יום רביעי, 28 ביולי 2010

قادرين كذلك على قيادة الأحزاب فضلاً عن قيادة الدولة .. ولسان حالهم ينطق: "اعطوا الخبز للخبّاز الاشكنازي، ولو أكل نصفه".
2:7:1: الوضع في حزب "الليكود" (التجمع) لم يكن بأحسن حالاً منه في حزب العمل. فالشخصيات الشرقية قد احتلت أماكن متنفذة في قيادة الحزب، فأصبح رئيس الدولة، موسى قصّاب، وهو شرقي، وكذلك دافيد ليفي، مئير شطريت، وسلڤان شالوم وشاؤول عمور، ودافيد مجين، وشاؤول مفاز .. وهذا ما دعا شارون وقيادة حزب العمل، القيام بهذه الخطوة الاستبقاية تحت شعار أن الليكود لم يعد يصلح لتمرير سياسته في هذه المرحلة وهي التسوية مع الفلسطينيين. ومن جهة أخرى دعت بيرس ليعلن أن شارون أقدر على تحقيق السلام من حزب العمل.
وقبل أن يُشاد البيت الاشكنازي الجديد، تداعى الى أرضه مجموعات قيادية من كافة الأطراف الاشكنازية، يأوون اليه ويعملون في الوقت نفسه على تجهيزه وإعداده ... وقبل أن يتم تجهيز هذا الحزب وهيكلته، راحت الاحصائيات تعطيه ما يزيد عن 40 مقعدًا في الكنيست السابعة عشر .. بينما حزب العمل قد تناقص مؤيديه حسب هذه الاحصائيات الى ما لا يزيد عن 18 الى 20 مقعدًا. وهذا يعكس أنّ:
1: الاشكناز ما زالوا يحتفظون بميزة المبادرة، وما زالوا هم القوة المنتجة للعمل السياسي والاقتصادي والثقافي في المجتمع الاسرائيلي. والنخب الشرقية المتنفذة هي تلك التي قبلت "التفرنج" أو التحوسل بلغة كيمرلنغ.
2: أن الشرقيين ما زالوا كالعالم العربي، قوة استهلاكية تعيش على ما يقدمه المنتج الاشكنازي في كل المجالات، بما فيها التنظيم الحزبي.
3: والاشكنازية هي الجواب، لمن يسأل عن ذوبان حزب "التغيير" بقيادة الاشكنازي المتعصب يوسي لبيد، في الحزب الجديد "كديما"، وأحوساليته هي التي ساعدته في الحصول على 17 مقعدًا في الكنيست السادسة عشر.
الإشكنازية والشرق الأوسط ثقافة غازية:
الاشكنازية أو "الاحوسالية" كما يراها كيمرلنغ، هي ثقافة استيطانية غازية، واليهودي في تاريخه يحمل مشروعًا ثقافيًا متجولاً، وهي ثقافة غازية لا بالمعنى التقليدي للغزو .. فهي تتم بأشكال وصور مختلفة وقد تتسلّل بصور شتى لتحتل مراكز رئيسية في الفكر الإنساني عند منحنياته ومنعطفاته .. لذلك عبّرتُ عنها أكثر من مرة: "المعنى المتجول في الحيّز المتغيّر" والثقافة المتجولة، بهذا المعنى، تحمل من خصائصها الذاتية ذات القابلية للتلاقح السريع مع الثقافات الاخرى. فهي وإن كانت في معظمها ثقافة تجميعية ملقحة فهي لا تخلو من الطابع الخاص، الذي يكسبها صفات وخصائص تبدو وكأنها عالمية. فاليهودية لا تذوب في الثقافات الاخرى، لأنها تحمل رؤيا ذاتية بالتفوق والعلو على الآخر، مهما كانت ثقافة هذا الآخر .. ولذلك من الصعب ان تنصهر أو تتلاشى مع الغير.
هكذا كانت جولات اليهودية في بداية تريخها عندما كانت ذات رسالة دينية ربانية، وكذلك جولاتها في التاريخ القديم والأوسط عندما تحولت الى رسالة فكرية او لا دينية. واليهودية بعد أن داخلها شعور الاستعلاءوالتفوق في عنصرها، تحولت الى ديانة غير تبشيرية تكتفي بالعرق والعنصر اليهودي المنحدر من ذات السلالة. ومن أشهر أساليب اليهودية الجوّالة هو مبدأ "التلبُّس" على الآخر، حين ينتحل شخصية الآخر رويدًا رويدًا حتى يصبح هو والآخر كأنّه شخصية واحدة.(10)
ولما كانت "الاحوسالية" وبالتعبير اليومي العادي الاشكنازية غزوًا ثقافيًا، وهذا ما يعكس الحرب الثقافية القائمة منذ فترة في المجتمع الاسرائيلي والتي يقف في جوهرها سؤال: من هو اليهودي؟ هذا السؤال الذي يؤجل البحث فيه، لئلا يتكشف الصراع سافرًا بين الاشكنازية العلمانية الغازية، وبين اليهودية في نسختها الأصلية ذات الجذور الشرقية. والاشكنازية في محاولاتها علمنة اليهودية تكشف عن المدى الذي سيذهب اليه هذا الصراع ... إن خطوة شارون الأخيرة ما هي إلاّ شكل من أشكال هذا الصراع، الذي يبدو خفيًا، ويراد له أن يظل هكذا خفيًا، لأن السفور يشكل خطرًا على الحيّز السياسي ذاته. ويُسرّع بعملية الاستقطاب والفرز العنصري .. ولهذا فنحن أمام:
أ: ثقافة اشكنازية امبريالية استيطانية منظمة وصاحبة السيادة والهيمنة ومدعومة من الغرب الامبريالي، ومن الحركة الصهيونية العالمية.
ب: ثقافة يهودية شرقية، لكنها مجموعات مبعثرة لم تنجح بعد في بناء كيان هيكلي محدد .. مجموعات ما زالت حتى اليوم تهرب من واقعها لتستظل في كنف الاشكنازية.
