أبعد من ذلك، باعتبارها إسرائيل والصهيونية شعبًا فوق الشعوب، ودولة فوق الدول، فتتعالى على القانون الدولي، حتى أصبحت تأمر الأمم "المحتلة" بما تراه مناسبًا. يظهر ذلك:
2:2:1: في محاولة تنظيف الدول العربية من كل سلاح يشكل خطرًا في نظر اسرائيل ليس فقط السلاح النووي والكيماوي أو البيولوجي، فإن الحجر والسكين سلاحًا يحظر على الشعب الفلسطيني اقتناؤه، لأن الحجر والسكين مع توفر الإرادة يعتبر سلاحًا .. بينما الطائرة والمدفع والدبابة مع غياب الارادة لا يشكل خطرًا.
3:2:1: تزداد القدرات الاسرائيلية العسكرية مع كل يوم ويزيد مخزونها وترسانتها النووية، فليس من رقيب وليس من حساب .. ولم يجرؤ خادم الصهيونية في الأمم "المحتلة"، كوفي عنان مجرد رفع عينيه في نظرة الى اسرائيل.
4:2:1: أثناء تدمير اسرائيل لمخيم اللاجئين في جنين واجتياحه من قبل جيش "الدفاع" الاسرائيلي شكل كوفي عنان لجنة تقصي الحقائق وطلب منها الذهاب الى الضفة الغربية، والى مخيم جنين .. ولكن اسرائيل أصدرت أمرًا بحل هذه اللجنة، وأعلنت أنها لن تسمح لها بتجاوز حدودها فانصاع الأمين العام للأمم "المحتلة" مسودًا وجهه أكثر مما هو عليه.
5:2:1: تحتل أمريكا وبريطانيا العراق، بتهمة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وبعد أكثر من ثلاث سنوات على احتلاله، بهذه التهمة الكاذبة، والتي كانت الادارة الأمريكية تعلم أنها كاذبة، والتي اعترف بها مؤخرًا الرئيس الأمريكي بوش .. يُقتل العراقيون بمئات الألوف، فلا أمم متحدة ولا يحزنون ..!! بل لقد صرح بوش مؤخرًا بأنه غير آسف على احتلال العراق من أجل امرين: 1) القدرة العلمية العراقية. 2) الجرعة الديموقراطية.
6:2:1: فيما يتعلق بالملف النووي الايراني أو كوريا الشمالية .. نرى كيف تحولت الأمم "المحتلة" الى آلة غبيّة مبرمجة ببرنامج أمريكي صهيوني .. ويظهر الخبير النووي الموظف في اللجنة التابعة للأمم المحتلة – "محمد" البرادعي الذي منح جائزة نوبل لنشاطه في مجال الحد من انتشار السلاح النووي في العالم العربي والاسلامي .. لأنه لا ينفس ببنة شفة عندما يُسأل عن الترسانة النووية الاسرائيلية، ويتحول الى حجر جامد بغير حراك. لو كنت في مكان المجتمع المدني المصري لما قبلت ما تبرع به من حصته في جائزة نوبل .. لأن الحال يغني عن السؤال ... "فليتها لم تزن ولم تتصدق".
7:2:1: احتفلت الأمم المتحدة بيوم المحرقة، وكأن المحرقة حصلت مع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1990 وليس قبل 65 سنة.
8:2:1: تدويل قضية مقتل رفيق الحريري .. الذي أصبح بقدرة الصهيونية المسيحية شخصية تقوم لها الأمم المختلة، ولمّا تقعد بعد .. بينما تغتال شعوب ويقتل مئات الألوف، وتستباح أوطانها، فلا محاكم دولية ولا محقق ميليس ولا حاجة، أين موقف منظمة الأمم النحسة من كل هذا الذي يجري؟ يا ليت ذوي الحريري يرتفعون الى مستوى القضية الوطنية. فيعلنون على الملأ، أن مسئلة لبنان، وقضية الوحدة والسيادة الوطنية اللبنانية أغلى وأثمن عليهم من أي شخصية كانت فلا يسمحون لتدخل دولي في سوريا باسم الحريري، تدخل امريكي صهيوني بينما هم الذين قتلوا الحريري ..! هل أصبح لبنان وتدويله أقل وزنًا من الحريري.؟ أيقاس استقلال لبنان وسوريا بشخصية ما ...؟ ينبغي على آل الحريري أن يرتفعوا فوق جراحهم ويحتسبوا الحريري على شهداء لبنان .. شهداء العرب ... وما أكثرهم..!!
