יום רביעי, 28 ביולי 2010

لكي نكون أهلا للمشروع الاسلامي بقلم: محمد سعيد ريان-كابول

نقد العقلية السلفية بشقيها السني والشيعي 1. الوقوف فوق الحافة أو على جانبيها: كل المسلمين اليوم بآلاف احزابهم وحركاتهم وجمعياتهم وروابطهم كل منهم يدّعي انه حامل للمشروع الاسلامي ، وحاضن له يرعاه ويتمنى له النصر والازدهار، ويراهن على أنّ منطلقاته اسلامية، وان قيمهُ وأخلاقياته وسلوكياته تقوم على مبادىء الاسلام ومفاهيمه ، على الرغم مما في هذه المواقف من تناقض واختلاف. ويبدو للدارس والباحث في أحوال هذه الجماعات ومقاضاة سلوكياتها بمقتضى مبادىء الاسلام ومفاهيمه ومعاييره ، بأنها تقف في غالبيتها فوق حافة الاسلام وعلى جانبيه او حافتيه الداخلية والخارجية. إما أنّ الأمر كذلك ، وإما ان منطلقات الاسلام وقواعده ومبادئه من الاختلاف والتناقض بحيث أنتجت هذه الامة بما هي عليه من تشظّ وانقسام ، وبما يميز علاقاتها من منازعات وخصومات وصراعات، مما وفر جواً مشحونا بعدم الثقة ، وقد ولد حركة تخبُط في غير اتجاه ، وتفتقر الى الرؤيا الواضحة ، كذلك حاجتها الى المواقف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الصادرة عن مفاهيم ثقافية صحيحة بحيث: 1:1: إما أن مبادىء الاسلام وقواعده وأسسه تتيح هذا التصرف والسلوك ، فهي متعارضة وغير متماسكة في بنيتها الداخلية. ويجيب القرآن الكريم على ذلك بقوله تعالى : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً} (النساء 82). وقوله تعالى :{ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه }( فصلت 42 ). وقوله تعالى :{إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم }(الاسراء 9). وقوله تعالى :{ ألر ،كتاب أنزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات الى النور باذن ربهم الى صراط العزيز الحميد }(ابراهيم 1) . وقوله تعالى :{ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن امّ الكتاب وأُخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يتذكر الا أولو الألباب} ( آل عمران 7 ) . وقوله تعالى :{ ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } (البقرة 2). فهذا الكتاب يرد على تلك الدعوة بأنه كتاب لا تعارض فيه، فهو محكم لا يقربه الباطل وهو يهدي لأفضل السلوك ويخرج اتباعه من الظلمات الى النور ، ويهديهم الى صراط مستقيم . ولكن الاختلاف فيه يتأتى من تأويل البشر وتفسيراتهم التي تعبر عن أهواء وميول وانحراف ، ويصف ذلك القرآن الكريم ان الله أنزل القرآن ليبين للناس ولأهل الكتاب ما اختلفوا فيه : يقول الحق تبارك وتعالى :{ وما أنزلنا عليك الكتاب الا لتبين لهم الذين اختلفوا فيه ..}(النحل 64). ويقول تعالى :{ فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم}{الجاثية 17) . وقوله تعالى :{ان هذا القرآن يقصُّ على بني اسرائيل اكثر الذين هم فيه يختلفون } (النمل 76). وقوله تعالى :{ ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه } (فصلت 54) وعشرات الآيات التي تعزز ما نذهب اليه ، ان الاختلاف في التوراة والانجيل والقرآن جاء من فساد المسؤولين والمفسرين . 2:1: وإما أن فهم هذه الحركات والاحزاب والجماعات ، لقيم الاسلام ومبادئه اصابها الانحراف والزيغ . 3:1: أو أننا :إزاء أدعياء يتاجرون بهذه المبادىء والقيم ...!! وحتى نستطيع ان نصدر عن وعي يصبو الى التكامل ويساعد على صياغة وتشكيل نظرية للمعرفة تعمل على تنميط سلوكياتنا وتعمل بالتالي على تكوين عقلية وذهنية تمارس أسس التفكير المنطقي وتتمكن من انتاج مفاهيم تتفاعل في الفضاء الثقافي العربي والاسلامي، وفي حدود مجاله التداولي . وبذلك نتجاوز حدود القولبة بشتى اصنافها سواء جاءت من التراث او من ثقافة "الآخر" ، هذه المفاهيم التي تهدي الى توفير المقاس الموضوعي الخاص، الذي تقاس عليه كل تفاعلات وانفعالات الذات العربية الاسلامية على المستوى الفرد والجماعة ، وكذلك الخاص والعام ، عند تناول قضايانا المتعددة والمتنوعة..الأمر الذي يجعل من الذهن شعلة متوقدة تضيء القضايا ، وتكسبها النشاط والحيوية الحركية في تحقيق ذاتها ... انتاج المفاهيم التي نستخدمها في تعاملنا مع الكليات الجزئيات ... هذه المفاهيم المؤسسة على منطق يستوعب المتغيرات الظرفية التي تلحق وتتابع الأحداث والوقائع . وحتى يكون لنا كل هذا فلا بد من توفر ثلاثة أمور أساسية : الاول: معرفة يقينية جادة بأصول ومبادىء الاسلام وقواعده وقيمه . الثاني: التعامل الجدي والصادق والمخلص مع المنظومة المعرفية المتحصلة من الدراسات الجادة والعميقة لأصول الاسلام ومبادئه والتخلي عن الخطاب العفوي وسطحيته وسذاجته . الثالث: وهذان الأمران لا يتوفران الا اذا توفرت ارادة واعية مستقلة ، وأن يتنازل العنصر السلفي المتخلف او يُضطر الى ازاحة ثقل غبائِه وحماقته الجاثم على فكر الامة والمغيّب لعقلها ، حتى تستطيع ان تسترد عافيتها وصحتها العقلية. واذا كان حال الامة وواقعها يُنبىء ويشير الى وجود سلبيات متداخلة ،وجود مستويات من الفهم والادراك لمبادىء الاسلام وقيمه ، يضاف اليه ، عامل التوجس من صدق التوجه في طرح قضايا الامة الاسلامية ، وتنقية كيان الامة من الدخلاء والادعياء ، كما إن الانتماء المذهبي وما حفر عميقا في النفس العربية والمسلمة ، واذا كان وضع الامة كهذا فلا ينفع معها حركة اصلاحية او تجديدية ، او عمليات تمرد هنا وهناك ضد العقلية والذهنية المذهبية والتقليدية السلفية ، وانما تحتاج الى انفجار عظيم ، يرتب اوراقها من جديد انفجار على مستوى المعلومات المعرفية ، وانفجار على مستوى الاخلاق.انفجار شبيه بالانفجار الذي حدث للامة اول مرة في عهد النبي الكريم ، انفجار يعيد تكوين وصياغة الامة في عقليتها وفي أخلاقها . من أجل كل ذلك ، فلا بد من اعتماد منهجية واضحة وصارمة في تقييم المصادر والمرجعيات التي تساهم وساهمت في صياغة ذهنية الامة وفضائها الثقافي منهجية تعمل على صهر ارادة الامة وصقلها في معامل النقد والتفكيك والتحليل... منهجية تصدر عن مرجعية واحدة يمكن اعتمادها كمصدر رئيسي لانتاج قيم الامة واعرافها ، وتمكنها من ايجاد قواسم مشتركة تنطلق منها حركة الامة وتساعدها في ممارسة نشاطها الذهني مع القضايا العامة والجزئية. 2:1: مرجعية الامة: وما عساها ان تكون هذه المرجعية ؟ هل هو مبدؤها الديني الاسلامي؟ ام هو التاريخ المشترك والثقافة الواحدة ؟ أم هو البعد القومي المكون لهذه الامة؟ ام لعله العامل الاقتصادي والسياسي ؟ واذا كنا امة مسلمة ، تعتمد الاسلام دينا وهوية ، فما هي مكونات هذا الاسلام؟ هل هي القرآن والسنة والتاريخ ؟ ام هي بعض من هذه وتلك بنسب متفاوتة؟ 1:2:1.