ج: "الاسرائيلية" الآخذة بالتشكل والتي أضعفتها مؤتمرات هيرتسيليا والتوجه الصهيوني العام الذي جرف المجتمع الاسرائيلي خاصة بعد الانتفاضة الاخيرة .. "الاسرائيلية" التي ترى أن على اسرائيل أن تصبح دولة كل مواطنيها، وأن تهتم بقضايا مواطنيها في حدودها، وأن تعمل على تحرير إرادتها واستقلال قرارها السياسي عن الحركة الصهيونية. وعماد هذا التيار يتشكل من النقاد الاجتماعيين ومجموعة المؤرخين الجدد وجماعات غيرها ... هذا التوجه آخذ بالتشكل ولوبصورة بطيئة ...
وفي ضوء الصراع الثقافي الآخذ بالتوسع بين اليهود الشرقيين والاسرائيلية من جانب وبين "الاحوسالية" من جهة أخرى، هذا الصراع الذي لم تستطع الاشكنازية أو "الفرنجة اليهود" حسمه مع الثقافة الشرقية هل هناك امكانية أن تكسب الاشكنازية هذا الصراع في مستواه الشرق أوسطي..؟ حتى مع ما للغرب والعولمة من هيمنة في طول العالم وعرضه يظهر أن صاحب أطروحة "شرق أوسط جديد" لن يستطيع ان يوجد مثل هذا الشرق..!! وإذا كان بيرس صاحب هذا الكتاب في كلمة له أمام المؤتمر السنوي لرؤساء المجالس والسلطات المحلية وكان يشغل منصب وزير الخارجية، سأله عريف الجلسة: أنت من استطاع ان "يحرر" النقب عام 1948، وانت وراء المشروع النووي الاسرائيلي، وأنت صاحب التاريخ الحافل تتكلم في مقدمة كتابك "شرق أوسط جديد" عن مصافحة محمود عباس وغيره من قيادات منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت تعتبرها اسرائيل ارهابية ... هل تعب شمعون بيرس من السياسة حتى تغيّر على هذه الصورة؟ فأجاب بيرس بكل هدوء: "أنا لم أتغير، واليهود لم يتغيروا، والعرب لم يتغيروا، ولكن الزمان قد تغيّر". فهل صدق بيرس في تصوير حقيقة ما يجري، أم أنّ القواعد الأساسية لشرقه الأوسط الجديد، يجري تغييره على مقتضى المقاس الصهيوني الاشكنازي .. ولكن كل المؤشرات والدلائل والقرائن التاريخية تقول بأن الشرق الأوسط بقيمه ومعاييره وأعرافه العربية (الاسلامية والمسيحية واليهودية) أقوى من الثقافة الاشكنازية الغازية. وبالتالي سوف تصهرها وتهضمها كما هضمت غيرها من المحاولات، كانت هناك محاولات عديدة ومن أبرزها محاولة الاسكندر المكدوني اللعب في المسئلة الديموغرافية، ولكنها فشلت..
والسؤال الذي يُطرح على الاشكنازية، وينتظر جوابها، ما الذي ينبغي أن يسود: القيم والاعراف السائدة أم القيم الوافدة؟ وما هو الأهم، قيم وتعاليم وتقاليد اليهودية أم قيم ومفاهيم الاشكنازية؟ وهل بالإمكان أن يتحول الشرق الأوسط الى جسد غربي (بإسلامه ومسيحيته ويهوديته) يحمل رأسًا إشكنازياً...؟ كما يريده بيرس، شرق أوسط يستهلك من القيم والمعايير والمفاهيم التي ينتجها له الرأس الاشكنازي..! أو لعله يكون الحيّز الجديد الذي سيحتله المعنى المتجول، ويسيطر من خلاله على التنظيم وعلى القرار السياسي والاقتصادي والاعلامي في هذه المنطقة الواسعة من العالم، هذا الجزء من آسيا الذي يتداخل مع كل من اوروبا وأفريقيا...؟
والاطروحات الاشكنازية تتعاقب في تقديمها لأطروحاتها تلك. فمثل هذا الذي يقوله شمعون بيرس مع بداية الألفية الثالثة كان قد قال مثله الفيلسوف اليهودي مارتن بوبر في نظريته التربوية في النصف الأول من القرن العشرين، حين كانت الصهيونية تعمل جاهدة على تهيئة آسيا أمام الحركة الصهيونية وتبْيِئتها للمعنى المتجول، يقول بوبر: "فاليهودية على الرغم من وجودها في العصر الوسيط والحديث، وحركتها التجارية والاقتصادية والثقافية والاعلامية في الغرب .. لكن الشعب اليهودي لم ينس أنه في تاريخ مضى كان ابن هذا الشرق، وأفرغ فيه نشاطه الأدبي والديني فترة طويلة من الزمن ... وهذا ما يؤهل الشعب اليهودي ويجعله أكثر قدرة على دمج روح الشرق، روح آسيا بعقل الغرب".(11)
الأقلية العربية والاشكنازية حوار أم مواجهة:
الصراع الثقافي على هوية الدولة الاسرائيلية ومستقبلها هو حالة مرافقة لتطور المجتمع الاسرائيلي، قد يضعف هذا الصراع او يشتد أُواره تبعًا للظروف التي تمر بها الدولة .. الصراع الثقافي يخبو ويضعف كلما اشتد التوتر بين اسرائيل والعرب الفلسطينيين، يتمّ تأجيل الصراع الاشكنازي الشرقي في المجتمع اليهودي. تنحى جانبًا مطالب المساواة وتحسين ظروف العيش لدى الطوائف اليهودية الشرقية فإن ما يتقاضاه اليهود الشرقيين أقل ب 36% مما يتقاضاه الاشكنازيون(ورد ذلك في الإحصائيات الرسمية التي أذيعت من القناة الثانية الاسرائيلية في نشرة اخبار الساعة السابعة صباحا من يوم 13.12.05)،.. فكم ستكون النسبة أكبر بين ما يتقاضاه الاشكنازي مقارنة مع ما يتقاضاه العربي..!!؟
اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة كنموذج:
إن من الخطأ الظن أن مؤتمرات هيرتسيليا السنوية التي تناقش موضوع: "المناعة والأمن القومي"، والحديث المتواصل عن الخطر الديمغرافي العربي، ما هي إلاّ صورة الغلاف لهذه المؤتمرا، فهذه النخب الأكاديمية، والصفوة السياسية والأمنية وقيادات الأحزاب في اسرائيل ويهود الخارج التي تشارك في هذه المؤتمرات هي في غالبيتها من الاشكناز أو "اليهود المتفرنجين". فهي تعالج موضوع خطر الزيادة العربية الطبيعية بجدية تامة، بينما هي تسكت عندما يتعلق الأمر بالخطر
الديموغرافي اليهودي اليهودي ... وتدرس كذلك الى أي مدى تتعرض الثقافة الاشكنازية للإنحصار داخل المجتمع الاسرائيلي. بتعبير أدق، ميزان القوى الفاعل داخل المجتمع اليهودي بين اليهود الشرقيين وبين الاشكناز، يقول باروخ كيمرلنغ في هذا موضوع التمييز واللامساواة بما يتعلق باليهود الشرقيين. "عدم المساواة الذي ساد منذ البداية، قد تحول الى جزء ثابت من المشهد الاسرائيلي، هذه صراعات متعددة الأبعاد، اقتربت في بعض الأحيان الى حد الحرب الأهلية، وصلت ذروتها بمقتل رئيس الحكومة اسحاق رابين"(12) .... وحتى تبقى السيطرة والسيادة في أيدي الاشكناز من جهة والتوازن الديموغرافي من جهة أخرى فإن برفسور درور يرى وجوب هجرة مليون يهودي غربي من اوروبا والولايات المتحدة في الخمسين سنة القادمة .. أليس كل ذلك من أجل تعزيز السيطرة والهيمنة الاشكنازية...؟
في ظل هذا المناخ الثقافي والسياسي، الذي لا تجهله الطبقة المثقفة من الشرقيين، هل يمكننا القول بأن هذه الطوائف تحاول تقليد الممارسات الوظيفية للوبي اليهودي في الولايات المتحدة الامريكية .. بحيث يشاركون في الحياة السياسية والثقافية الى درجة ما يشبه الاندماج التام في الحياة الحزبية التي أسسهاالاشكناز مع التمايز على المستوى الاثني كما يفعل اليهود في الولايات المتحدة .. كالمحافظة على الطقوس التعبدية الدينية، وعلى الخصوصيات اليهودية التي تتعلق بالمفهوم الديني والتراثي. فبعضهم يندمج اندماجًا تامًا في الحزب الديمقراطي، بحيث يوثر تأثيرًا حاسمًا في المواقف الأمريكية لصالح الطرف الاسرائيلي في صراعه مع العرب والمسلمين. بينما مجموعات أخرى مندمجة في الحزب الجمهوري وتؤدي ذات الدور .. لكن بظل الفارق بين وضع وثقل الصهيونية اليهودية في الولايات المتحدة خاصة في المجال الاقتصادي والاعلامي، والزواج غير الشرعي مع طبقة (WASP) الزنابير أو ما يمكن أن نطلق عليها "المسيحية المتصهينة"، في مقابل وضع وخفة وزن اليهود الشرقيين في اسرائيل:
1: القوة الاقتصادية والثراء الفاحش الذي تملكه الصهيونية في الولايات المتحدة يمكنها من التأثير، ليس فقط على اتخاذ القرارات في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاعلامية وإنما في تنصيب من ترغب من الدمى السياسية في البيت الأبيض.
2: هيمنتها شبه المطلقة على وسائل الاعلام في الولايات المتحدة ابتداءً من الصحيفة والراديو والتلفزيون وانتهاءً بالفلم السينمائي الذي تنتجه هوليوود.
3: قوة التأثير كذلك على بلدان كثيرة في اوروبا، وعلى وسائل الاعلام فيها، نظرًا للمكانة الخاصة التي يحتلها اليهود في هذه البلاد. كل ذلك يشكل ضغطًا دوليًا لصالح اليهودية العالمية .. يضاف اليها ثقل الضغط الاخلاقي على الاوروبيين، وشعورهم بالذنب الذي يلاحقهم من جراء الأذى الذي ألحقوه باليهود خاصة في الحرب العالمية الثانية..
في حين، وفي المقارنة، نرى اليهود الشرقيين في اسرائيل ووزنهم النوعي يختلف، بل إن الأوضاع الاقتصادية والتعليمية تتشابه الى حد ما مع أوضاع الأقلية العربية فاليهود الشرقيون لا يمثلون:
1: الطبقة الغنية في اسرائيل .. بل كما رأينا فإن مستوى معيشة الشرقيين الى الاشكناز لا تتجاوز 60% ولهذا يستطيعون التأثير في المجال المالي. وهذه النسبة هي في مجال الراتب الشهري للموظف أو العامل الشرقي قياسًا مع الاشكنازي. وليست نسبة الغناء والثروة التي يملكها الشرقيين مقارنة مع الاشكناز، فإن هذه النسبة سوف تهبط عن 60% كثرًا وكثيرًا جدًا.
2: والشرقيون أقل مستوى في مجال التعليم. وكذلك في ما يحوزونه من وسائل الاعلام.
3: يبقى الصوت الشرقي في الانتخابات، هو صاحب التأثير الواضح، ولكن بعثرته على أحزاب كثيرة تفقد قوته، وتجعله يعيش على الحالات الاستثنائية، في انتهاز الفرص في الأزمات والمآزق، لكي يحصل على بعض الهبات والصدقات الحكومية المشروطة، كما تفعل "شاس" وغيرها من الحركات الدينية، في الحصول على هبات حكومية، عند تمرير ميزانية الحكومة في الكنيست على سبيل المثال، فهي في لغة الدبلوماسية الاشكنازية يمثلون "حشوكيم" (تتمثل وظيفتها بالصرارة، أو الحجر (مصة) الصغير الذي يضعه البناء تحت الحجر الكبير او المدماك لكي يستقيم). وفيما عدا هذا التأثير، فإن الأصوات الشرقية الكثيرة التي يتقاسمها حزب "العمل" وحزب "الليكود" هي عمليًا تبقى الظاهرة المؤثرة في الحياة الحزبية ..