9:2:1: هذه المنظمة المسخ لا ترى غير حقوق الأقليات المهضومة في الدول العربية والاسلامية .. فتقوم بالتدخل ضد هذه الدول تارة تحت شعار الحرية والديموقراطية ... وتارة من أجل حقوق الانسان فتطالب بسلخ بعض الأقاليم عن الدول العربية والاسلامية، كما حدث في اندونيسيا، ويحدث اليوم في السودان، وغيرهما .. ونحن هنا نؤكد من كل قلوبنا بأننا مع حقوق الأقليات وصون كرامتها، لكوننا أقلية تعاني الظلم والغبن، ولكن عيون هذه المنظمة المسخ لا تبصر إلاّ ما يحدث في العالم العربي والاسلامي .. ونحن لا نقرُّ بشكل من الأشكال تعامل هذه الانظمة الاستبدادية مع شعوبها ومع تلك الأقليات...
هذه عيّنات قليلة، وقليلة جدًا من سجلّ يكتب يوميًا تاريخ هذه المنظمة ومن وراءها الصهيونية والامبريالية الامريكية .. تلك المنظمة التي تكيل كل قضية بمكيال يختلف، وتحمل أوجه عديدة ... كل هذا نسوقه لنقول للمواطن العربي والانسان العربي، بأن التاريخ متحول بتحول الظروف والأحوال وبتغيّر ميزان القوى الفاعل فيه .. وليس التاريخ مادة جامدة كما تفهمها العقلية السلفية التقليدية .. من أجل ذلك تجمد على مواقفها وكأنها تمسك بنهاية التاريخ .. وكأن الاتفاقيات والتسويات جبال راسيات تجثم فوق أنوفها ..
لو كانت عقول العرب والاسلاميين حاضرة ومتفاعلة مع الأحداث والوقائع، لاستفادت من الدروس التي يُلقيها عليها الساسة الاسرائيليون صباح مساء طيلة قرن من الزمان .. لو كانت العقول حاضرة لاستفادت من التأويلات والتفسيرات الاسرائيلية للإتفاقيات التي تبرمها وتوقعها عندما تتغير الظروف وتختل موازنة القوى .. كم تسوية واتفاقية داست عليها قبل ان يجف مدادها ..
2: الإعتماد على معرفة مقتضيات حركة التاريخ، فإن ذلك سيسهل أمر اعتماد الحقائق والوقائع الحية المتفاعلة في الحركة الاجتماعية والسياسية والثقافية باستخدام آليات المنهج العقلي والبرهاني في المستوى الديني كما هو في المستوى القومي .. وبهذا نستطيع تجفيف منابع العقلية المسيحانية والمهدوية، التي لا تعتمد حجة ولا برهانًا ولا منطقًا وإنما استسلامًا وتواكلاً يشل حركة الجسم وحركة العقل معًا، وهذا الوضع يمنع التفاعل والتحرك والحضور ضمن التوجه الصحيح .. وهذا يقتضي:
1:2: اعتماد مبدأ الصدق مع النفس ومع الظرف .. فعندما يفكر بعضنا أن الدولة الإسرائيلية هي ظاهرة وقتية عابرة، فسوف يتصرف بوحي من هذا الشعور، فيعيش حياة مؤقتة ينتظر الغد المجهول، الذي سيأتيه بالخير العظيم. المجهول القادم الذي سيضع مفاتيح الدنيا بين أيدينا .. المجهول القادم الذي يحارب عنا حروبنا وينتصر لنا، ولهذا فإن كل تصوراتنا وما تفرزه من نشاط سينطلق من هذه المسلمات .. هذه الذهنيات والعقليات سيظل علاجها للهموم والمشاكل ونظرتها الى الوقائع والاحداث

אין תגובות:

הוסף רשומת תגובה