إن عامل التاريخ ينبغي ان ينظر اليه على مستويين: 1:1:2:1:مستوى العلاقات الداخلية ، التي تشكل نسيج الامة: في عقلها ومزاجها وعواطفها التي تشكل مجتمعة شخصية الامة ...هذه العلاقات التي تتأثر بمدى الانسجام بين فئات المجتمع وشرائحه ، وقواه المتعددة - وقوة ترابطها ، والاتجاه التحريكي لنشاطها وخط سيرها ..وعلى صعيد آخر: مدى الانشقاقات والصراعات والخلافات الداخلية بين الطوائف والملل والنحل التي تكوّن كيان الامة ، ومدى تأثير كل ذلك على هوية الامة وسرعة تحركها ؟وهل الترابط الداخلي بين مكونات الامة ومركباتها متوفر بدرجة يُمكن من وجود مركزية جذب ذات كثافة عالية ؟وهل بلغ هذا الترابط الداخلي حداً يجعلنا نقول: ان للامة وزناً نوعيا واحدا ..؟ الأمر الذي يجعل من الامة كيانا سياسيا واقتصاديا وثقافيا وعقديا واحدا في مواجهة "الآخر" على ما في كيان الامة من تعدد...! 2:1:2:1: حتى تكون الامة بالنوعية التي ذكر ينبغي ان يكون لها وجهاً واحداً، وهنا لا بد من تساؤل: هل الامة بشطريها:السنة وما تحتوي من مجموعات ، والشيعة لمركباتها، يمكن اعتبارهما وجهاً واحداً لامة واحدة؟ ام هما يشكلان وجهان لامة واحدة ...؟ ام هي الامة ذات الرؤوس المتعددة ؟ ان الدارس المدقق لمبادىء الاسلام في صور تعاليم القرآن الكريم ولتصرفات وسلوكيات المجموعات التي تتألف منها الامة يجعل اختيارنا للعنوان الثاني يبدو صحيحاً .. إن الجميع يقف: إما فوق حافة الاسلام وإما على جانبي هذه الحافة ...وحتى اليوم يبدو لي ان من يقتربون من مركز القيم الاسلامية وجوهرها ما زالت ظاهرة فردية شخصية تتسلل تسللا من الحرس الذي يقف عند الحافة ، وهذا التسلل أشبه بالمغامرات الفردية .لهذا قلنا : نحن بحاجة الى انفجار عظيم..!! 2:2:1: على مستوى التعامل مع الأحداث الخارجية ..هل يمكن اعتبار العلاقة مع "الآخر" غير الاسلامي تصدر عن موقف واحد؟ ام هناك تعدد في التعامل مع الحدث الخارجي؟ وهل وصلت مواقف الامة في التعامل مع الحدث الخارجي حدا يصل الى خيانة الذات ، والتآمر مع " الآخر"؟ واذا كان الأمر كذلك ، وهو بكل تأكيد كذلك ، فعلينا ان ندرس العوامل التي قد تساعد على التسريع لإحداث الانفجار العظيم .وكذلك العوامل التي تساعد على تجميع الامة وتوحيدها ، وتعيين وتحديد مرجعية واحدة يمكن اعتمادها ..وفي المقابل كشف الآفات التي تساهم في تكريس الفرقة بين المسلمين. اما تاريح الأمة ، فهو حزمة من الاشواك الشائكة ، التي يستعصي الامساك بها ودوام القبض عليها ..تاريخنا عبارة عن حروب فئوية وطائفية دامية ..صراعات عنيفة بين القبائل العربية قبل ظهور الاسلام . فقد كانت هذه القبائل تدين بالطاعة : إما لنفوذ قياصرة الروم او لأكسارة الفرس، وبعضا ثالثا للحبشة ... والقليل منها يعيش حرا خارج مناطق النفوذ ولكنه أسير الخشونة والعنف البيئي الذي كانت تصوغ قيم وأعراف البادية ..مع العلم ان الكثير من قيم البادية واعرافها كانت جميلة وراقية كالمروءة والكرم وإغاثة الملهوف والوفاء بالعهود وغير ذلك .. جاء الاسلام والعرب على ما ذكرنا فعمل على إخراجهم امة واحدة ، ظلت هذه الروح سائدة في فترة النبوة ،. حين كانت حرارة العقيدة واشعاعات الدين من القوة ، بحيث استطاعت تحديد وتهذيب العديد من قيم البادية وعصبيتها الى حين من الدهر ، ثم انبعثت تلك القيم تدريجيا تناسباً طردياً مع برودة العقيدة وضعف اشعاعاتها في النفوس ، فطفا مرة اخرى ما كان أصيلا في الطبع على سطح الحياة السياسية والاجتماعية والدينية... وقد كانت السلطة تشكل في العديد من الحالات عوامل تساعد على إذكاء روح العصبية القبلية او الطائفية ... او كانت تعمل على قمعها ، الكل يتمشى مع مصلحة النظام الحاكم. وأما الكيان الاجتماعي والديني فقد حافظ على هويته الاسلامية وظلت تمثل كثافة عالية ، ومحافظة على وزن نوعي واحد بنسب متفاوتة منذ عصر النبوة والخلافة الراشدة ، ثم تفجرت الصراعات السياسية والتي أخذت أشكالاً أيديولوجية ، وبلغت من العنف حد التكفير بين الجماعات المتصارعة . واستخدام السلاح الديني ممثلا بمدارس الحديث التي نشطت في انتاج الأحاديث التي تخدم أغراضها السياسية والدنيوية.وهكذا تم توظيف الدين لصالح الدنيا..وعندما نقول وصل الصراع بين الجماعات الى حد التكفير ، فان هذا يعني ان الذات الجماعية فقدت هويتها الصحيحة ، وبلغت درجة خلفت في كياناتها الداخلية(آخراً) و(آخرين) وصلت العلاقة بينهم حدا يستوجب استخدام السيف ، هذه الجماعات :كالخوارج لفئاتهم ، وآل أمية ، وشيعة آل البيت ، وبني العباس ثم الممالك الاسلامية المتنازعة وغيرهم الكثير . وقد ساهم هذا التاريخ الذي اعتمد البعد الديني في إعلامه في إذكاء الصراع خاصة بعد ان دخل منطقة "المقدس" وتحريم المساس به سواء كان نقداً او تحليلاً او تقييماً ..ومن ثمّ فقد أخذ التاريخ دوراً مهما ، بل يكاد يكون رئيسيا في صياغة الطقوس الدينية في حياة كثير من الجماعات الدينية طقوساً يتعبّد بها . هذه مسؤولية إضافية ، تتحدى مفكري الامة ونخبها المثقفة ، من أجل العمل على تنقية وتصفية الممارسات التعبدية من تأثير التاريخ ودوره في صياغة الكثير من مفاهيم الاسلام ، دور هذا التاريخ في تشكيل العقلية السلفية المقلدة . هذا التاريخ الذي جهد على إقصاء قيم القرآن الكريم الصافية بخلق ند وشريك له هو "الحديث" حتى تكونت هناك كتباً الى جانب كتاب الله، بل وصل الأمر بمدرسة الحديث ان جعلت "الحديث" قاضياً على كتاب الله يُقيده او يخصصه او ينسخه . واذا كنا لا نقبل ان يصوغ لنا التاريخ معتقداتنا ، او يُقوْلب لنا نمط حياتنا وسلوكياتنا ، فيطلق يد الماضي في رسم حدود حاضرنا ومستقبلنا ، ومحاصرة تفكيرنا، وليّ اعناقنا الى الخلف الى الماضي نستمد منه صورة الحاضر والواقع والمستقبل ، بكلمات اخرى: ان يفكر الماضي للحاضر ، والسلف للخلف، وتخرج من هذا المعنى ، التخطيط والدراسات المستقبلية التي تحصل من جيل الى جيل.مع الأخذ بعين الاعتبار، حق الأبناء والأحفاد ممثلين بالخلف في الاستئناف على تخطيط الآباء والسلف ،حق تعديل بل تغيير تلك البرامج والخطط على ضوء مستجدات الواقع وأحداثه الموضوعية . ولكن الذي حدث في تاريخ الفقه والتراث الاسلاميين، ان الماضي قد تعالى على النقد والتفنيد،ودخل منطقة"القداسة اللامفكر فيها" .. واختلط النص بسلطة النص، والالهي بالبشري فأصبحنا إزاء اشكالية تحول بعض البشر الى آلهة لا يطولها النقد، ولا تستسيغ الحوار والجدل معها ولا تقبله تماما كما تجسدت الألوهية في بني اسرائيل فأصبحوا "الشعب المختار"و"النور بين الأمم"الى غير ذلك من تعابير التعالي والقدسية التي لا ينسحب عليها قانون البشر ، وكذلك تجسد الألوهية في نبي الله عيسى عليه السلام .