وكالعادة عندما يبلغ هذا الحضور للشرقيين درجة خطيرة تهدد الهيمنة الاشكنازية، يقوم هؤلاء بانتفاضة على هذه الكيانات الحزبية التي أسسوها هم أنفسهم، إما بتجديدها أو باستبدالها، بحيث يعيد لهم السيطرة والهيمنة من جديد لسنوات أخرى قادمة ... وتظل المعضلة أمام "الاحوساليين" تتمثل في المدى الذي سيظل الاشكناز يلعبون هذه اللعبة بنجاح من غير ان تصطدم بإرادة واعية وصلبة ومستقلة لدى هؤلاء الشرقيين؟
المظلوم للمظلوم رفيق درب ونسيب:
إذا قال امرؤ القيس ذات يوم عندما شارف على الهلاك في إثر عودته من زيارة له لقيصر الروم يطلب نصرته، وكان بقربه قبر لغريبة:
أجارتنا إنّا غريبان ههنا وكل غريب للغريب نسيب
إذا كانت الطوائف الشرقية اليهودية مغبونة في كثير من حقوقها إذا استنطقنا المنهج والدستور السياسي الذي تُحكم بواسطته الدولة والذي يُقرر بأن الدولة يهودية .. وينص على ذلك، ولكن ما سكت عنه هذا الدستور هو تحديد ماهية هذه اليهودية .. التجارب العملية تقول بلسان فصيح مبين إنها اليهودية الاشكنازية .. إنها الاحوسالية .. وهكذا في دولة اليهود بالمفهوم الاشكنازي يتحول الشرقيون الى موقف شبيه بعض الشيء بموقف الأقلية العربية من الدولة ..
وهكذا يظل النموذج الذي ينادي به "المؤرخون الجدد" و"النقاد الاجتماعيين" وبعض الفئات الاخرى "دولة كل مواطنيها" أو "اسرائليية" الدولة والمجتمع، دولة تهتم بقضايا مواطنيها الذين يعيشون في حدودها المعترف بها .. بتعبير آخر تحرير إرادة الدولة من الهيمنة الاشكنازية التي ما هي إلاّ وجه من وجوه الحركة الصهيونية العالمية .. دولة بهذا المفهوم، وتحمل طابع الدولة الحديثة هي التي تُؤْمن الحقوق الشرعية والمدنية لكل مواطنيها، بما فيهم الاشكناز أنفسهم ..
هذا النموذج للدولة ينبغي ان يطالب به كل الطبقات المظلومة ومن بينها الأقلية العربية والطوائف الشرقية اليهودية، والعديد من التنويريين الاشكناز ..
مبدأ العزل والتبعية سياسة اشكنازية:
وحتى لا تلتقي ارادة المظلوم مع غيره من المظلومين تفرض السياسة الاشكنازية مبدأ العزل والتجزئة والتبعية على المواطنين العرب منذ قيام الدولة..: (13)

1: مبدأ التجزئة في المجتمع العربي، بإثارة القطاعات المتعددة (الدرزي، المسيحي، المسلم، والبدوي)، والمجموعات اليهودية: العراقيين، المصريين، المغاربة، اليمنيين، الاثيوبيين ... الخ.
2: مبدأ العزل، والذي أخذ أبعادًا على كل الأصعدة .. عزل البلدات العربية عن بعضها عن طريق اقامة مستوطنات يهودية من حولها، حتى تمنع التواصل الجغرافي بين القرى والمدن العربية ما أمكن ذلك من جهة، وكذلك عزل المؤسسات العامة اليهودية أمام العرب واتخاذ دوائر خاصة بالعرب الى جانب المؤسسات العامة .. ناهيك عن وضع العراقيل الكثيرة أمام العرب الذين يرغبون في السكنى في مدن ومستوطنات يهودية .. وقبل ذلك تصوير العربي على أنه مصدر خطر على الدولة وهذا يقود الى نزع الثقة ما بين العرب واليهود .. سواءً كان ذلك في الحالات القليلة التي قام بها أفراد عرب ضد أمن الدولة، أو كان فيما عرف بالخطر الديموغرافي لهذه الأقلية.
3: التبعية، وهي جعل الأقلية العربية تعتمد في معيشتها على القطاع اليهودي بعد مصادرة الكثير من اراضيها.
كل ذلك يضع العراقيل بين الأقلية العربية واليهود الشرقيين ويمنع من هذا الطرف أو ذاك بث همومه ومشاغله ومشاكله الى الآخر، "الآخر" الذي تتوفر فيه قابلية سماع الشكوى من الآخر ..
من أجل كل ذلك يرى باروخ كيمرلنغ أن الصراع على مستقبل الدولة الاسرائيلية: هويتها، دلالتها، رموزها، يزداد شراسة حتى باتت كل جماعة سكانية تشعر أنها مهددة من جانب الجماعات الأخرى، وكلما اشتد هذا الشعور وتعمق، كلما ازداد الاستعداد لاستخدام العنف الكلامي والجسدي تجاه الداخل أو الخارج على السواء ... على هذه الأرضية وقع الانفجار العنيف في أوساط العرب في اسرائيل في تشرين أول 2000 ثم الرد العنيف من جانب الشرطة.(14) وبدل أن تشتغل الدولة ب"المهمة الصعبة" كما يرى كيمرلنغ، المتمثلة في صنع المستقبل في ظل سلام مع شعوب المنطقة، والاستقرار فيها، كمقدمة لقبولها في أسرة "الشرق الأوسط"، ولكن بدلاً من ذلك، "تفجرّت قضايا التمييز الطائفي واللامساواة وانحرفت سريعًا نحو الدائرة القومية وأنهكتها ... وفي ذلك يرى كيمرلنغ قاسمًا مشتركًا بين العرب الفلسطينيين في اسرائيل وبين اليهود "الحريديم". "يحس العرب بالتمييز ضدهم، وبحق، ليس نتيجة فائض الامتيازات السياسية والاقتصادية والثقافية الممنوحة لليهود، والحقوق الاساسية المحجوبة عن العرب، وحسب، بل لأن صوتهم ومشاكلهم لا تعدّ مشروعة في دولة تعرف نفسها بأنها "يهودية" في قانونها الأساسي .. ويحس "الحريديم" والى حد ما المتدينون القوميون أيضًا، بأنهم محيّدون لأن الدولة التي تدّعي أنها يهودية ما تزال تعطي أفضلية سياسية وثقافية – وإن لم تظل استثنائية – للعليات فيها، وللأنماط والقيم الأساس والنظام الاجتماعي والسياسي لهؤلاء الذين ما زالوا أحوساليين (اشكناز) في جوهرهم.(15)
وتزداد مشكلة اللامساواة صعوبة في اسرائيل في ضوء الحرب الثقافية المزدوجة التي تخوضها الأحوسالية مرة ضد الأقلية العربية وتارة ضد اليهود الشرقيين .. إذ ليس هناك مساواة في توزيع الدخل القومي بين العرب واليهود من جانب، وبين الاشكناز واليهود الشرقيين من جانب آخر، فكما سبق أن ذكرنا فإن اليهودي الاشكنازي يتقاضي مرتبًا يزيد بأكثر من 36% عما يتقاضاه اليهودي الشرقي. وفي ضوء تعدد الثقافات التي تختلف عن مفهوم التعددية الثقافية، ففي نظر الثقافة الاشكنازية التي لا تعترف أصلاً بشرعية الاختلاف الثقافي، تزداد حدة مشكلة اللامساواة المدنية، حيث أن الغالبية اليهودية فهمت ضمنًا وقبلت بذلك التمييز الوقع على الأقلية العربية، ومن هنا يأتي التشويه الكبير لمصطلح "الدمقراطية" في إسرائيل، حين تُعرف الديموقراطية بأنها سلطة الأغلبية على الأقلية، دون الانتباه لضرورة تطبيق حقوق المواطنة والمساواة المدنية على جميع الأقليات .. هذا التمييز على أساس قومي وطائفي التي تمارسه اسرائيل هو في نظر كيمرلنغ "صنيعة صهيونية أحوسالية" توصلت الى نهجها هذا من خلال دمج مختلف الوسائل السياسية والاقتصادية والثقافية .. وقامت بايجاد هيستوريوغرافيا (تأريخ) وميثولوجيا وتفسيرات علمانية للنصوص الدينية، من خلال تسييد اللغة العبرية في الأساس. وهكذا أصبح إيجاد التأريخ الصهيوني الرسمي شكلا من أشكال إيجاد القومية ذاتها (بصورتها الاشكنازية) وقد تمّ نتيجة الدور الذي لعبته فئات يهودية عليا ذات مصالح طبقية ومادية واضحة".(16)
وباستنطاق هذه النصوص وقراءة المسكوت عنه في التوجهات العلنية نرى بأنها الوظيفة المنوطة بالاشكنازية في الهيمنة واحتواء هذا الصراع الثقافي في الأصل لصالحها .. وليست مؤتمرات هيرتسيليا، أو ما عرف ب"وثيقة طبريا" ما هي إلاّ قراءة في المجتمع الاسرائيلي، ومحاولة لدفع أو تأجيل هذه الحرب المتأججة داخل المجتمع اليهودي، وتوجيهها وجهة تطيل عمر الهيمنة الاشكنازية وعلى ذلك فإننا نقرأ بكل وضوح: أن المشكلة الديموغرافية في إسرائيل لها حدّين في نظر الاشكنازية:
1: مشكلة الديموغرافية بين العرب واليهود وهو المعلن عنه والمجهور به.
2: مشكلة الديموغرافية اليهودية اليهودية، بين الطوائف الشرقية وطائفة الاشكناز وهي المشكلة المسكوت عنها، ولكنها تحت العلاج والمجهرية والمراقبة .. حتى لا تنكشف مزاجية الدولة. فإذا كان هذا هو المسكوت عنه، هو ما يجعل علاجه أكثر صعوبة لأن انكشافه على المستوى الجماهيري العام للطوائف الشرقية المغبونة، سيفجر الصراع ويزيده حدة، وهو عامل أصيل ورئيسي ليس فقط في الانحراف المزاجي للساسة الاشكناز، وإنما في حدة هذا المزاج والسلوك الغريب للنفسية الاشكنازية التي لا تستطيع التستر والتكتم على هذه الدوافع النفسية .. مما يجعل السياسي يزداد عصبية وتطرفًا .. هذا المزاج المنحرف هو الذي جعل سياسيين بحجم بيرس ورامون وشارون وغيرهم من القادة يخرجون عن جلودهم مكشوفين عراة يهرولون أو ينهزمون الى الأمام الى "كديما".
هذه المزاجية هي التي فجرت هذا الزلزال الحزبي الذي قاده شارون باسم الاشكنازية يمينها وشمالها وسطها وأطرافها .. هذا الانفجار الذي يعبر عن النفس الاشكنازية المأزومة والمحقونة، مما آلت اليه الأحزاب الاسرائيلية من كثافة الحضور الشرقي المزعج فيها، قد عمل على تشظي المجموعات السياسية لليهود الشرقيين وبعثرتها على خانات عديدة .. حتى يصعب تجمعها في وقت قريب .. وهكذا:
1: تشكل حزب "كديما" بقيادة وهيمنة إشكنازية واضحة، من الصعب اختراقه من قبل القيادات الشرقية التي أصابها الذهول، فلجأت اليه مضطرة، فهم ليسوا أعضاءً مؤسسين فيه، بحقوق كاملة، بل هم كحال الهارب اللاجئ ..
2: ما تبقى من حزب "الليكود" سيكون في قبضة وهيمنة الاشكناز خاصة وقد فاز فعلاً في الانتحابات لرآسة الحزب، إشكنازي هو بنيامين نيتنياهو.
3: زاد الثقل النوعي للإشكناز في حزب العمل، بل إن الشرقيين في قيادة حزب العمل سيتم "حوسلتهم" (جعلهم اشكنازًا ثقافيًا) لشعورهم بالضعف أولاً، وحاجتهم لقيادات أحوسالية تغزوهم من خارج الحزب متظاهرة بدعمهم ولكن في الحقيقة إنما هو دعم للحضور الاشكنازي كحزب ميرتس وجماعة يوسي بيلين وغيرهم.