آفة البعد الشخصاني في حياة الامة: اذا صح ان رسول الله & ، قال :( تركت فيكم أمرين ، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابداً: كتاب الله وسنتي) بحيث يكون مفهوم السنة هي التي تدور مع كتاب الله حيث دار، وتتحرك بالإتجاه الذي يتحرك فيه ولا تخرج عن حركته ومساره فضلا عن ان تعاكسه او تنسخه ، او تصبح قاضية وحاكمة عليه ،فالكتاب والسنة بهذا المفهوم ، يشكلان المحور الذي يدور حوله المسلمون ، بل ينبغي ان يشكل الثقل المركزي في العمل الاسلامي، وبكلمات مالك بن نبي، فالمسلم يدور حول عالم الفكر والقضايا ، بخلاف غيره الذي يدور حول عالم الاشياء ، وسوف نسوق بعض الأمثلة التي توضح ذلك: عندما جاء أشراف قريش وصناديدها يساومون ابا طالب، ان يحمل رسول الله عن الكف عن دعوته، ويعطونه مقابل ذلك عالم الاشياء في هذه الدنيا من: مال ، وجاه وملك ونساء ..بتعبير آخر قدموا اليه يحاورونه من اجل ترك الفكرة والقضية والمبدأ في مقابل عالم الأشياء المتمثل بمتاع الدنيا ، ولكنه يرفض ، حتى لو وضعوا الشمس في يمينه والقمر في شماله . عندما أشاع المشركون ، يوم أُحد ،مقتل رسول الله& ، ماذا كان رد علي بن ابي طالب على ذلك؟ هل حدثته نفسه ان يثأر لابن عمه وأخيه ووالد زوجته وربيبه ؟ في مثل هذه المواقف الحرجة، تصدق العزائم القائمة على العقيدة الراسخة الواضحة، وتميز عن السلوكيات المنبعثة من الغريزة. كان - كرم الله وجهه- يميّز بين الرسول البشر ، وبين رسالة الرسول الخالدة ، بين الشخص مهما علت وسمت منزلته ، وبين الفكرة والقضية والمبدأ، ولهذا أطلقها قوية عظيمة :( سأقاتل على ما قاتل عليه رسول الله حتى أذوق ما ذاق حمزة بن عبد المطلب ) وكان حمزة قد استشهد مع بدايات المعركة. وهذا عليّ نفسه ، فتى الاسلام ، يوم الخندق -معركة الاحزاب- عندما خرج لملاقاة جبار الجاهلية وفارسها عمرو بن ود ، وقد أحجمت الفرسان عن لقائه ومبارزته، ورسول الله & خائف على ابن عمه من بطش ذلك الجبار، ولكن فتى الاسلام كان ينظر اليها، كمبارزة بين موقفين، بين فكرين ، بين الحق وبين الباطل، بين الاسلام ممثلا فيه ، وبين الجاهلية ممثلة في ابن ود، بين رسالة الاصلاح وبين فوضى الفساد . ومرة ثالثة ،في ذلك الموقف الرائع ، يوم ساق اليه عبد الرحمن بن عوف الدنيا ، ممثلة بالخلافة كما يفهمها ابن عوف، وكان الخيار الصعب: بين الخلافة والسلطان ، وبين نقاء مفهوم الاسلام وصفائه، فينحاز عليّ بقوة وحزم وصراحة من غير تردد او تلعثم حيث الاسلام ومبادئه وقيمه، يقول عبد الرحمن بن عوف :" يا علي، أتبايعني على كتاب الله وسنة رسوله وما كان من صاحبيه : أبي بكر وعمر ..؟". فيسحب عليّ - كرم الله وجهه- يده بسرعة وقوة وهو يقول :" لا والله ، بل أبايعك وأبايع الامة على كتاب الله وسنة نبيه وأجتهد طاقتي"." وهذا هو الموقف الفيصل بين الانتماء لمبادىء الاسلام وقيمه عارية عن كل سلفية وتقليد ، حتى وأن كان من ابي بكر وعمر، وهو تخليص ما هو الهي مما هو بشري، وتمييز واضح بين النص وسلطته ، ويخسر فتى الاسلام ،الخلافة بمفهومها السلفي ليحتفظ بالاسلام ناصعاً لا لبس فيه ولا غموض . كثيرون من الصحابة ، من كانت قضايا الاسلام أغلى عندهم من ابنائهم وأزواجهم ، واخوانهم وعشيرتهم ..حدث ذلك مع ابي بكر ، رضي الله عنه ، يوم بدر وهو يقاتل تحت لواء الاسلام وابنه محمد في صفوف المشركين . وهذا ابو عبيدة عامر بن الجراج يقاتل الى جانب رسول الله، ووالده في معسكر المشركين وتذهب بعض الروايات الى حد قتله لأبيه يوم بدر ..وهذا مصعب بن عمير يقول لوالدته ، وهي تستدر عطفه بمرضها، على ترك دين محمد ، فيقول:" لو كان لك مئة نفس وخرجت نفس في إثر نفس ما تركت دين محمد ..وهذا حذيفة يقتل والده وأخاه وعمه يوم بدر وهو يخوض الحرب في جيش محمد ، عليه وعلى آله الصلاة والسلام ..والأمثلة لاتنضب في حياة المسلمين . وهذا الفاروق عمر ، رضي الله عنه ، يخالف فقه ابي بكر في قضية تقسيم الفيء ، والموقف من سيف الله خالد، حيث كان أول عمل يستهل به خلافته هو عزل خالد عن قيادة جيوش المسلمين في الشام وهو أمام معركة خطيرة وحاسمة في تاريخ المسلمين. ويبرر ذلك عمر رضي الله عنه - بقوله :" والله ما عزلت خالدا لخيانة او ضغينة ، وانما افتتن الناس بخالد وأخشى ان يُفتتن خالد بنفسه" ؟!َ فقد كان لخالد دراية في الحروب وعبقرية في التخطيط لها ، ما جعل الكثير من المسلمين يرغبون ان يحاربوا تحت قيادة خالد، ظناً منهم ان انتصارات خالد راجعة لعبقريته الحربية فقط... ولكن مع دور البراعة العسكرية ودقة التخطيط وغيرها من الكفاءات في التأثير على نتائج الحرب، الا أن ذلك اذا زاد وأفرط الناس في الاعتماد عليه قد يؤدي الى انحراف في العقيدة ..لأن النصر من عند الله وحده . هذه عيّنات قليلة وقليلة جدا ، مما يزخر بها تاريخ الاسلام وكلها تشير، وتدل دلالة قاطعة: على ان مبادئ العقيدة وقيم الاسلام ينبغي ان تظل الموجّه والمحرك الرئيسي والأساسي لحركة الفرد والجماعة في المجتمع الاسلامي عندما يزهو بصحته وعافيته ، وفي هذا المعنى يقول علي بن ابي طالب :" أعرف الحق تعرف أهله". وعلى ذلك فالاسلام يربي أهله على الدوران حول مركزية الافكار والعقائد... مركزية القضية والمبدأ، فان الفكرة والقضية من الكثافة العالية ما تجذب اليها النشاط الاجتماعي والفردي ليدور حول مركز جذبها .مركزية الجذب تبقى هي الموجّه والمحرك لنشاط الانسان وفعالياته . اما عندما تتقدم قضية:" أحقية أبي بكر على عليّ "،بالخلافة او العكس ، على هموم المسلمين اليوم او على قضايا نصرة الاسلام. عندما نتعلق بالقضية التاريخية اكثر من تعلقنا بواقع المسلمين وهمومهم ، فان ذلك مؤشر واضح على ان خللاً ما قد حصل في المساحة التي ينبغي ان تحتلها القضايا والمبادىء والافكار في حياة الاشخاص والجماعات ... وهكذا فقد: 1:2:فقد اختزلت قضية الاسلام الكلية والمركزية في واقعة وحادثة معينة ، محددة ومشخصنة ، وهي "أحقية"الخلافة: أتكون من حق أبي بكر وعمر ، ام من حق علي وآل البيت ؟ وانقسمت الامة في تاريخها المبكر حول هذه المسألة وما زالت حتى اليوم منقسمة وكأنها تعيش اليوم تلك اللحظة التاريخية ، لم يكن انقسامها على خلفية اجتهاد في تأويل القضايا والأحكام والمبادىء والقيم العامة، بل ألبست صراعها السياسي وأسقطت عليه مفاهيم عقائدية أيديولوجية ، ولهذا كان الصراع مريراً ومتجدداً ..بل هو خلاف حول الأشخاص..وقد نجحت الحركة الكائدة للاسلام من التلبيس على عقائد المسلمين ، عن طريق شخصنة القضايا وتأثير ذلك على مجمل نشاط المسلمين وفعالياتهم، والموقف السياسي هو الذي حذا بالمسلمين الى انتاج للحديث بهذه الغرائز ومن ثم تشكلت مدرسة الحديث، كتباً الى جانب كتاب الله ..وتم رفع البشري الى مستوى الالوهية سواءً كان في شخص الرسول، والذي اختار " أن يكون عبد الله ورسوله" أو في شخص الصحابة او الفقهاء والمحدثين .. تماما كما حدث للنصرانية واليهودية ، وبقيت الامة في خلاف حول هذه القضايا حتى يومنا هذا ..وهذا دليل قاطع على صياغة العقلية والذهنية السلفية في الامة ، بحيث اصبحت تدور حول عالم الاشخاص بدل اعتماد القيم والمثل والمبادىء العامة وتفرع عن ذلك وفي خدمة هذا النهج : 1:1:2:الانتاج السخي والغزير لمدارس الحديث، حيث نشطت كل مدرسة في صياغة الاحاديث وحبك روايتها وأسانيدها،والتي تدعم مواقفها السياسية ، وهكذا تم توزيع الرسول الكريم & على مدارس الحديث المتعارضة ، وكأن الرسول الواحد قد أصبح رسلا كثيرين.وبلغت الرواية عن رسول الله ما يزيد على ستمائة الف حديث ، صح منها بموجب مدارس الحديث هذه ما يقرب من ستة آلاف حديث... وهذه الستة آلاف فيها من الأحاديث التي تعارض صريح القرآن الشيء الكثير، وهكذا فان نسبة ما صح من الحديث من مجموع ما روي عن الرسول & ،عند أهل السنة فقط أقل من ٪1 وهذا الواحد في المئة يحتاج الى دراسة منهجية لتصنيف ما صح منه تقوم على مقارنة من الحديث مع كتاب الله ، من غير ان ينظر الى حبك وحياكة الأسانيد. 2:1:2:تمّ اعتبار الحديث وحياً من عند الله، فأصبح له قدسية القرآن الكريم ، بل بانت الأحاديث حاكمة وقاضية على كتاب الله تقيِّدُ آياته وتطلقها ، وتخصصها وتعممها وتنسخها .وتعالى البشري الى منزلة الالهي.
إن النصوص النبوية وآيات القرآن الكريم جاءت تؤكد على "بشرية الرسول"، وجاءت تُميّز تمييزًا واضحًا لا لبس فيه بين الحق الإلهي المقدس، وبين ما هو ظن بشري صدر عن الرسول نفسه، صلى الله عليه وسلم، في أمور الدنيا .. بين الوحي الإلهي في أمور الدين وما يتعلق به من سلوك وعبادة وطقوس. وبين نظام الحياة وأمور الدنيا. فاجتهاد الرسول يكون فيها بكونه بشريًا .. وما زال القرآن الكريم يؤكد هذا المعنى ويكرّسه ويعمق معناه في حياة المسلمين، من أجل تكوين عقلية ونفسية وثقافة ترتكز على هذه المنطلقات والمسلمات التي تقوم على هذا الفهم لطبيعة النبوة البشرية التي تتلقى دينها عن الله، سبحانه، فقال: * "قل سبحان ربي هل كنت إلاّ بشرًا رسولاً" (الإسراء 93) وقوله: * "قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليه ..." (الكهف 110) بل لقد حكى القرآن الكريم استغراب مشركي قريش حين قالوا: * "ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق" (الفرقان 7) وقوله: * "ما هذا إلاّ بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه.." (المؤمنون 32) وقولهم: * "ما هذا إلاّ بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم .." (المؤمنون 24) وقوله: * "إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد ...." (فصلت 6).
وهكذا كان يمارس الرسول الحياة بين أصحابه، وفي حضانة مجتمعه وبين الناس يأكل كما يأكلون ومما يأكلون، ويشرب مما يشربون، يفرح كما يفرحون، ويحزن كما يحزنون .. يرضى ويغضب .. يحب ويكره .. يرغب ويتمنى .. ويمرض ويشفى، مثل كل الناس. وقد بالغ الاسلام على تأكيد بشرية الرسول، حتى صار الناس على وعي كامل بها. فهذا عبد الله بن عمرو يقول: "كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله، أريد حفظه، فنهتني قريش (يعني المهاجرين) وقالت: تكتب كل ما تسمعه من رسول الله، عليه الصلاة والسلام، وهو بشر يتكلم في الرضى والغضب.(4)
إن هذه "البشرية" التي يؤكدها القرآن العظيم، وكذلك النبي، عليه وعلى آله الصلاة والسلام – وصحابته، تخرج بالضرورة البدهية كثيرًا من أقواله وأفعاله، صلى الله عليه وسلم، من دائرة الدين والالزام. ومع ذلك، لم يكتف – عليه الصلاة والسلام، بحكم الضرورة البدهية بل عمد الى تأكيدها بنصوص صريحة مشهورة، وكأنه، عليه الصلاة والسلام، يعلم ما سوف تحدثه أمته من امور الدين والدنيا ...
1: في مسئلة "تأبير النخل" يقول الرسول (ص): "إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي، فإنما أنا بشر" (رواه مسلم والنسائي). وفي رواية أخرى عند مسلم انه قال: "إني ظننت ظنًا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئًا فخذوا به. فإني لن أكذب على الله، عز وجل، ثم قال في رواية أخرى: "أنتم أعلم بأمر دنياكم". وفي رواية لأحمد: "ما كان من أمر دينكم فإلي، وما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به".(5)
هنا تتجلى معاني الإسلام العظيمة في قوة بيانها وتمييزها ووضوحها بين أمور الدين، التي هي وحيٌ من عند الله الى رسوله، فلا يكذب الرسول على ربه، فلزم الأخذ بها والعمل بمقتضاها. فهي نصوص محكمة ومتشابهة تحتمل التأويل والتفسير، وبين أمور الدنيا ونظامها، التي هي مجال اجتهاد عقولنا ومحط تجاربنا. فقول الرسول من عند نفسه في أمور الدنيا، يبقى كما قال عليه الصلاة والسلام، في دائرة "الظن" يحتمل الخطأ والصواب. والرسول بشر يأتي عليه ما يأتي على كل البشر يقول في ساعة الرضى وفي ساعة الغضب، فلا يجوز أن يكتب عنه كل ذلك، كما جاء في حديث إبن عمرو!!!؟
وهنا تبرز حقيقة إسلامية مظلومة، لطالما طمست تحت ركامات الفقه والسلاسل الطويلة من الروايات .. فهذا النبي يفرق تفرقة حاسمة: بين الظن البشري ولو جاء من عند الرسول نفسه وبين الوحي الإلهي ... بين أمور الدنيا وأمور الدين .. بين أحكام الله، أوامره ونواهيه وبين ما أباحه فسكت عنه .. فما سكت عنه القرآن العظيم فهو في دائرة المباح .. ودائرة المباح هي مساحة الحرية الفردية الشخصية والجماعية التي منحها الله للإنسان، ليمارس من خلالها قضية الاستخلاف في الأرض في استخدام خصائصه التي أودعها الله به من عقل وإرادة وحركة وفاعلية ..
2: وما حدث يوم بدر يعكس هذا المفهوم، وهذا المنطق .. ويؤكد هذه التربية وهذا التمييز الواضح بين بشرية الرسول وبين رسالته. عندما وقف أحد الصحابة سائلا: "يا رسول الله أهذا منزل أنزلكه الله .. أم هي الحرب والرأي والخديعة"؟ فيجيب صلوات الله عليه – "بل هي ما ذكرت، الحرب والرأي والخديعة..!! فيقول الصحابي لرسول الله، "إذًا ليس هذا برأي .. بل ننزل موضع كذا فنشرب ولا يشربون ونقاتل وظهورنا الى الجبل.." فيأخذ الرسول برأي الصحابي .. هكذا فهم المسلمون والصحابة دور الرسول، فإذا كان ما يُبلّغه من عند ربه فله السمع والطاعة .. وحين يجتهد رأيه في أمور الحرب والسياسة والدنيا، فهو محل أخذ ورد وحوار .. وتجد من يرد على الرسول رأيه، "ليس هذا برأي".
3: ومرة أخرى، وأخرى بعد أخرى، يبيّن لنا الرسول الكريم بأنه بشر لا يعلم الغيب، وكذلك لا يعلم ما يخفيه الناس في دخائلهم .. بل يبيّن لنا من غير مواربة، أنه وهو الرسول قد يُخدع من هؤلاء الذين يحسنون حبك رواياتهم، وتقديم حجتهم ودليلهم .. قال ذلك رسول الله حين سمع خصومه بباب حجرته .. وهي سكن زوجه أم سلمة. فخرج عليه الصلاة والسلام اليهم موضحًا: "إنما أنا بشر، وإنه يأتني الخصم ولعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صدق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو يتركها ..(6)
وجاء على هامش هذا الحديث، في الرد على من زعم أن من كان رسولاً فهو يعلم الغيب، ويطّلع على بواطن الأمور، ولا يخفى عليه الظالم والمظلوم، ونحو ذلك "فأشار إلى أن الوضع البشري يقتضي أن لا يدرك من الأمور إلاّ جواهرها فإنه خلق خلقًا لا يعلم ما يحتجب عليه من القضايا فتحجبه عن حقائق الأشياء .. فإذا تُرك على ما جُبل عليه من القضايا البشرية، ولم يُؤيد بالوحي السماوي، طرأ عليه ما يطرأ على سائر البشر. فأقضي له بذلك الذي سمعته منه، قطعة من النار .. أي من قضيت له بظاهر يخالف الباطن (بمعنى الحق) فهو حرام".(7)
قهذه ثلاث حالات من حالات كثيرة في هذا الموضوع، تظهر لنا التمييز الواضح، والبيان البليغ، في وصايا الرسول – عليه الصلاة والسلام – لأمته في التفريق بين الرسول المؤيّد بالوحي في أمور الدين وفروضه وواجباته .. وبين بشرية الرسول، وهو يعيش الحياة كغيره من الناس، سواءً كان ذلك في أمور الزراعة والصناعة فنحن "أعلم بأمور دنيانا". في مجال الحرب والسلام والسياسة. ينزل الرسول عن رأيه لصالح رأي جندي من جنود الاسلام، رأى فيه صوابًا .. وكذلك الأمر في الأقضية والأحكام. يؤكد فيها الرسول على بشريته، وأنه لا يعلم الغيب، ولا دخائل النفوس.
3:1:2: توسعت مساحة الأمر والنهي وضاقت مساحة المباح ، وباتت العامة والخاصة ما بين أمر او نهي..واختزل النشاط الذهني والعقلي في دوائر النظر ، فيما هو أمر او نهي ، خاصة بعد إغلاق باب الاجتهاد والنظر ، وتسلط النشاط التقليدي والسلفي وسيطرته على قنوات التفكير لدى الامة .. وهكذا بات الماضي: يحتكر التفكير للحاضر وحق السلف في صياغة أجوبة الخلف .. وتحولت حياة الأفراد والمجتمعات بين الأمر والنهي، بين الحلال والحرام ، وتجاور الحرام والحلال منطقة المباح التي كانت تباعد بينهما ... فأصبحنا كمن يمشي في حقل ألغام ، لا يدري متى يثور من تحت قدميه لغم الحرام ...!! 4:1:2: تضخم تراث الحديث في كل لون ومجال من مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية ، فان كان من أنصار الأمويين حشد الأحاديث وأنتج الكثير منها ليؤكد فضل معاوية وعلو منزلته في الاسلام... وان كان من الخوارج صاغ الاحاديث بالمعاني التي تخدم اغراضه وغاياته ومواقفه السياسية . وان كان من انصار اهل البيت ، اقتصرت رواية احاديثه عن آل البيت والمقربين منهم ومن شيعتهم ، وكذلك فعل بنو العباس..وذهبت طائفة تجمع الأحاديث وتحشدها في بيان فضل ابي بكر وعمر وعثمان-رضوان الله عليهم- وغيرهم من الصحابة. وإما إن كان صوفياً نشطت الأحاديث التي تذم الدنيا وتنقص من أهميتها ، وتتحدث عن الكشف والوجد وغير ذلك من الأدب الصوفي..وتصبح الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة وتصبح دار الباطل والفساد على الرغم من ان الله سبحانه يتحدث في قرآنه انه لم يخلق كل ذلك سدى او عبثا او باطلا ، بل خلقهما بالحق فالدنيا لم تعد جيفة وطلابها كلابا. وان كان من اهل الاعتزال والمتكلمين والفلاسفة، قام بتوفير الاحاديث التي تتحدث عن فضل العقل ومكانته . 5:1:2: ولأن المسيرة الثقافية والفقهية للامة اخذت هذا الاتجاه فقد ساعد على تطور علوم الحديث ، وخاصة علوم السند كالجرح والتعديل، وعلم تاريخ الرجال، بحيث يقدح بصدق الرواة وأسانيدهم ، او الشهادة لهم بالعدول الثقات.. وبرعت مدارس الحديث والفقه في مواضيع حبك الرواية واتصال سلسلة الاسانيد وسردياتها .. في الوقت الذي ظل فيه موضوع " متن الحديث" من غير تطور يذكر، بل تراجعت منزلته بل لم يعد شيئا يذكر الى جنب الاسناد ، بل ان علوم القرآن في الكثير من مواضيعها جاءت تخدم مدرسة الحديث.