وهذا يظهر أن هذا الزلزال قد أعدّ له إعدادًا جيدًا .. هذا الزلزال قد أبقى الاشكنازية متجمعة ومتحدة سريعة الحركة .. بينما قام ببعثرة غيرها، وسوف يمر وقت ليس بالقليل حتى يتحسس الشرقيون طريقهم من جديد وتبدأ لعبة جديدة.
الانتخابات البرلمانية القادمة وخيارات الأقلية العربية:
نحن العرب في هذه البلاد لسنا على الحياد، من كل ما يجري من أحداث داخل المجتمع الاسرائيلي، ولا ينبغي أن نكون كذلك في اي حال من الاحوال، بل نحن طرف فيما يجري، شئنا ذلك أم أبينا، حتى المتفرجين على مسرحية، ليسوا حياديين في عواطفهم. فنحن إما أن نكون طرفًا فاعلاً في صنع هذه الأحداث، نحدد فيها إتجاه مصالحنا، ونحاول رسم خطوط مستقبلنا، وإما أن نكون طرفًا لا مباليًا، خارج اللعبة التي تجري أحداثها داخل بيتنا، فنعزل أنفسنا عما يجري في بلادنا..!! عندها نتحول الى طرف متلقي، الى طبقة من الاسفنج تمتص السلبيات والأذى والسوء، التي يفرزها لنا النظام الذي يظلمنا ويريد تغييبنا عن الواقع .. هذه التحولات والتغييرات الجارية في المجتمع الاسرائيلي لها انعكاساتها الايجابية والسلبية علينا، فلا ينبغي لنا ان نتعامل معها بالهروب منها سواءً كان هروبًا الى الأمام، فننسى أنفسنا وهويتنا وقضايانا ونصبح جزءأ موظفًا في مشروع الظلم الواقع علينا، أو هروبًا الى الوراء فننعزل عن الأحداث ونُحرّم على أنفسنا المشاركة في صنع الأحداث بالتصدي لها ومواجهتها بإرادة واعية مستقلة، وبتفاعل حي لا ينقطع عن معايشة الوقائع والأحداث. التفاعل المشروط بالوعي والفهم العميق والشامل لمصالحنا، وتحليل أوضاعنا وظروفنا تحليلاً وافيًا:
1: معرفة يقينية بحركة التاريخ وتحولاته، بحيث نشارك كطرف فاعل في كتابته .. وأن نعلم أن التاريخ البشري ليس سلسلة جبال الهمالايا في ثبوتها على حالها، حتى هذا الثبات متحول ومتغير بمقتضى السُّنّة الجيولوجية التي تتفاعل بها، وحتى الانسان يستطيع أن يُعدّل في ثوبها الخارجي زراعة وفلاحة وغير ذلك ... أما التاريخ البشري فهو متغير ومتحول لا يثبت على حال، وهو متحول بتحول القوى الفاعلة فيه، ولهذا فإن حركة التاريخ تخضع لميزان القوى المتفاعلة فيها. فكل التسويات والمعاهدات والاتفاقيات السياسية وحتى الثقافية الى حد كبير خاضعة لمبدأ التغيير هذا .. هذه الأمور تبقى ثابتة ما دامت المعادلة التي تربط بين القوى الفاعلة متوازنة .. فإذا حدث الخلل في المعادلة، تبع ذلك تلقائيًا الخلل في كل سجلاتها. ولدينا مثالين في تاريخنا الحاضر الذي نعيشه:
1:1: الاتحاد السوڤييتي بالأمس القريب، كان قوة دولية هائلة، استطاع ان يحافظ على قيام المعادلة المتوازنة في العلاقات الدولية، فوقفت الولايات المتحدة عند حدودها ... حتى أن بلدًا صغير مثل كوبا الذي يقع بين فكّي الولايات المتحدة، وعلى أرض كوبا وضع السوڤييت آلات وأجهزة التنصت على الولايات المتحدة،. كان ميزان القوى لا يسمح للولايات المتحدة بإطباق فكيها فتضيع كوبا .. فلما انهار الاتحاد السوفييتي انهارت مع انهياره كل سجلاته التي تحوي معاهداته ومواثيقه وتسوياته، واستبيحت حماه، وأصبحت موسكو، عاصمة الاتحاد السوفييتي، مسرحًا للنشاط السياسي الأمريكي. تعيث فيها فسادًا على ما ترغب وتشتهي.
2:1: المثال الثاني: منظمة الأمم المتحدة في ظل ما كان يعرف بالحرب الباردة بين حلفي وارسو والناتو، والى جانبهما معسكر "الحياد الايجابي" في ظل هذا التوازن استطاع العرب أن ينتزعوا من الجمعية العمومية قرارًا يقضي باعتبار الصهيونية "حركة عنصرية". فلما ذهب الاتحاد السوفييتي، وذهب معه مبدأ "الحياد" وانقسم العالم بحسب المقولة الأمريكية: "من ليس معي فهو ضدي".
باتت الأمم المتحدة وكأنها مؤسسة تابعة للولايات المتحدة، وخادمة لمصالحها، تستطيع أن تمرر من خلالها القرارات التي تريد وهكذا تمّ مصادرة الشرعية الدولية لصالح التفسير الأمريكي لهذه الشرعية:
1:2:1: في هذه الحقبة من السيطرة الأمريكية مُزقت قرارات دولية كثيرة فبدل أن تظل الصهيونية "حركة عنصرية" وهي تمارس اليوم تصفيات عنصرية ضد الشعب الفلسطيني، قامت الأمم "المتحدة" وفي حقيقة الأمر الأمم "المحتلة" بتبرئة الصهيونية وألغت قرارها السابق. أين المواثيق الدولية في ظل غياب موازين القوى...؟
بل أكثر من ذلك، تخصص الأمم "المحتلة" ما يزيد عن 15 مليون دولار، ليس من أجل إطعام من يموتون جوعًا في انحاء العالم، ولكن من أجل نشر ثقافة الهلوكوست في العالم..!