التاريخ ما بين الهيمنة والقطيعة اذا كان التاريخ عبارة عن موضوع يبحث في حالات الحوادث والوقائع التي تحصل نتيجة النشاط البشري الذي يتفاعل مع الزمان والمكان اللذين يشكلان الوسط الموضوعي الذي تقع فيه الحوادث ، واذا كان التاريخ في الماضي يكتفي بتسجيل سيرة العظماء وحروبهم وأعمالهم، فهو اليوم يعنى بدراسة وتسجيل مسيرة الظاهرة الانسانية وتفاعلاتها مع الواقع، في المجالات المختلفة سواء كانت سياسية او اجتماعية او ثقافية، وتهتم بتسجيل تطور الحضارة والمدنية بصفتها فعلا جماهيريا ومؤسساتيا. فهو كما يهتم بتسجيل سيرة العظماء في كل المجالات وأفعالهم فهو يسجل ايضا سلوك وحركة المجتمعات الفكرية والعقائدية وتطور هذه السلوكيات في علاقاتها الذاتية والخارجية..وتظل فائدة التاريخ بمفهومه الكلاسيكي والحديث بانه يهدف الى كشف الحقائق التي تستبطن حركة التاريخ سواء كان بهدف المعرفة او من اجل العبرة ومزيد من تراكم الخبرة والتجربة الانسانية والتي تشكل الوعي الاجتماعي . وخطورة العامل التاريخي ، بما انه يسجل اللحظة التاريخية في تعامله مع الماضي، اللحظة التي كانت آنية ، تسجل افعال الآباء والاجداد تتحول الى شيء يثير فينا التقدير والاحترام والتبجيل بصفتها فعل الآباء والأجداد، وهكذا نُسقط تبجيل الآباء على اللحظة التاريخية،ثم على الماضي ، ويتحول التقدير والاحترام شيئا فشيئا الى منزلة التقديس والتأليه وهكذا . 1:3 : يتحول التاريخ والماضي، بصفته تعبيرا عن دور الآباء والأجداد ونشاطهم ، ويحال الى منطقة التقديس التي تتعالى على الدراسة والتحليل النقدي. ويصبح المس في الماضي مسا بالآباء والقادة الذين يثيرون اعجابنا وتقديرنا ..وهذا المفهوم السلوكي ، حالة مرضية تتجلى خطورتها في دورها وتأثيرها على تكوين ذهنية الامة .. خاصة وهي تحني قامتها امام الماضي المنتصب والمتعالي، فيصغر الحاضر امام الماضي ويعيش الخلف في ظلال السلف ثقافة وعقيدة وتتحول العلاقة الجدلية بين الاجيال الى علاقة تبعية تقليدية تضعف روح المبادرة والاستقلال وتطغى ارادة التاريخ والماضي على مجمل سلوكيات الناس.. وهذا ما يشكل خطورة كبيرة وعوائق ذاتية تمنع نهضة العرب والمسلمين . ويرى دارس التاريخ العربي والاسلامي، ان المسلمين قد تعاملوا مع التاريخ بثلاثة مفاهيم ساهمت كلها في صياغة عقلية الامة : 1:1:3: فئة عريضة واسعة من الامة انكمشت ذهنيتها ، وتشكلت عقليتها ، على الاسس الثقافية والمفاهيم العقائدية لعصور الامة الزاهية ، خاصة عصر النبوة والصحابة والتابعين وتابع التابعين ومن جاء بعدهم ، في الفترة التي نشط فيها الفقه وانتشرت مدارس الحديث.. تلك الفئات التي تسلقت الى النص المقدس وتحولت الى سلطة للنص، وشيئا فشيئا الى صاحبة النص وتماهت مع المقدس. حتى بات المس بها مساً بالمقدس ذاته. وهكذا دخل الماضي ممثلا بالعالم والفقيه منطقة الحرام التي لا تخضع للنقد والتفنيد، حيث لا يجرؤ احد عن الخروج على تعاليمهم ، فقد احتكروا عناصر المعرفة الدينية من غير منازع..وكل من يحاول تعديل او تغيير او الاجتهاد فيما اجتهد به الأولون أو مخالفتهم فقد دخل تلقائيا في طريق الهرطقة ، ومن دخل هذا الطريق لا يخرج حتى يحيي الله سبحانه العظام وهي رميم . وأقصى ما يُسمح به في هذا الباب ، ينحصر في تعليل قول الفقهاء والمجتهدين ورجال الحديث من اصحاب الموسوعات ، الوقوف عند التأويل والتفسير لما قد اجتهد به هؤلاء الفقهاء والعلماء . هذه الشريحة الواسعة من الناس ، قد انقطعت عن حاضرها واستبطن الماضي كل مجالات حياتها..وظنت ان حافة الاسلام الخارجية هي كل ما في الاسلام من معان ، فوقفت عند ظواهره الخارجية عند العمامة واللحية والثوب الطويل، والاكل باليمين ودخول المسجد باليمين والخروج بالشمال، وما يقول عند دخول الحمام وبأي رجل يدخل، فتراه يسير على هذه الهيئة في شوارع اوروبا وأمريكا .وأصبح كل ما عدا هذه الهيئة بدع ينبغي اجتنابها ومحاربتها . وقوم او فئة اخرى من هذه الامة تحمل ذات المفاهيم والمعاني وتنظر الى الماضي بنفس منظار الفئة التي ذكرنا ، الا انها وقفت عند الظاهر ايضا ، عندما اكتفت بالجاكيت والبنطلون وربطة العنق، فحسبت انها اصبحت في ميدان الحداثة ، ظنا منها ان الحداثة هي كل ذلك. وقوم آخرون يتحركون بمنطق السابقين ومفاهيمهم ويقف فهمهم لواقعهم عند حدود تمظهر هذا الواقع،هؤلاء جميعا لا ينظرون الى واقعهم وحاضرهم بمنطق هذا الواقع ومفاهيمه وآلياته وانما تنظر اليه بمقياس الماضي ومنطقه ، فهي تستهلك مما أنتجه الماضي فأصبحت عالة عليه. 2:1:3:واختلط على كل هؤلاء المفاهيم،والمعاني، وباتوا لا يفرقون بين البدعة في الدين وبين الابداع في فهم الدين والدنيا. هذه العقلية السلفية التي أكثرت من انتاج الأحاديث التي تحارب كل نشاط ذهني وتعمل على تكريس حياة التبعية والتقليد ... فهي ترى في كل جديد بدعة وضلالة ، واذا صح حديث"البدعة" الذي عادة ما يبدأ به خطباء الجمعة خطبهم ، فان تأويل السلفية للحديث بعيد كل البعد عن روح القرآن العظيم ومعانيه . فقد جاء في رياض الصالحين (للامام النووي ص 83) عن طريق جابر عن الرسول & :( فإنّ خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد & ، وشرّ الامور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) ومصير الضلالة الى النار . والعقلية الماضوية السلفية تفهم معنى(خير الحديث كتاب الله) امتناع وجود الخير في اي حديث غير حديث الله، وتأويل ذلك ان خير الكلام والحديث بخصوصه وشموله ، بقليله وكثيره ، محصور فقط في كتاب الله ، وان كل حديث عداه هو شر محض ، وهذا ينافي نص الحديث من جهة ، ويعارض فطرة الخير في الانسان من جهة ثانية... بينما الحديث ينص صراحة على ان كتاب الله هو خير الحديث وهذا لا ينفي وجود حديث يشتمل على الخير بدرجة اقل من الخير الذي في كتاب الله ، والذي قد يصدر عن فطرة الخير في الانسان ، فطرة الله التي فطر الناس عليها ... وكذلك الامر فيما يتعلق بهدي النبي & ، حيث ان المعنى لا ينفي وجود هدي أقل خيرية من هدي رسول الله &. ويتفرع عن فئة المسلمين ، الذين يرون بأنفسهم انهم اتباع هذا الدين فئتان عظيمتان: الاولى: ما عرف بأهل السنة والجماعة ، وينطبق على وصفهم ما سبق من حديث فلا ضرورة لتكريره . والثانية: شيعة اهل البيت ، وهم ايضا يرون بأنفسهم اصحاب السنة ، وما يميزهم هو اعتمادهم على رواية الحديث عن طريق أئمة اهل البيت ومن والاهم من الأتباع والمقربين. والحديث الصحيح في عرفهم : ما وافق كتاب الله ، فاذا ما عارض كتاب الله: " فاضربوا به عرض الحائط" كما قال الامام جعفر الصادق -رضي الله عنه. وما دمنا بصدد الحديث عن مشروع اسلامي وقضية اسلامية بعيدا عن المذهبية التي اكتوى المسلمون بنارها على امتداد تاريخهم ، وبهذه المناسبة لا بد من قول صريح قوي وخطاب واضح نخاطب به الغيارى على هذا الدين ، فلا بد لنا من ان نؤكد على: أ:ليس هناك مسلم واحد، ينطق معتزاً بـ" لا اله الا الله محمد رسول الله " الا ولعلي ابن ابي طالب وذريته محبة في قلبه ، فلا ينبغي ان يزايد في هذه المحبة احد على أحد- يقول الزمخشري الخوارزمي في تفسير اية :{ ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحم ودا} ( مريم 96) ويروى عن ابن عباس- رضي الله عنهما- وقد سئل عن هذه الاية قال:( نزلت في علي بن ابي طالب، رضي الله عنه، لانه ما من مسلم الا ولعلي في قلبه محبة). كثيرون من بين من يطلق عليهم اهل السنة والجماعة ، سيُسر لو ان عليا بن ابي طالب كان الخليفة الاول بعد رسول الله & .. وأنا شخصيا وأحسب أن الكثيرين مثلي يحبون عليا حبا ما أحبوا بعد رسول الله احدا مثله . فلا ينبغي ان يزايد في هذا الحب احد على احد .. ولكن تبقى القضية كما علمنا علي نفسه يوم أحد ، كما سبق ان ذكرنا ..فان الاسلام ومصلحة المسلمين أعزّ علينا من أي فرد من أفراد المسلمين مهما بلغت منزلته من سموّ ورفعة ، فليس معنى ذلك ان يتنكر المرء لما اتفق عليه المسلمون في ساعة الشدة والعسرة ، فاذا وقع اختيارهم على صاحب رسول الله وثاني اثنين اذ هما في الغار، ابي بكر الصديق في لحظة من لحظات التاريخ ، وقد أحسن السيرة بين المسلمين وحافظ على بيضة الاسلام ، فأين هو الإشكال في ذلك؟ ب: هذه حادثة تاريخية ، وكان ينبغي على العقل السوي ان يتعامل مع هذه القضية في ظرفها التاريخي، بحيث لا ينسحب تأثيرها على الاجيال المتعاقبة ، فتتشكل على حواشها طقوس وعقائد وسلوكيات تحفر هذا الأخدود العميق في صفوف الامة على مدى تاريخها الطويل، فتعاقب اجيال الامة المتعاقبة بذلك الحدث التاريخي بهذه القطيعة التي تعيشها الامة. الا اذا كانت هناك أيد غريبة ودخيلة على هذا الدين تريد ان يستمر هذا الانقسام. والسبئية ليست خرافة ولا اسطورة ، اختلقها المسلمون ليعلقوا عليها سلبياتهم ، بل هي واقعة تاريخية كان لها أكبر الأثر في هذا الانقسام وما زال. ان هذه المواقف مبنية على مفاهيم مغلوطة بمقياس الاسلام الذي يقرر :{كل نفس بما كسبت رهينة} (المدثر 38) ، وقول الحق تبارك وتعالى :{ وأن ليس للانسان الا ما سعى} ( النجم 39) وكذلك قول :{ تلك امة قد خلت لها ما كسبت ، ولكم ما كسبتم ولا تُسئلون عما كانوا يعملون } (البقرة 134). ج: ليس للمسلمين اليوم- كل المسلمين- جريرة تذكر في قضية تنصيب معاوية ابن ابي سفيان - خليفة على المسلمين وبالتالي كل الخلافة الاموية. د: وليس هناك من بين المسلمين اليوم من لا يحزن على مقتل الحسين بن علي- رضي الله عنهما- هذه مأساة فجع بها المسلمون ، ومع ما صاحبها من ألم وحزن ينبغي ايضا ان تظل في مجالها التاريخي، ولا يجوز لها بأي صورة من الصور ان تؤثر سلبا وقطيعة على أجيال الامة المتعاقبة ، اما ان يرسم هذا التاريخ السوداوي ، مع ما رافقه من مآس ، عقائد الامة وطقوسها ، ان يحفر في مشاعرها هذا الاخدود العميق ، الذي تجاوز المشاعر الى خلق سياسات واقعية تتحكم بمصير الامة!! فهذا مرض ينبغي للمشروع الاسلامي تجاوزه ان كان صادقا في بعثة وتحقيقه ، حتى يُخيل للمرء بأن العديد من بين الشيعة من ينظر لأهل السنة اليوم وكأنهم يحملون دم الامام علي- كرم الله وجهه- وأبنائه على رسولنا وعليهم السلام. اذا كان لا بد من نهضة للمشروع الاسلامي، فينبغي اول ما ينبغي، ان ينحصر تفاعلنا مع احداث التاريخ ووقائعه في مجال تداولها الظرفي، ولا يمتد تفاعلنا معه وتأثيرها علينا في رسم حدود مستقبلنا الى آخر الزمان ، وان تعمل الامة على اختزال كل تلك" الأحاديث" التي تبالغ في تثوير المشاعر والعواطف وبعثها متأججة باستمرار، تلك التي تتغذى من نسيج الذاكرة الجمعية للامة، حيث ترسبت فيها عواطف النقمة والحقد على أهداف لم يعد لها في الحقيقة والواقع وجود. هذا النوع من الاحاديث وانتاجها وحشدها قد مارسته معظم الفرق والجماعات الاسلامية وتوسعت فيه من غير جدوى ، بل لقد أضر في الماضي وما زال محل ضرر في نسيج الامة الاجتماعي والسياسي والثقافي . آن الأوان ان يجتمع المسلمون حول ما يوحدهم ، وان ينبذوا كل ما يساعد على فرقتهم وانقسامهم. حان الوقت ان نرجع الى كتاب الله وحده ، نلتقي به وعليه ، حان الوقت ان نخلص الالهي المقدس من البشري . حان الوقت ان نفرق بين النص المقدس وبين سلطة النص.


المرجعية الواحدة والقواسم المشتركة 1:4:هيمنة مرجعية القرآن الكريم ليس العيب في أن تتعدد المفاهيم والتأويلات ، ومن ثمّ تتعدد الجماعات وتتوزع النِحَل والملل تمشياً مع الكفاءات والمواهب المتفاوتة في الفهم والادراك والتحصيل ... ولكن العيب والخلل بل الخطورة عندما ترى كل جماعة وملة بأنها على الحق والصواب ، وان غيرها على الخطأ والباطل... ان ما نؤمن به هو الحق دائماً، وأن ما يعتقده الآخر هو الباطل دائما، وتصبح كل جماعة توقن انها وحدها تمثل مبادىء الاسلام ، وكل من سواها منحرف وزائغ ، تجب هدايته ، وإلا فهو مرتد كافر ويلزمنا طرده والاستغناء عنه، واذا كان الحديث عن مشروع نهضة اسلامية ، لأمة اسلامية فلا بدْ : 1:1:4: من توفير ، ارادة واعية ومستقلة عن كل تعصب مذهبي، وتذويت هذه الاطروحة حتى التماهي معها :» انا اريد اذن انا موجود» ، وإقصاء كل عملية اسقاط للتاريخ وما فيه من سلبيات على واقعنا ، واعتماد آلية ومنطق ، يساعدنا في المساهمة في تجديد التراث، والتحول من امة تستهتلك مما أنتجه الماضي، من غير تمحيص الى امة منتجة بالانطلاق من الفهم الجيد للتراث الصحيح مرتكزين على إدراك واع للواقع الذي نعيشه . وبهذا نضع المشروع الاسلامي على مرتكزات واضحة واعتماد منهجية تربط الماضي الغني بالحاضر الفاعل والمنفعل بظروف واقعه المتطلع الى آفاق المستقبل ..بحيث نقاضي التراث وننقده بمنطق وآليات نشأت في بيئته الثقافية ولا نقاضيه الى منطق تم تصنيعه في ثقافة مغايرة. «أنا اريد اذن انا موجود» هي الأرضية التي تنطلق منها روح المبادرة ، والذات المبادرة هي التي تتحلى بروح المغامرة المحسوبة. والارادة الواعية الباحثة هي التي تنتج آليات التقدم والتطور ابتداء بالمنظومة المعرفية والفكرية وانتاج المفاهيم في مجالات الحياة المختلفة. 2:1:4: لا بد من البحث عن قواسم مشتركة يجمع عليها عامة المسلمين ، ولا بأس من إنتاج وتوفير مثل هذه القواسم ، او استنباطها من مبادىء ديننا وقيمه. 3:1:4: ان الذي لديه إلمام بسيط بأوضاع الامة وواقعها وتاريخها وكذلك في مجال العقيدة وطقوسها التعبدية ، يستطيع ان يدرك بسهولة دور القرآن الكريم ووظيفته ومنزلته واجماع الامة على عصمته وقدسية نصوصه ، فهو بذلك قد يشكل المرجعية الوحيدة التي تجمع عليها الامة. وبهذا فهو يصلح مصدراً لاستنباط وانتاج القواسم المشتركة للامة. *يكفي اعتبار القرآن الكريم ، القاضي في سلوكياتنا ومنظومة قيمنا الاخلاقية والمعرفية لتتشكل بين دفتيه امة واحدة بهوية وشخصية متميزة واحدة. *وهذا الامر ، لا يدرك ،ولا يُحصّل إلا بتخليص الالهي المقدس والمطلق من البشري الزمني والفاني، وهذه هي الخطوة الرئيسية التي تسبب تحرير العقل المسلم من سلطان الفقهاء المقدس ومن سلطة الماضي والتراث المترسب حولهم ، بحيث يشعر الشخص والفرد المسلم بحرية البحث والاجتهاد، فيما اجتهد به هؤلاء الفقهاء العظام لزمانهم ، والزام انفسنا بالقاعدة التي أوجدها هؤلاء القادة الفقهاء في قولهم عن الصحابة والتابعين :» هؤلاء رجال ونحن رجال « الشعور بمثل هذه الندية ، ونحن نقرأ فقه الامام الشافعي والحنبلي والحنفي والجعفري او المالكي وغيرهم .