بل إن الأمم "المحتلة" قد ذهبت أبعد من ذلك، باعتبارها إسرائيل والصهيونية شعبًا فوق الشعوب، ودولة فوق الدول، فتتعالى على القانون الدولي، حتى أصبحت تأمر الأمم "المحتلة" بما تراه مناسبًا. يظهر ذلك:
2:2:1: في محاولة تنظيف الدول العربية من كل سلاح يشكل خطرًا في نظر اسرائيل ليس فقط السلاح النووي والكيماوي أو البيولوجي، فإن الحجر والسكين سلاحًا يحظر على الشعب الفلسطيني اقتناؤه، لأن الحجر والسكين مع توفر الإرادة يعتبر سلاحًا .. بينما الطائرة والمدفع والدبابة مع غياب الارادة لا يشكل خطرًا.
3:2:1: تزداد القدرات الاسرائيلية العسكرية مع كل يوم ويزيد مخزونها وترسانتها النووية، فليس من رقيب وليس من حساب .. ولم يجرؤ خادم الصهيونية في الأمم "المحتلة"، كوفي عنان مجرد رفع عينيه في نظرة الى اسرائيل.
4:2:1: أثناء تدمير اسرائيل لمخيم اللاجئين في جنين واجتياحه من قبل جيش "الدفاع" الاسرائيلي شكل كوفي عنان لجنة تقصي الحقائق وطلب منها الذهاب الى الضفة الغربية، والى مخيم جنين .. ولكن اسرائيل أصدرت أمرًا بحل هذه اللجنة، وأعلنت أنها لن تسمح لها بتجاوز حدودها فانصاع الأمين العام للأمم "المحتلة" مسودًا وجهه أكثر مما هو عليه.
5:2:1: تحتل أمريكا وبريطانيا العراق، بتهمة امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل وبعد أكثر من ثلاث سنوات على احتلاله، بهذه التهمة الكاذبة، والتي كانت الادارة الأمريكية تعلم أنها كاذبة، والتي اعترف بها مؤخرًا الرئيس الأمريكي بوش .. يُقتل العراقيون بمئات الألوف، فلا أمم متحدة ولا يحزنون ..!! بل لقد صرح بوش مؤخرًا بأنه غير آسف على احتلال العراق من أجل امرين: 1) القدرة العلمية العراقية. 2) الجرعة الديموقراطية.
6:2:1: فيما يتعلق بالملف النووي الايراني أو كوريا الشمالية .. نرى كيف تحولت الأمم "المحتلة" الى آلة غبيّة مبرمجة ببرنامج أمريكي صهيوني .. ويظهر الخبير النووي الموظف في اللجنة التابعة للأمم المحتلة – "محمد" البرادعي الذي منح جائزة نوبل لنشاطه في مجال الحد من انتشار السلاح النووي في العالم العربي والاسلامي .. لأنه لا ينفس ببنة شفة عندما يُسأل عن الترسانة النووية الاسرائيلية، ويتحول الى حجر جامد بغير حراك. لو كنت في مكان المجتمع المدني المصري لما قبلت ما تبرع به من حصته في جائزة نوبل .. لأن الحال يغني عن السؤال ... "فليتها لم تزن ولم تتصدق".
7:2:1: احتفلت الأمم المتحدة بيوم المحرقة، وكأن المحرقة حصلت مع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1990 وليس قبل 65 سنة.
8:2:1: تدويل قضية مقتل رفيق الحريري .. الذي أصبح بقدرة الصهيونية المسيحية شخصية تقوم لها الأمم المختلة، ولمّا تقعد بعد .. بينما تغتال شعوب ويقتل مئات الألوف، وتستباح أوطانها، فلا محاكم دولية ولا محقق ميليس ولا حاجة، أين موقف منظمة الأمم النحسة من كل هذا الذي يجري؟ يا ليت ذوي الحريري يرتفعون الى مستوى القضية الوطنية. فيعلنون على الملأ، أن مسئلة لبنان، وقضية الوحدة والسيادة الوطنية اللبنانية أغلى وأثمن عليهم من أي شخصية كانت فلا يسمحون لتدخل دولي في سوريا باسم الحريري، تدخل امريكي صهيوني بينما هم الذين قتلوا الحريري ..! هل أصبح لبنان وتدويله أقل وزنًا من الحريري.؟ أيقاس استقلال لبنان وسوريا بشخصية ما ...؟ ينبغي على آل الحريري أن يرتفعوا فوق جراحهم ويحتسبوا الحريري على شهداء لبنان .. شهداء العرب ... وما أكثرهم..!!
9:2:1: هذه المنظمة المسخ لا ترى غير حقوق الأقليات المهضومة في الدول العربية والاسلامية .. فتقوم بالتدخل ضد هذه الدول تارة تحت شعار الحرية والديموقراطية ... وتارة من أجل حقوق الانسان فتطالب بسلخ بعض الأقاليم عن الدول العربية والاسلامية، كما حدث في اندونيسيا، ويحدث اليوم في السودان، وغيرهما .. ونحن هنا نؤكد من كل قلوبنا بأننا مع حقوق الأقليات وصون كرامتها، لكوننا أقلية تعاني الظلم والغبن، ولكن عيون هذه المنظمة المسخ لا تبصر إلاّ ما يحدث في العالم العربي والاسلامي .. ونحن لا نقرُّ بشكل من الأشكال تعامل هذه الانظمة الاستبدادية مع شعوبها ومع تلك الأقليات...
هذه عيّنات قليلة، وقليلة جدًا من سجلّ يكتب يوميًا تاريخ هذه المنظمة ومن وراءها الصهيونية والامبريالية الامريكية .. تلك المنظمة التي تكيل كل قضية بمكيال يختلف، وتحمل أوجه عديدة ... كل هذا نسوقه لنقول للمواطن العربي والانسان العربي، بأن التاريخ متحول بتحول الظروف والأحوال وبتغيّر ميزان القوى الفاعل فيه .. وليس التاريخ مادة جامدة كما تفهمها العقلية السلفية التقليدية .. من أجل ذلك تجمد على مواقفها وكأنها تمسك بنهاية التاريخ .. وكأن الاتفاقيات والتسويات جبال راسيات تجثم فوق أنوفها ..
لو كانت عقول العرب والاسلاميين حاضرة ومتفاعلة مع الأحداث والوقائع، لاستفادت من الدروس التي يُلقيها عليها الساسة الاسرائيليون صباح مساء طيلة قرن من الزمان .. لو كانت العقول حاضرة لاستفادت من التأويلات والتفسيرات الاسرائيلية للإتفاقيات التي تبرمها وتوقعها عندما تتغير الظروف وتختل موازنة القوى .. كم تسوية واتفاقية داست عليها قبل ان يجف مدادها ..