وتحرير العقل المسلم من مسلمات اسطورية قامت حول شخصية هؤلاء الفقهاء والعلماء رضوان الله عليهم، ودعنا نضرب لذلك مثلا : فكثير من المشايخ الوعاظ ما يسردون على مستمعيهم في معرض تبجيل وتقديس هؤلاء العلماء ، وحتى تستشعر نفوسنا الصغار والتقزم أمام قدرات الامام الشافعي مثلا ، حيكت هذه المقولة :» كان رضي الله عنه- عندما يجلس ليقرأ الصحيفة يستر بيده الصفحة المقابلة لسرعة قراءته واستيعابه ! ويستغرب المرء وهو يقرأ مثل ذلك وكأن الطباعة ودور النشر الموجودة بوفرة هذه الايام ، قد نسخها خيال الواعظ وسافر بها بعيدا موغلاً في التاريخ ليضعها بين يدي الامام الشافعي ...!! ثم لا أدري ، لماذا كان الامام الشافعي يستر الصفحة المقابلة اذا كان يستطيع ان يقرأها ويستوعبها مع سابقتها في آن واحد ...؟ ما الذي يضطره ان يفعل ذلك اذا كانت قراءتُه اسرع من التقاط المصور بالكاميره ..!؟ ومن منا يستطيع ان يفعل ذلك؟ واذا كان الحال كذلك.، فأين انت ايها المغرور ، من مستوى الامام الشافعي ، وما كان عليه من حدة الذكاء المعجز الخارق للعادة ؟؟ وهكذا تنحني قاماتنا ، ونعيش حالة الصغار والتي تصغر معها ذهنيتنا وتقيد ارادتنا وبالتالي نصغر نحن ويصغر حاضرنا وزماننا لكي يصبح تبعا لزمانهم ، فتلك هي الشموس والاجرام الفلكية الضخمة التي تجذبنا لندور في فلكها ! اين هذه الخرافة التي ابتدعها كهاننا ومشايخنا من وصية الامام الشافعي لنا- وهو يعلم طلابه ومستمعيه ، ومن يقرأون من بعدهم :» خذوا علمكم من حيث أخذت ولا تقلدوني فيما أقول «. يريد الشافعي ان يردنا الى النص، الى كتاب الله الذي كان يستمد منه الشافعي علمه ويستنبط منه الأحكام ، ويبني عليه فقهه واجتهاده ، وماذا يوصي الشافعي وفقهه ، ليس القول النهائي ، والحكم الخاتم ، فكتاب الله المعجز ، اعظم من ان يحيط به عقل بشري، حتى وإن كان في سرعة حفظه أسرع من الكاميرا ، فليس للمحدود ان يحيط باللا محدود، او النهائي باللانهائي ، فالقول النهائي هو قول الله سبحانه وتعالى ، والخاتم هو النبي -عليه وآله السلام- بما أوحي اليه من ربه ، يريدنا الشافعي ان نأخذ علمنا من حيث أخذ من الكتاب والسنة ، لعل من بيننا من يستطيع ان يستنبط الاحكام والشرائع من تلك النصوص كما فعل الشافعي، فكل يجتهد لزمانه وظروفه وواقعه وحاضره . *ان يظل القرآن الكريم هو المتفرد بالقدسية ، وهو القاضي وهو المهيمن على كل ما عدا ، فالاحاديث المنسوبة لرسول الله & ، ينبغي ان تظل تابعة للقرآن الكريم ، فما وافق القرآن الكريم أخذنا به وما خالفه وعارضه ، فلا حاجة لنا به . *وأن ما سكت عنه الشارع الحكيم في كتابه العزيز، ولم تحدده وتعيّنه السنة العملية الموافقة لكتاب الله، فهو نص من الشارع الحكيم بالاباحة لا ينبغي ان يملأه بشر نيابة عن الله سبحانه ، بقياس او اجماع باطلاق، وانما قياسا واجماعا مشروطا بظروفه ، بحيث لا يلزم الامة في كل اجيالها المتعاقبة. *ان حق الاجتهاد والبحث والدراسة ، ليس مولودا قد توفي في القرن الخامس او السادس الهجري ، وانما هو حق يولد مع كل انسان قدم لهذه الحياة ، وحق لكل جيل من اجيال الامة المتعاقبة ، ان تفكر لزمانها ولظرفها وواقعها ، وان تختار بارادتها تعيين مصلحتها ، كل ذلك حق لكل انسان مسلم استطاع ان يحوز العلم الكافي وملك آليات الاجتهاد . 2:4: السنة والشيعة امة واحدة : واقع الامة الاسلامية اليوم يقول بملء الفم انها امم كثيرة وانها في كثير من الاحوال متخاصمة ومتنازعة، بل ان كل امة من امة الاسلام هي جماعات وفئات ، هي مركبة من نحل وملل تجمعها الفرقة والخصومة، لسبب جد بسيط، تخليها جميعا عن مرجعيتها القدسية او اختلاط مرجعياتها الكثيرة ، الامر الذي ساعد على بعث الكيانات الاثنية المتعددة. نقول عن السنة والشيعة امة واحدة باعتبار انفسهما مسلمين ، فاذا ما توفرت هناك النية الصادقة والعزيمة الواضحة للنهوض بالمشروع الاسلامي، فلا بد لها من انتاج قواسم مشتركة تنطلق من مرجعية متفق عليها ، ولا بد من الانتصاب امام الماضي بتراثه الديني والفقهي تحليلا ودراسة ، ونقدا وتقييما ،لا بد لنا جميعا افرادا وجماعات ومجتمعات ان نعيد الثقة بالنفس حتى نستطيع تشكيل واقعا مستقلا وحضورا شاهدا ومستشعرا بهموم الحاضر من أجل ازاحة الماضي المتشكل الحاضر في سلوكياتنا . 1:2:4:حتى لا يصبح التاريخ قيدا: لا بد لنا جميعا من امتلاك ارادة واعية ومستقلة ، ارادة واعية مستقلة تملك امكانية المبادرة ومن ثم ان تنتج وان تبدع في انتاجها ، وهذه الامور اذا اجتمعت تأهلت الامة الى الإقدام في ميادين المغامرات المدروسة والمحسوبة ، فلا جديد من غير مغامرة ومخاطرة في المجال الفكري الثقافي وفي ميادين الفنون المختلفة. *حتى نخرج من أسر التاريخ ومن سيطرة الماضي، ومصادرة الحاضر وهمومه ، وحتى يصبح لنا تاريخا نكتبه ، التاريخ بايجابياته وسلبياته ومعوقاته ، لان من يكتب التاريخ هو الذي يتفاعل فيه ويتمدد بحركة ذاتة ويعيشه هموما واقعية متجسدة. *ان يتحول التاريخ لدينا الى موضوع دراسة وبحث،وتحليل وليس عبادة وتقديسا وتبجيلا ، فرق كبير بين ان نعرف التاريخ ونتعامل معه في نطاق المعرفة والفهم والادراك ، فاذا اردنا ان نعيد انتاجه متى كان صالحا انتجناه بأنفسنا بأدواتنا نحن ، ننتجه او نعيد انتاجه بعلم ومعرفة ودراية ، وليس تقليدا واتباعا فقط، اعادة انتاج الماضي متى كان صالحا نافعا انتجناه بأنفسنا . اما سلبياته فيلزمنا خلعها بكل الوسائل الممكنة والتخلص من آثارها بكل فخر واعتزاز . *الحادثة التاريخية ، ينبغي ان نعيشها في لحظة تشكلها، سواء كانت مأساة وهزيمة ام كانت نصرا وابتهاجا ، ينبغي ان تظل في نطاق التجربة الانسانية، ولا ينبغي ان تتحول الى شبح يطاردنا ، ثم تتشكل هذه الواقعة التاريخية على شكل عقلية وذهنية نعيد انتاج تلك الواقعة المأساوية او الحاسمة باستمرار، فتتحول مع تقادم الزمن الى طقوس تتعبد بها الامة الى آخر الزمان ، ثم تصوغ سلوكيات الامة وأدبياتها وطرق تفكيرها. وحياة الامم ، كما هي حياة الافراد تمر بحالات وأوضاع مختلفة ومتنوعة : فيها السرور والابتهاج، وفيها الحزن والأسى ، فيها القوة والعنفوان ، وفيها الضعف والخور ، فيها الازدهار والتقدم ، وفيها الانحطاط والتأخر ، ولا ينبغي للتاريخ بأفراحه ومآسيه ان يظل دائم المثول في حركة المجتمع ونشاطه، فتعيش الامة الماضي وتبعثه في حياتها تكرارا واجترارا يثقل على العقل والنفس والوجدان. *فالامة ممثلة في الشيعة تجعل من ذكرى عاشوراء وحادثة استشهاد الحسين- رضي الله عنه- فاجعة قومية متجددة كل عام ..!! والممارسات والادبيات التي تشكلت وما زالت تتشكل حول تلك اللحظة التاريخية تمنع كل محاولة جادة لاعادة اللحمة في كيان الامة. فان السواد الاعظم من اخواننا الشيعة يرون بشطر الامة الاخر وكأنه امتداد لبني أمية وبني العباس والعثمانيين ، وهكذا فليس غريبا ان تجد من يُحمّل اهل السنة الذين يعيشون اليوم وغدا وقبل اليوم ، مسؤولية مقتل الحسين ، فهي فوق كونها في وعي الامة ولا وعيها جراح نازفة ، تساهم في إنبات وتنمية النفور بشكل متجدد ، ويكرس بهذا عوامل الفرقة في صفوف الامة ، هذا التعامل مع وقائع التاريخ وأحداثه ، على هذه الصورة عبر مئات السنين شكل عقلية رافضة لقبول منطق الامة الواحدة. والتماهي مع وقائع التاريخ بحيث تتحول الواقعة التاريخية ، الموغلة في القدم ، باعثا ومنشطا لهموم الماضي ومآسيه ومساهما رئيسيا في صياغة مشاعر وعواطف الامة ، وشكل شخصية الامة وانتماءاتها، هذه المشاعر الوجدانية والتي تحولت الى طقوس تعبدية ، أمست معملا يعيد انتاج الماضي بأفراحه ومآسيه . *هذا من جهة ومن جهة اخرى ، تعيد الامة التي خرجت من التاريخ ، ذكريات أمجادها، فالذي لا يفعل التاريخ ولا يكتبه يعيش وقائع التاريخ الماضية تكراراً واجتراراً لأصدائه ، فتحولت مواقع مثل بدر ، وأحد ، وفتح مكة والقادسية واليرموك وفتح الاندلس وغيرها الى مناسبات تحيي به الامة تاريخها المجيد، اذا لم تستطع انتاج امجاد في حياتها ، فلا أقل من ان تستظل في ظل أمجاد التاريخ وتعيش الامجاد ذكريات تحييها في كل عام ، وقعدت همتها عند ذلك ، وهكذا كالمثل الذي يقول:» أبي يغزو وأم تحدث» لأن من لا يملك همة الفعل والحضور ، لا بد له من ان يحتفل بما أنتجه غيره من أمجاد ، لأن من لا يحفر أثراً في التاريخ فهو خارج التاريخ. *وما لم تلتق الامة « بشيعتها وأهل سنتها « على قواسم مشتركة وتصدر عن مرجعية واحدة ،وهو القرآن الكريم ، فلن تستطيع ان تنهض بالمشروع الاسلامي، القرآن الكريم ، الكتاب الحي، الصادر عن الحي الذي لا يموت ، القرآن الكريم الذي يتنزل على الامة باستمرار والذي يخاطب أجيال الامة المتعاقبة باستمرار ، ليس بمفهوم التراث ، وانما بمفهوم التنزل الآني المتحرك . وان نتعامل مع هذا الكتاب بثبات نصوصه وحركة المعاني في نطاق هذه النصوص، بتعبير آخر ان يتم الفصل بشكل قطعي وحازم بين الالهي ومنزلة المقدس وبين البشري محل النقد والتفنيد، فسوق يبقى للمشروع الاسلامي معلقا بعيدا عن الانجاز والتحقيق . *والامة بمجموعها ما لم تنهض لتملك ارادتها وتشكلها ومن ثم تتحول الى أمة منتجة لمفاهيمها وآلياتها ومنظوماتها الخلقية والمعرفية التي تتحرك في فضائها الاسلامي فسوف تبقى موظفة عند «الآخر» سواء كان هذا «الآخر» هو الماضي بترسباته او«الآخر» العدو والخصم ، موظفة عند اعدائها ضد مصالحها ومستقبلها كما هو الحال في جلّ تاريخها الحديث ، وهذا مؤشر على ان عملية تلبيس قد تمت في تاريخ الامة ، عملية تلبيس في دينها تلبيس الالهي بالبشري . (8)





















القطيعة مع الماضي اذا كان هذا هو حال الفئة التي تعيش في ظلال هيمنة التاريخ وقداسة الماضي، وتأليه التراث، فما هو حال هؤلاء الذين يرون وجوب القطيعة مع هذا الماضي والتنكر للتراث بما فيه من أمجاد ، أقول"يرون" ولا أقول"يعملون" لأن السلفية ومنطقها مترسبة في سلوكياتهم وفي اللاوعي عندهم ، يرفعون شعار القطيعة مع الماضي وبالواقع يعملون على تكريسه تقليداً وتبعية ان لم يكن للماضي ، فتبعية "للآخر الغربي" او"الآخر" بشكل عام ، لأن الذات قد صغرت وانكمشت وخف وزنها النوعي وقلت كثافتها، فأصبحت تنجذب بسرعة هنا وهناك. 1:3:4:هذه الفئة من بين العرب والمسلمين في شتى بقاعهم ، سنحت لهم الفرصة بطريقة او بأخرى الاحتكاك بالاخر، عن طريق التجارة او البعثات العلمية فبهرهم بريق حضارتها وتقدمها الصناعي الى جانب تخلف اوطانها، وقد بدأ هذا التواصل من بين العرب في بادىء الامر عن طريق نخبة من التجار والمثقفين المسيحيين واليهود، تم ذلك بقصد النكاية بالعثمانيين المسلمين والنيل من قوتهم ، كان من بين هؤلاء قادة فكريون تتلمذوا على فكر اوروبا وفلسفة الدولة القومية . هؤلاء القادة الفكريون، وجدوا في انفسهم امتدادا لاوروبا في تبنيهم للفكر القومي العلماني في العالم الاسلامي، وأقاموا جمعيات سرية برعاية الغرب الاستعماري وتمويله ، تدعو الى قيام نظام حكم قومي وعلماني على أنقاض الخلافة الاسلامية ، وبالانفصال عنها ، هذه الجمعيات "عربية الفتاة" و"الاتحاد والترقي" وتركيا الفتاة" التركيتين الى جانب" ايران الفتاة؛ و"كردستان الفتاة" هذه الجمعيات تشكلت على ذات النهج المتبع في غرب اوروبا ، حيث قامت جمعيات تحمل نفس الاسم"ايطاليا الفتاة" و"ألمانيا الفتاة"وغيرها . ❊ هذه النخب التي رعتها اوروبا على عينها ، راحت تنشر روح القطيعة مع الذات ، وتصورت ان النهضة والتقدم ، لا بد ان تحصل على انقاض المفاهيم الدينية، والابتعاد عن هذه الامور الغيبية ، وقطع الصلات معها ، وراحت هذه النخب تعمل بعمالة سافرة وجرأة متناهية ، ووقاحة قذرة على ازدراء كل ما حصّله التراث قياسا لما وصل اليه الغرب، ونشطت بعض هذه النخب خاصة في لبنان ، وبعض الكتاب المصريين وعلى رأسهم طه حسين الذي دعا في كتابه الشهير "مستقبل الثقافة في مصر 1939 " الى فكرة المتوسطية التي تبنتها نخبة كبيرة من المثقفين المسيحيين اللبنانيين ، ذهب طه حسين في هذا الاتجاه حداً بعيدا جداً فطالب بالانصهار والاندماج الكلي مع الحضارة الاوروبية والتماهي معها ، والخروج قطعيا من كل انتماء للتراث الشرقي ".(9) وشبيها من موقف طه حسين هذا وقفت غالبية النخبة المثقفة المسيحية في لبنان" من شارل مالك ، وفرح انطون ، وشبلي الشميل، وخليل غانم ، وجبران خليل جبران ،نجيب عازوري، وبولس نجيم الماروني، ورينيه حبشة، وميشال شيحا وغيرهم. (10) * اذا كانت الفئة الاولى قد انكشف لها افلاسها امام امجاد الماضي وتحصيلها وانتاجها الذي جمد على درجة الصفر فعبدت الماضي المانح لها كل ما تستهلكه في حاضرها الذي اصابه العقم ، واذا كان استعمال مصطلح "الاستهلاك" يشتمل على قدر لو ضئيل من الفعل ورد الفعل التلقائي الداخلي، فاننا مع هذه الفئة نحن امام ظاهرة الاجترار والتكرار والنسخ . *فان الفئة التي يحلو لها ان تسمي نفسها بـ "العلمانية" وما هي من العلمانية الغربية الا كنسبة واقع المسلمين اليوم وحاضرهم الى ما كان عليه الامجاد من السلف، هذه الفئة التي صغرت امام التفوق الغربي، فقبلت صاغرة ان تعيش وتستهلك فتات وفضلات الغرب المتفوق ، وكما ان الاولى قد وقفت عاجزة عند حافة الاسلام ، حيث لم تتمكن من هضم تراثها المجيد، بل وقفت عند قشوره وهوامشه ،

אין תגובות:

הוסף רשומת תגובה