2: الإعتماد على معرفة مقتضيات حركة التاريخ، فإن ذلك سيسهل أمر اعتماد الحقائق والوقائع الحية المتفاعلة في الحركة الاجتماعية والسياسية والثقافية باستخدام آليات المنهج العقلي والبرهاني في المستوى الديني كما هو في المستوى القومي .. وبهذا نستطيع تجفيف منابع العقلية المسيحانية والمهدوية، التي لا تعتمد حجة ولا برهانًا ولا منطقًا وإنما استسلامًا وتواكلاً يشل حركة الجسم وحركة العقل معًا، وهذا الوضع يمنع التفاعل والتحرك والحضور ضمن التوجه الصحيح .. وهذا يقتضي:
1:2: اعتماد مبدأ الصدق مع النفس ومع الظرف .. فعندما يفكر بعضنا أن الدولة الإسرائيلية هي ظاهرة وقتية عابرة، فسوف يتصرف بوحي من هذا الشعور، فيعيش حياة مؤقتة ينتظر الغد المجهول، الذي سيأتيه بالخير العظيم. المجهول القادم الذي سيضع مفاتيح الدنيا بين أيدينا .. المجهول القادم الذي يحارب عنا حروبنا وينتصر لنا، ولهذا فإن كل تصوراتنا وما تفرزه من نشاط سينطلق من هذه المسلمات .. هذه الذهنيات والعقليات سيظل علاجها للهموم والمشاكل ونظرتها الى الوقائع والاحداث تأخذ الصبغة الوقتية العابرة، كمن يبني بنيانه على شفا جرف هار .. ولهذا فإن النفس العربية المثقلة بهذا التصور والمشبعة بمثل هذه المشاعر لن تستطيع ان تندفع وراء مطالبها بكل قواها .. مثل ذلك كمثل مطالبة شيوخنا في بناء الحضارة في دنيا ينبغي ان نزهد فيها ونخلعها من قلوبنا وعقولنا، ونعيش فيها كعابر سبيل يستظل بشجرة ساعة أو ساعتين ثم يذهب. هذه الحياة الدنيا "الباطلة" الفاسدة التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فما الذي يضطرنا أن نقيم فيها حضارة يطيل أملنا بها. العقلية ذاتها بالعفوية والارتجالية ذاتها تدير صراعها من أجل تحصيل حقوقها. انها حركة في اتجاهات متناقضة..!!
1:1:2: فمبدأي السلام والمساواة اللذان ينادي بهما قادة الأقلية العربية ويعلنون أنهم يعملون على تحقيقهما، ليسا السلام الكامل والمساواة التامة .. ولكنه السلام المؤقت الذي يشبه الهدنة لترتيب الاوراق من جديد، وإنعاش الأمل في انتظار القادم المجهول الذي يملك الحل النهائي.
2:1:2: الذين لا يريدون الاشتراك في العملية السياسية المحلية بكل مستوياتها ابتداءً باللجان والجمعيات المدنية، مرورًا بالسلطة المحلية وحتى العمل البرلماني. أو اضطروا ليشاركوا حتى السلطة المحلية، ونكصوا عما وراء ذلك .. هذا السلوك يعكس العقلية المسيحانية المتواكلة، التي تنتظر الفارس المجهول، الذي ستنشق عنه الأرض، أو الذي سيهبط من السماء .. لهذا تجدنا لا نندفع في العملية السياسية الى آخرها، وبكل قوانا .. وحتى إذا هبط من سيهبط من السماء، أو يرتفع من ستنشق عنه الأرض فإن أول من سوف يستجيب لدعوته، وينصر دعوته، هي تلك القوى الفاعلة والمتحركة، الحاضرة دائمًا في تناولها لهمومها ومشاكلها .. وأكثر القوى التي ستخذله وتتخلف عن نصرته، هي تلك القوى القاعدة المتواكلة التي تدّعي انتظاره .. لأنها مغيبة ولا تعيش واقعها وغير حاضرة مع همومها ومشاكلها.
3:1:2: نحن عندما نعتقد بأن الدولة التي نتعامل معها هي ظاهرة عابرة، فسوف تظل مواقفنا متأرجحة مترددة، ويظل كذلك علاجنا لمشاكلنا يتخذ صيغة الحل المؤقت، وحضورنا شبه غائب، وكأن القانون الاسرائيلي الظالم الذي يجعل من بعضنا حاضرًا غائبًا، حاضرًا في معيشته غائبًا عن أملاكه، قد فُصّل ليلائم عقلية هؤلاء المتأرجحون، هؤلاء الذين يعيشون القرن الواحد والعشرين بأجسادهم ومعدهم بينما عقولهم مقيّدة هناك في مكان ما من عصور التخلف والجمود .. الذين يعتقدون بأن الحرب الأخيرة أو أمّ المعارك التي ينتظرونها ستحدث بأدوات قتالية كالقوس والنشاب، والسيف والترس والفرس، في عصر الطائرة والصاروخ النووي، في عصر وصلت به السفن الفضائية في جولاتها في السماء أبعد مما يصل اليه خيالهم .. وهم لا يملكون سيفًا ولا ترسًا، ولو ملكوه لا يحسنون استعماله، لا يتقنون غير تخيّل المعارك الوهمية، هؤلاء لا يعيشون حاضرهم ولا هموم حاضرهم، ولذلك لا يفكرون بها ...!! آن لنا أن نرى وجودنا في بلادنا هذه، وجودًا حاضرًا فاعلاً متحركًا ضمن المعادلة السياسية المطروحة في هذه الدولة .. آن لنا أن نذهب في السعي لتحقيق أهدافنا وغايتنا ومصالحنا بكل قوة وعزيمة ووضوح. آن لنا أن نتحرك بكل كياناتنا، إن الوقوف على رجل واحدة، لا يساعد على الجري .. إذا كان مطلبنا هو المساواة، فينبغي ان نسعى لتحقيقه بكل

אין תגובות:

הוסף רשומת תגובה